شموخ ناقة! (صدمتها سيارة فماتت رافعة رأسها) - أحمد علي سليمان

شُموخ في الحياة وفي المماتِ
وقانا الله شر النائباتِ

توارتْ شمسُ عمركِ في صباها
وخط الموت دائرة الفوات

مفاجأة تحيّر من رآها
ففيها عِبرة تزجي العِظات

وذكرى تستقيمُ بها النوايا
إذا انحرفتْ ببعض الذكريات

ودرسٌ في المصائر لا يُبارى
ولغز في ممارسة الحياة

وما سلمتْ دواب الأرض يوماً
ولا الآنام من أخذ الممات

سَبرتُ العيش جداً واجتهاداً
وحللتُ الرؤى والتضحيات

وصاحبتُ الكبار أريد هدياً
يُبلغني سبيل الأمنيات

وطالعتُ الكتابات احتساباً
وفيها كم أطلتُ تأملاتي

وعاملتُ الخلائق باحترام
وآثرتُ العَطا والمَكرمات

وصغتُ الشعرَ فيما كنت ألقى
وحبّرتُ الصدى في الأمسيات

فألفيتُ الحياة تقيمُ شأناً
لقوم مِن هُواة الترّهات

وتخفضُ آخرين لهم عطاءٌ
يفوقُ اليومَ كل الأعطيات

وسيفُ الموت ماض لا يُحابي
كأن الخلق باتوا أضْحيات

له كل الخلائق في ارتقاب
وإن سكنوا بروجاً في الفلاة

وإن عاشوا من الأعوام ردحاً
وإن لم يشتكوا أدنى شكاة

وإن غفلوا عن الرُجعى تماماً
فموتُهُمُ - برغم الأنف - آت

ودنيا النوق تأسرُ كل لب
وتُعجز كل ألسنة الرواة

وتفتن من تأملها ملياً
وتهدي الذكر غضاً للغفاة

فسعيٌ دون كَلِّ في البراري
وسيرُ تغنج حَذِرُ الأناة

وأسفارٌ تنوء بها أسودٌ
وأحمالٌ كمثل المُعضلات

وطاقاتٌ تفوقُ حدودَ وصفٍ
أديبٌ مَن يصوغ لها الصفات

وخلقٌ فيه آياتٌ تجلتْ
تسبّح رب كل الكائنات

تعالى الله أبدع كل خلق
ويهديهِ لفعل الطيبات

تحدى الله بالخلق البرايا
فأخرس – بالتحدي - كل عات

فهم لن يَخلقوا حتى ذباباً
وإن جمعوا لذا أعتى العتاة

وإن يسلبهم شيئاً ذبابٌ
فلن يستنقذوا بعض الفتات

وخلق النوق يُبهر كل عين
ويَعيا العقل عن ذكر السِمات

فلما امتدّ سهمُ الموت غاصت
قوائمُها بدون مُقدمات

وكنّ يسرن في أبهى احتفال
مسيراً فاق أحلى الأغنيات

يُسلين الخواطر في دلال
ويهدين الترنم للحُداة

كمثل الغِيد سارت نوقُ قوم
على كثبانهم مُتبخترات

خرائدُ حسنُهن له بريقٌ
فهل للنوق دندنة البنات؟

وزار الموتُ إحداهن عصراً
إذ اصطدمتْ بإحدى الشاحنات

فما ارتجفتْ ، وما سَحّتْ دموعاً
وما قبلتْ أراجيف النعاة

وما نظرتْ ببارقة اعتراض
على موت جنى زهر الحياة

وما رضختْ بذل مَن استكانتْ
وما قنطتْ لفعل العائدات

ولكنْ واجهتْ بالعز موتاً
تحدى كل أسباب النجاة

وقد قبلتْ قضاء الله فيها
بقلب مُفعم بشذى الثبات

ورأسٍ لم تنكسْه المنايا
وعزمِ المؤمنات الخيّرات

وجسمٍ لم تحطمْه الرزايا
وبأسِ الصالحات الفضليات

ومَن يرَها يظن بها حياة
فقد جلستْ جلوس المُتعبات

وقد بركَتْ ، وحنّ لها أديمٌ
وما باحت بشيءٍ من شَكاة

وكنتُ حسبتها ترتاح قسطاً
لتصطحب النياقَ إلى الفلاة

ولم أرها تقلب أي طرفٍ
كمؤمنةٍ ترتّل في الصلاة

لها صمتٌ يُحيّر مَن يراها
وفيها لن يُصدّق شائعات

لأن العين تبصرُ في اعتبار
ورؤيا العين أوقعُ للثقات

شموخ الناقة العصماء يُبكي
ويأسرُ وعْيَ ألباب التقاة

بصرتُ بها ، ولم أبرحْ مكاني
وكررتُ السؤالَ على الرعاة

فقيل: إذا علموا لأتوْا سِراعاً
فهم للنوق مِن خير الحُماة

فأمسكتُ اليراع ، وقلتُ مرحى
بخير قصيدةٍ تشجي رُواتي

ورحتُ أصوّر المأساة شِعراً
فما قلبي المعذبُ مِن صَفاة

وعند غروب شمس اليوم كانت
قصيدتنا تخط الدائرات

وكان الصوم ضيفاً لكلينا
يُلِين الصومُ أفئدة القساة

فذي صامت عن العيش امتثالاً
لأمر الله رب الكائنات

وصُمتُ اليوم للمولى احتساباً
فصومُ الشهر أرجى الطيبات

ولان الشعرُ حتى نلت قصدي
وطابت فيه سيدة اللغات

وأبّنتُ الفقيدة بالتحايا
وجاملتُ النياق النيرات

كما شمختْ نويقتنا لموتٍ
نقشتُ الشعرَ دون تأوّهات

فكان عزاؤنا بالشعر عِزاً
وتأبيني لها خيرُ الهبات

شُموخكِ بات - في الدنيا - نشيداً
سيذكرُه التقاة مع العُصاة

© 2024 - موقع الشعر