عبيد المال

لـ أحمد علي سليمان، ، في الهجاء، 2

عبيد المال - أحمد علي سليمان

يَا عَبِيد المَال ، مَا هَذا الجُمُودْ؟
كيفَ يَحلُو العَيشُ فِي ظِلِّ القُيودْ؟

كَيفَ صَارَ المَالُ مَعبوداً لَكُم؟
كيفَ بَاتَ القلبُ عَبداً للنُّقُود؟

هَذِهِ الأرواحُ بَاتَت كَلأً
لسراب الدِّرهَمِ العَاتِي الوَئِيد

وكذا الألبابُ أَعْمَاها الكَرَى
والدنانيرُ علَى هَذا شُهُودْ

دِرْهمٌ فِي كُلِّ عَين مَاثلٌ
يَركُلُ الإنسانَ فِي هذا الوُجُود

وكذا فِي القَلبِ يَجثُو دِرهمٌ
يَلفظُ التَّوحيدَ فِي كُلِّ صَعيد

وإذا فِي النَّفسِ أيضاً دِرْهَمٌ
يهدر اليَاقوتَ ، والذِّكرَ المَجِيد

وعلَى الرُّوحِ تَمَطَّى دِرهَمٌ
يَرفُضُ التَّذكِيرَ ، حَتَّى بِاللُّحُود

وإذا فِي كُل شِدقِ دِرهَمٌ
طَاعِنُ الإعْراضِ ، جَبَارٌ عَنِيد

وإذا فَوقَ المطايا درهَمٌ
ظالمُ الصَّدعِ ، رَهِيبٌ كالحَدِيد

وكذا بَينَ الحَنَايَا دِرهَمٌ
ضاِربٌ في الجَذب ، لَمَّاح القَصِيد

وكنَيفُ الدَّار يَأوِي دِرهماً
ظالمُ الوسواس شَيطَانٌ مَرِيدْ

فَوْقَ سَطْحِ الدَّارِ غَنَّى دِرهمٌ
وصَدَى الألحانِ آتٍ مِنْ بَعِيد

يَجْذبُ الجُعلاَنَ مِنْ قَعْر الثَّرى
ولُهم - في الذل - لَون كَالعَبِيد

وإذا فِي كُلِّ كَفِّ دِرَّهَمٌ
يعبد الغُل ، ويأوي للقُيُود

يَا قوارِين الوَرَى، تعساً لكم
اقرَأوا التَّاريخَ مُذْ كَانَ الجُدُود

عِندمَا قَارون - في القوم - بَغَى
غَرَّةُ الدينار ، فاجتَازَ الحُدُود

وتَعَامى ، وتناسى أَصلَه
فأطال الفَخرَ ، والعُجبَ البَلِيد

لَوْ تَزَكى - صَدِّقوني – ما طَغَى
ولَما كَانَت زُيُوفٌ ، أَوْ رُعُود

أُوتِي الأموالَ تَترى ، والغنَى
مثلما فِرعونُ قّد صف الجُنُود

أُكمِلَ الثَّالُوتُ فِي هَذي الدنَا
وإذا بالقومِ يُهدُون الوُرُود

وإذا بِالكِبرِ يَجتَاحُ الوَرَى
مِن لَظَى قَارونَ قَد شَابَ الوَليد

قَالَ أهل العلمِ: لا تفرَحْ أيا
مَن بِهذا المَال يُغرِيكَ الصُّعُودْ

إنَّ رَبَّ النَّاسِ لا يَرضى إذَن
عَن عبِيدِ غرَّهم ذَاكَ الحَصِيد

وابتغِ الجَنَّاتِ ، واعمل تُعطَهَا
ثمَّ لا تهمِل هُنا القَصرَ الرَّصِيد

ثمَّ أحسنْ ، إنَّمَا التَّقوى الغِنى
مِثلما أعطاكَ مَولانا الحَمِيد

أَعطِ مَن يَرجُوكَ خيراً عَاجلاً
إن مَن يُعطي الوَرَى بًاتَ السَّعِيد

ثُمَّ لا تنشُدْ فساداً فَي الدُنا
لَيسَ يَرضَى اللهُ عَن عَبدِ كَنُود

يَكنِزُ المَالَ ، ويطوي خَيرَهُ
وإذا الإنفاقُ نَادى ، فالصُّدُود

قَالَ قَارُونُ ، بأنَّ المَالَ لِي
وتعَامى ، وتَمادَى فِي الجُحُود

وإذا الحمقى حيارى خَلفهُ
وتَمنوْا عندهُ الخَير المَدِيد

وإذا بَالعِلمِ ، يَعلُو صَوتُهُ
وزئير الحَقُّ ، قد فاق الأُسُود

ويلَكُم ، مَا عِندَ مَولانا الغِنى
تُسعِد الإنسان جَناتُ الخُلُود

ثُمَّ كَانَ الخَسفُ لَلقارون لَم
يُنقذِ القَارونَ مَالٌ ، أو يُفِيد

يا قوارين الدُّنَا ، هَل عِبرَةٌ؟
هَذه أسوتُكم ، بِئسَ الوُفود

فَاركُلُوا بِالنَّعلِ أشقَى قُدوةٍ
وارجموا بالصَّخرِ هَا ذَاكَ الطَّرِيد

وخذوا التوحيد نهجاً ، واصدقوا
إنما الصِّدقُ هُوَ الفوز السَدِيد

واحزنوا للهَدْي مِمَّا نِالَهُ
لا تُطيلُوا فِي دُجَى المَالِ الوَجِيد

إنَّما المَالُ سَرَابٌ زَائلٌ
فامهدُوا للنَّفسِ في يَومِ الوَعِيد

واقهَرُوا النَّفسَ عَلَى حبِّ الهُدَى
ليسَ يومٌ مَر مِن عُمرِ يَعُود

© 2024 - موقع الشعر