ارجعن فلقد آذيتن! (عائشة الجاري) - أحمد علي سليمان

ارجعن يا عاراً على النسوانِ
ومصيبة حلت على البُلدانِ

يا لعنة قد حطمتْ شُيّابنا
ما بالنا بطلائع الشبان؟

يا خيبة مَحقتْ ربيع حياتنا
إذ روّجتْ للفسق والعصيان

يا محنة شابت عليها طغمة
واستعذبتْ منها رقيعَ هوان

يا فتنة عمّت ، وشبّ سُعارها
وسعيرها كثواقب الشهبان

يا حربة الأعداء في أحشائنا
غرسَتْ بأيدي فُسّقٍ وزوان

هانت عليكن الكرامة والإبا
والعِرضُ بيع بأبخس الأثمان

من كل ساقطةٍ تبيع جمالها
بخساً لأفحش تاجر أو زان

أمست بسوق الدعر أرخصَ سلعةٍ
كالكأس في يد مُدمن سَكران

تزجي الجمال مزخرفاً لمُريده
متحلياً بسبائك العِقيان

خطواتها وكلامها ولِحاظها
فِتنٌ تصيب الصبّ بالهَذيان

والعِقد - في جيد المليحة - تحفة
بلآلئ ، سَطعتْ على الفستان

والقرط يُبرز ما اختفى من حُسنها
متلألئ بشعاعه الفتان

وسُوارها وقد ازدهى في مِعصم
يَسبي خواطر كل ذي سُلوان

وتناسُق (المكياج) يمنحُ وجهها
ألقاً يطيش بأعين العرسان

وذوائب الشعر الرسِيل تهدلتْ
فوق الجبين ، وأسفل الآذان

أما القوام فقد سما في وصفهِ
إذ فاق - في الفقرات - غصن البان

ومعاطفُ العنق الجميل قد انثنتْ
طرباً على الأنغام والألحان

حِيز الجمالُ مقنطراً لمن اشتهى
مِن ساحر الأشكال والألوان

وأمام أضواء تفجر وهْجها
نظر الرجال عُذوبة النسوان

وتمايلوا فرحاً بكل خُلاعةٍ
مَن ذا يُطيق - اليوم - عُهر غوان

وتراقصوا: كلٌّ يُقدم فنه
في خفةٍ وتغنّج وتفان

وترنحوا مستأنسين بسهرةٍ
ورديةٍ في قمة الهَيَمان

مِن كل أشيبَ هازلٍ متوقّح
أمسى يُردد - في اللقاء - أغاني

ويُعاجل الحَسنا برقصة عابثٍ
وقد استكان لنزغة الشيطان

والظهر كالعُرجون أو هو دونهُ
والشعر أشيبُ مِن قديم زمان

والوجه أزّته التجاعيدُ التي
هي سُنة الخلاق في الإنسان

والعين غارت والجفون تقرحتْ
والدمعُ منحدرُ السيولة فان

والأنف يغمرها المُخاط كئيبة
ويسيل - فوق الخد - كالطوفان

ولُحيّة أكل المشيبُ عبيرها
وفمٌ بلا ناب ، ولا أسنان

ولقد رأيت الشيب يُنذر أهله
ويقول في سِر وفي إعلان

أنذرتكم إن كنتمُ لم تعلموا
وبذلتُ نصحي في رطيب معان

عجباً أيرقص أشيب متندراً؟
أوَليس يذكر لفة الأكفان؟

ويبيتُ يحلم بالحِسان صَبابة
وهُو الذي جلب الأذى لحِسان

حتى أتت بدوية قد هالها
ما لم يكن أبداً على الحُسبان

أتت السُرادق في سَوادِ عباءةٍ
وشجاعةٍ دلتْ على الرجحان

قد خمّرتْ عن كل عينٍ وجهها
والكل رحّب مُكرَها بحَصَان

قطعتْ عليهم رقصهم وفجورهم
هو موقفٌ يحتاج جهد رَزان

جاءت ومَن منهم يحب مجيئها؟
لتزيل ما قد ساد من أعفان

جاءت إلى الضّلال تستبق الخطا
لتصول مثل الليث في الميدان

لتحق حقاً ، ثم تبطل باطلاً
لتحول بين النوق والبعران

لتعيد للعُرس الكرامة والبها
ولكي تعدّل دفة الندمان

جاءت تحمّسها الحمية والحيا
وبدون تقديم ، ولا استئذان

جاءت تقول الحق دون مهابة
وبغير ما لف ، ولا دوران

جاءت لتشهد أنها قد بلغتْ
واستهدفتْ زمراً من القُطعان

جاءت وفي كف مجامعُ ثوبها
فلربما ابتليتْ بطيش جبان

ويمينها حملتْ عصا تزهو بها
فلربما رُفعتْ عصا لفلان

وتكلمت فيهم بكل شجاعةٍ
بمقالةٍ تُزري بأي بيان

والكل أطرق للمقالة شاخصاً
والبعض أبدى لهجة استهجان

لكنما لفح النفوسَ أداؤها
والصمت ألجم ثائر الضيفان

وجموا كأن الطير فوق رؤوسهم
واستسلموا لبلاغة التبيان

والبعض آزرها ، وزكّى فعلها
ودعا لها بالخير والرضوان

والراقصات هُزمن شر هزيمة
ورجعن في ذل ، وفي خذلان

وجررن أذيال الندامة والأسى
في سهرةٍ أفضت إلى الخسران

وانصعن للكلمات دون تذمر
لمّا رأين تغافل العُبدان

وركبن حافلة التحلل والهوى
وكأنما أخطأن في العنوان

أما خطيبة عرسهم فترجلتْ
وسْط النساء إلى المحل الثاني

والعرس صار بخير حال بعدما
صدت (عووشٌ) هجمة العدوان

وجزا المهيمن من أقام حدوده
في هذه الدنيا بلا نقصان

وإذا استبيحت حُرمة نصحَ الورى
ودعا لهم بالصفح والغفران

وإذا تمادوْا لم يكن مُتملقاً
بل ثار يرجو رحمة الرحمن

© 2024 - موقع الشعر