رسالة صديق مشفق على اللغة العربية - أحمد علي سليمان

عفواً حنانيكِ: إن القلب يضطرمُ
والدمعُ – من لومكِ – المُلتاع ينسجمُ

والنفسُ من لفظكِ المَحزون في شجن
يَؤزها ، ويُعادي عزمَها الألم

ويحَ الأحاسيس ، ما جفتْ مدامعُها
تبكي ، ويذبحُها – بصمته – الندم!

وبالعواطف وَجدٌ لا حدودَ له
وبالمشاعر جُرحٌ ليس يلتئم

وبالفؤاد أسىً تزداد غمته
متى يزول الأسى والجرحُ والغمم؟!

وبالضمير عذاباتٌ تنوءُ به
يُراعُ – من هولها – المستبصرُ الفهِم

يا ضادُ جرحُكِ - فينا – صَيّبٌ دمهُ
متى سيوقف - مِن جرح يئنّ - دم؟

يا ضاد همّكِ مَن – في الناس – يحمله؟
ومَن سيُخمد ناراً – فيكِ – تضطرم؟

ومَن يُعيد شبابَ الضاد مُحتسباً
من بعد أن شجّها في المحنة الهِرَم؟

ومَن يُعيد حياة الضاد تملأنا
عِزاً ، وقد هدّها - بين الورى - العدم؟

ومَن يبرّئها من ساحةٍ ملئتْ
غدراً ، وقد لفحتْ إباءها التهم؟

ومَن سيُبطل كيد الماكرين بها؟
والكيدُ يَحبكُه لصٌ ومُجترم!

ومَن يُفند تضليلاً يقوم به
قومٌ عن الخير في ضاد السلام عموا؟

ومَن يُحَطم ما شادوه من كذب؟
ومَن لحقّ - لسان الضاد - ينتقم؟

ومَن يوحّد صفاً فيه وَحدتنا؟
أم أن صفكِ – دون الجهد – يلتحم؟

ومَن يؤلف عقداً بات منفرطاً؟
أم أن عقدكِ – بالتفريط – ينتظم؟

ومَن سيكْبتُ أعداءً تُحيط بنا
في كل مُعتركٍ – لحربكِ - اعتصموا؟

ومَن يصدّ هجوماً بات يُخرسُنا
لمَن يكيد لنا؟ وما لنا البكَم!

ومَن يردّ ضحىً غاراتِ مَن هزلوا؟
فالليلُ طال ، وأرخى ستره السخم!

تعلمنتْ – حولنا - الأصقاعُ راضية
من بعد ما بيعتِ العُهودُ والذمم

حتى استساغت نظاماً لا يليق بنا
هل كان - ينقصُنا يا ضادنا - النظم؟

وقد غزتنا لغاتُ الغرْب قاطبة
فزاحمتْ ضادنا ، وانهارتِ الدعم

واستُهجنت لغة الأعراب دون حيا
ولفظها – اليوم – بين العُرب يَنبهم

وصُفِدَتْ ، ورحى الأصفاد دائرة
وبالرّكاكة – في الأسلوب - تُتهم

وفي سُجون الهوان الضادُ قد حُبستْ
لأنها لغة يَمَلّها القِدم!

وشِعرُها في قيود الأسر مُرتهنٌ
تئنّ – في جوفه – الأوزانُ والنغم

ونثرها ، وسِياط الظلم تجلدُه
كأن هذي السياط الوابلُ الرَذِم

وفي السلاسل كم ناحت بلاغتها!
وحقها – في علوم الناس - مُهتضم

والضادُ تنعي البيانَ الغضّ تقتله
أيدي الجهالة ، بئسّ الفسّق الغشُم!

وفي الدغاول كم نِيلتْ فصاحتها!
لم يخلُ من دمها في الساح مُصطدم

وليس يرحمُ صعلوكٌ إبانتها
مَن يسلبُ الحق هل - في قلبه - رُحُم؟

أين البديعُ؟ لماذا لا يُحَدّثنا
عن المصائر؟ هل أودى به الضرم؟

أين المَجاز؟ أما طاب المقامُ له؟
أم مزقته – لدى أعرابنا – النقم؟

أين القوافي التي تختالُ ضاحكة؟
هل فارقتْ دارَها أجراسُها العُصُم؟

أين العَروضُ يُسلّي القلبَ رونقه
ويستسيغ صداهُ من - به - صَمم؟!

