طبيب الغلابة الدكتور محمد المشالي - أحمد علي سليمان

تفرَدت بالأمجاد تترى تفرّدا
وكنت مثالاً يرفع الرأسَ أصيدا

وعشت تؤدي للحزانى حقوقهم
وسعيُك بالخيرات كم كان أمجدا

تفضلت حتى قَيل: أشرفُ باذل
وأعطيت حتى بت في الناس سيدا

بهمة مفضال ، وجُود مناول
وأعذرت للمولى ببذل له صدى

وجُدت بما طالت يمينك مشفقاً
وكنت لأهل الفقر والحاجة الفدا

وأسديت معروفاً تعاظم وصفه
ولم تنتظر رد الجمائل أزيدا

وزكّيت بالأوقات والمال حِسبة
فقد عشت شاباً كان بالبذل أغيدا

وعاونت أقواماً شقاءٌ حياتُهم
فكنت غِياثاً عبقرياً ومُرفِدا

وأكرمت مَن جاؤوك يسعون للشفا
وربي شفى ، والطب كان (محمدا)

ووفيت لم تبخل ، ولم تكُ مُقْتِراً
وإن الوفا خيرٌ ثواباً ومَحْتدا

وخمسون عاماً شاهداتٌ بلا مِرا
بأنك خيرٌ – في البليّات - مَقصدا

ومن عجب هذي (البحيرة) فاخرتْ
بدُكْتُرْ (مشاليْ) ابناً بحُسنى ترَشّدا

وبات مثالاً في المروءات يُحتذى
وأمسى سراجاً في الدّجُنات فرقدا

وأمست بطنطا مَكْرُمات وسُمعة
هنالك نادت ، ثم ذا وقرَ الندا

فزايل أهلاً بالبحيرة شوقهم
لمن فارق الأهلين بالملتقى شدا

تخصصت في بطن وطب طفولةٍ
فأمسيت في كلٍ مُجيداً ومُفرَدا

وأجلت عُرساً كي تربِّيَ يُتّماً
أبوهم قضى فرداً ، وخلّف أولُدا

فمن ذا يُعيل الطفل إلا عُمومة؟
فكنت الذي أعني مُعيلاً ومُرشدا

فيا طب (قصر العينيْ) جدّي وفاخري
بهذا الطبيب الفذ ما أشرق المدى

وحُق لأبناء الفقيد تفاخرٌ
بوالدهم ، إذ عاش فذاً ممجدا

(مشالي) رأيْنا أن مِثلك نادرٌ
ولسنا نزكّي إي على الرب أعبُدا

ترفعت عن قوت الفقير وماله
وقلت: فقيرٌ بات بالفقر مُجهدا

وقلت: أداوي عِلة علِقتْ به
ولمّا تُطِب عيشاً لديه ومَرقدا

وأغسل أطماع الأطباء ، بعضُهم
على فقراء الحي راهن واعتدى

وأقسمتُ أني للمَعوذ نصيرُه
ليحيا مِن المَيسور أهنا وأسعدا

وأبذل ما اسطعتُ ، الحياة قصيرة
لعلي ألاقي الموت يا صحبتي غدا

وأزهد في مال المساكين قانعاً
ويسمو الألى عاشوا كِراماً وزهّدا

وأحيا لخلق الله أؤوي فقيرهم
أعالج أمعاءً تُقاسي وأكبُدا

وأعنى بداءات البطون جميعها
بها يغتدي المسكين في الناس مُقعدا

ولستُ أبالي بالإشاعات لفقتْ
فقلبي ببذل الخير دوماً تفرّدا

وهل يُلجمُ الباغين صمتي وعزمتي؟
وبابي لمرضاي اعلموا ليس مُوصدا

وأسعدُ وقتي ما أقضيه باذلاً
علاجاً لمرضى أصبحوا الآن سُهّدا

وتَطربُ روحي إن بذلتُ تفضلي
على كل محتاج تجلبب بالردى

ألا أيها المرضى هلموا عيادتي
بكم تحتفي ، إذ ترسلُ الود كالندى

فزوروا بلا قيدٍ ، ولا حِل موعدٍ
فلستُ الذي يهوَى شروطاً وموعدا

أباهي بكم بين الأطباء ما وعوا
رسالة طبي إذ تُسامِرُ روّدا

وما الطب إن لم يلتزم مبدأ الإخا
فيرحمُ محتاجاً بسِحنته بدا؟

وما الطب إن بات سلعة تاجر
تُباع بأموال لتُزهقها سُدى؟

وما الطب إما عز عن كل مُعدَم
على جسمه السُقمُ العتيّ تأسّدا؟

وهل هو أمسى للمُدِلّ بماله؟
كأني به بالمال قايض وافتدى

وترْحَلُ يا دُكْترْ (مشاليْ) مُتاركاً
سرايا من المرضى يُصارعها الردى

وتبكيك في الدنيا قلوبٌ تعلقتْ
بما كنت تُزجي من عطايا مُوَطدا

وتحزنُ أرواحٌ عليك كسيرة
وتنعي جوى من كان للخير مَوردا

وتلتاعُ أكبادٌ لفقد طبيبها
وقد صار أخباراً يُرددها الصدى

ويرثي لذكراك الجميلة شاعرٌ
تراه انبرى صوب اليراع ، وقصّدا

ويرثيك شِعراً لا تجفّ دموعُه
ويدعو لك الرحمن إما تهجّدا

حنانيك هذا الدمعُ بعضُ جَميلكم
يَسِحّ على القرطاس إن راح أو غدا

فجعنا بأخبار تؤكد موتكم
وسَمتُك يبقى في قرانا مخلدا

وفخرٌ لشعري أن يُؤبِّن راحلاً
بقدرك ، يا رباه فارحم (محمدا)

وأبدله داراً ، ثم أهلاً وعِزوة
تفوق الذي قد كان فيه ، وأزيدا

وسامحه ، واقبل توبه ، وتولهُ
بهذا دعونا راكعين وسُجّدا

© 2024 - موقع الشعر