عدتُ بلا سحور! (جاد بكل ما يملك) - أحمد علي سليمان

لا شيء يكسرُ أنفَ المرء كالفقرِ
حتى يُخلفه في ربقة القهرِ

ويجعلُ الناسَ لا ترضى بشُفعته
وتلتقيه بلفظٍ سيئ مزري

ويستهينُ به الأهلون أجمعُهم
كأنه خاملُ الأوصاف والذكر

وحُجة الناس أن الفقرَ جَندله
وخصَّه بالأذى والبؤس والضر

فعاش منكسرَ الإحساس مبتئساً
يئنُ - في الفقر - مِن طورٍ إلى طور

لذاك قال (الإمامُ) الفذ قولته
تلك التي نقشتْ مِن قبلُ في السفر

الفقرُ لو كان - في هذي الدنا - رجلاً
حصدتُ هامته السوداءَ بالبتر

عليّ جُبت - بهذا القول - عالمَنا
فليس شيءٌ - يُذِل الناسَ - كالفقر

ويبلغ الفقر - بين الخلق - ذروته
إن قل أهل العطا والجود والخير

ولا أدلّ على ما أدعيه سوى
حكايةٍ حار - في أحداثها - فكري

أتيتُ للسوق ، والخيراتُ تغمره
والناسُ حشدٌ يبيعُ ، وفِرقة تشري

والصومُ أمسى على الأبواب يرصدهم
والسبتُ يومَ غدٍ بداية الشهر

والسوقُ بالناس والتجار مزدحمٌ
وحالة السوق بين المَدّ والجزر

والمالُ في الجيب ، والأسعارُ لافحة
وسوف أبتاعُ مهما زيدَ في السعر

وكنتُ وفرتُ - مِن وظيفتي - حِصصاً
وبارك اللهُ ما قيضتُ من ذخر

فالحمد لله أعطانا وفضلنا
له على الفضل كلُ الحمد والشكر

لكنّ عيني هنا قد أبصرتْ عجباً
ولم أحِط بالذي أراه مِن خبر

طفلاً ، وأماً تعاني في معيشتها
وتشتكي قسوة الأحوال والعُسر

فقلتُ: أسمعُ ما يدورُ بينهما
علّي أساعدُ ، أرجو وافرَ الأجر

وقدوتي (عمرٌ) فيما أمارسُه
ونيتي عند ربي عالِم السر

قال الصبيّ: أريدُ المَوز ليس سوى
وأنتِ يا أم بي خيرُ التي تدري

قالت: ألست ترى الغلاء ينهرُنا؟
أم أن مثلك لا يُحِس بالنهر؟

بدرهم موزة ، أليس ذا سرفاً؟
وسوف يسحبنا الإسرافُ للوزر

فقال: لو موزة ، أروي بها نهمي
وأعشقُ العيشَ إما لاكها ثغري

فقالتِ: اهدأ ، ولا تُلحَّ ، قلتُ: نعم
سأشتري موزة؟ عليك بالصبر

ثم اشترتْها ، ووفتْ بالذي وعدتْ
حتى تعالجَ ما بالطفل من ضَير

فراح يأكلها فوراً بقشرتها
فقلتُ: ليس يُطاقُ الموز بالقِشر

فرُحتُ أنزعُ - للمسكين - قشرتها
فقال والدمع في عين الفتى يجري

لو كنتَ أبقيتَ - لي - قشراً يُعوّضني
عن أكْل أخرى هنا في حوزة الغير

فسال دمعي - أمام الطفل - مُنحدراً
ودمعُ قلبي جرى - في التو - كالبحر

فقلتُ: أهديك (كرتوناً) أجودُ به
إذا انتظرت ، وأزجيهِ على الفور

فقال: أفعلُ ، أهداك المليك غداً
مِن الجنان جميل الأكل والخمر

وعدتُ أحمل (كرتوناً) شقيتُ به
فقلتُ: خذ ، فإذا بهالة البِشر

وراح يرقصُ مسروراً ومُحتفلاً
كأنما الموز أضحى مطمح العمر

وجُدت بالمال - عند الباب - مُحتسباً
فالجود بالمال من صنائع البر

وذِعتُ سِري لحمل الناس أجمعِهم
على التخلي عن التقتير والحكر

© 2024 - موقع الشعر