الشاعر ليس نبياً ليكون شعره وحياً - أحمد علي سليمان

خطاءٌ المرءُ مهما قِيل فهّامُ
ولا تُلامُ على الأخطاء أحلامُ
إن أعملتْ فكرَها في الأمر واجتهدتْ
ولم يعُقها عن التفكير إحجام
وهل تُصيبُ عقولٌ في الهوى حُبستْ؟
وهل يكون مع الأهواء إقدام؟
كم نستعينُ بأسباب لتُسعفنا
حتى تُحَقَق أهدافٌ وآضام
كم نبذلُ الجهد في سر وفي علن
وكم يُسربلنا عجزٌ وإيلام
وكم نعالجُ بالإصرار رِيبتنا
فلا يُعرقلُ ما ننويه أوهام
وكم نصممُ في تنفيذنا خططاً
وكل بندٍ له قيدٌ وإلزام
وكم قرار بلا فوضى نناقشُهُ
كي لا تزل بنا في التيه أقدام
وكم عواقبَ قبل البدء ندرسُها
كي لا تضل بنا في الفكر أفهام
فهل خلا سعينا المبرورُ مِن خطأ
ونحن مَن بجميع السعي قد قاموا
لا سعيَ يخلو مِن الأخطاء أوجدَها
قومٌ ثمارَ الذي سعَوْا له راموا
فالنقصُ سَمتٌ لهم ، وهم به وصفوا
وليس في الوصف إن حققت إبهام
ولا أراهم بهذا النقص قد خرجوا
مِن آدميتهم ، إني لظلّام
أبوهمُ آدمٌ عصى ، وتوبتُه
لمّا يكنْ بعدها في العيش آثام
كل ابن آدمَ خطاءٌ ، وخيرُ فتىً
مَن تابَ يُرشدُه للتوب علام
ومِن بني آدمٍ واللهِ شاعرُنا
فهل على خطإٍ يُصليه لوّام؟
كم ذاد عن بيضة الإسلام محتسباً
له بشرع مليك الناس إلمام
وكم تكبدَ هولاً في مناظرةٍ
حتى يفيد الألى في غيهم هاموا
وكم بشعر له قد خاض خندمة
ليُعْلم الناس إن أفاد إعلام
وكم تعقبَ بالأشعار مِن شَبَهٍ
يريد فضحَ أناس حولها حاموا
كم سخر الشعر يُحيي قِيمة وُئدتْ
هذا الغيورُ على الأخلاق قوّام
كم أبطل السحر زكاه الألى فجروا
والسحرُ إن راجَ بين الناس هدّام
كم للرشاد دعا مَن عنه كم صُرفوا
حتى غزا الناسَ إيمانٌ وإسلام
كم بالقصائد جلى كل غامضةٍ
وليس يبقى مع الأنوار إظلام
بالشعر لمّا يصفْ جمال آنسةٍ
حتى تُغنيه ألحانٌ وأنغام
بالشعر لمّا يُزخرفْ قبحَ معصيةٍ
لأن زخرفة العصيان إجرام
بالشعر لمّا يُطوّعْ دينَ خالقه
إذ ليس في الدين بالأشعار إسهام
بالشعر لمّا يُنافقْ في الدنا أحداً
أوراقه برئتْ ، وعافَ مِرسام
بالشعر لمّا يُدشنْ كي يكون له
مالٌ وجاهٌ وتبجيلٌ وإكرام
بالشعر لمّا يُجاملْ قيد أنملةٍ
حتى تكون له جُلى وإعظام
واليوم تقتله عمداً على خطإٍ
وتمنحُ السيف مَن عن الإخا صاموا
مَن ذا علمت بلا عيب ولا خلل؟
وهل بلا غلطٍ في الأرض آنام؟
وأي شِعر خلا مِن بعض منقصةٍ
بها أخِلتْ بهذا الشعر أنغام؟
وأي شِعر قلا يوماً ضرورته
وللضرورة في الأشعار أحكام
وأي شِعر تُرى شروطه اكتملتْ
فسطرتْه بدون العيب أقلام؟
وأي شِعر تُرى أبياتُه قبلتْ
فلم يعبْها على التحقيق نَظام؟
والباحثون لهم دَورٌ وتجربة
قالوا: الجوازاتُ أنواعٌ وأقسام
كم غربلوا زبَدَ الأشعار تحسبُهم
مؤلفيها ، وهم بنخلها قاموا
فبينوا سُقمَ نص رغم صِحته
وكم تُخِل بحُسن النص أسقام
وصححوا النص تُشجينا طلاوته
هل كان في مَعرض التصحيح إلهام؟
من قبل (حسانَ) والأشعارُ ما سلمتْ
من العيوب لماذا اللومُ والسام؟
مثل الدروب على ساحاتها انتشرتْ
حصباؤها ، ويلي الحصباءَ آكام
مَن رام شعراً بلا عيب يُكدره
تُقدِّم الشعرَ ذا رُؤىً وأحلام
لم يوح رب الورى شعراً لناظمه
وإنما الشُعَرا في شعرهم هاموا
ومن هنا كانت الأخطاء ديدنهم
وفي القصائد مما قلتُ أرقام
من امرئ القيس حتى اليوم تُفجعنا
هذي العيوبُ لها جبرٌ وإرغام؟
وليس يسلم منها شاعرٌ أبداً
إلا إذا كتب الأشعار أعجام
بعض العيوب تُرى مُراً لآكله
والبعض للآكل الذوّاق دمدام
إذ الجوازاتُ تُعطي الشعرَ رونقه
كما تكمِّل طعمَ القوم آدام
إن كان أخطأ (شوقي) في قصائده
فهل يُؤاخِذ إنْ أخطأتُ لوام؟
يا قوم كفوا عن التثبيط ، والتمسوا
عُذراً لمن زل ، فالتثبيط إفحام
وصوّبوا معنا الأخطاءَ دون هوى
ففي نصيحتكم عطفٌ وإكرام
وجنبونا عصا التشهير تنهرُنا
فلا يكون لنا في الشعر إقدام
جزاكمُ الله خيراً عن قصائدنا
صححتموها لكم في النصح إسهام
© 2024 - موقع الشعر