تنوعتْ زمَرُ الباغين تسلبنا
ضاداً - بها - تشمخ الأعرافُ والقِيم

فمِن سقيمٍ لبانُ الغرب مَشربُه
أمسى يُساق له - في جيده - لجُم!

ومِن عقيم الرؤى ، أفكارُه عبثٌ
أضحى تسيّرُه الأهواءُ والديَم

ومِن بليدٍ رأى – في الغرب - قِبلته
غدا يُصلي له ، والزيفَ يَحترم

ومِن أجير تردّى في سعير هوىً
إذا رأى صورة الدينار ينهزم

ومِن دَعيٍّ – بضاد العُرب - مُرتزقٌ
يسيل منه - إذا ما شجّها - اللعم!

ومِن رقيع يُعادي الضاد يَحْقِرُها
لعجزه ، إنه قِزمٌ ، وذي شمم!

يا ضادُ لا تقلقي ، فإنهم همجٌ
هل تستوي الأسْدُ في الهيجاء والغنم؟

فإنكِ النورُ يسري في مرابعنا
وهم دجىً زادُه الشحناءُ والوَغم

والنورُ يمحو الدجى ، فهل مجادلة؟
لا يستوي النورُ يا عصماءُ والظلم!

أنتِ المَعينُ صفا حُباً لوارده
وهم وما كتبوا - يا غادتي - رِمَم

أبطالكِ الغر كم ردّوا! وكم دفعوا!
وكم ألمّتْ بهم – في الضجة – القحَم!

وهم أعادوا لنا ذكرى الخليل شجىً
وزادُهم – في الدفاع – المنهجُ اللقِم

أعداؤهم حملوا الحُسامَ تشفية
وعُدة الصِيد - من أبنائك - القلم

يا ضادُ لا تجزعي إن عز جَحْفلهم
وإن تصايحتِ الهتافة البُهُم

همُ السرابُ سرى في كل ضاحيةٍ
وسوف يُردي سَرابَ المُعتدي الجَحَم

همُ الرمالُ عُتوّ الريح يُصْرفها
هل الرمالُ استوتْ - يا ضادُ - والأكَم؟

همُ الخفافيشُ ، في الظلماء ثورتهم
ومنكِ تنبثق الشموسُ والنجُم

همُ القواقعُ ، يرمي البحرُ ميّتها
زهْداً ، وتسحقها أمواجُهُ البُهُم!

همُ الرمادُ ، وإن ماج الذهولُ به
فهل يسود إذا مَجّتْ به الحُمَم؟

همُ الجرادُ هفا إلى مراتعه
وسوف تصعقه الآرامُ والحُذم!

يا ضادُ هم رفعوا لواءَ علمنةٍ
ونحن ناصرُنا – في الفتنة - الحَكَم

لن نستكين لهم ، واللهُ غايتنا
والمسلمُ الحقُ – بالتوحيد - يعتصم

مهما تطاولَ – في الأصقاع - باطلهم
أو أيّدتهم – على تدميرنا - الأمم

مهما سعوْا قدُماً في نشر ما اعتقدوا
ولو سرتْ في الورى تلك الفِرى الجُسُم

مهما تذرّعَ – بالتشهير - فيلقهم
فإن قدوتهم – فيما أتَوْا - إرَم

وقد تكون ثمودٌ دون كِبْرهمُ!
وجمعُهم – رغم هذا الكِبْر - منهزم

أسَطر اليوم هذا الوعد شِعرَ تقىً
وفي النزال يَبينُ الفارسُ القصَم

والشعر أمضى من التشويه يَحْبكُه
قلبٌ - من الحقد والتخذيل - مضطرم

إن القريض له فحوى يبوح بها
وسَيفه - إن دَعَى داعي الوغى - خذِم

و(ذي المجاز) – على ما قلتُ - حُجّتنا
فالبدءُ فيه ، وفي (العُكاظ) مُختتم!

واسأل (مِجَنّة) ، والأشعارُ تغمره
عِصابة شِعرُها تزكو به الهمم

كلٌ يُبارز – بالقريض - صاحبه
كالأسْد ضاقت - بها - الأدغالُ والأجُم

كلٌ يسل – من الأشعار - حَربته
شعرٌ صحيحُ العُرى ، فما به سَقم

هيَ العروبة إنْ فخرٌ بلهجتها!
ودون هذا فذي صِنوان والصنم!

حيث الحنيفة روحٌ في عُروبتنا
بالدين أعرابنا أماجدٌ كُرُم

لكنْ قصدتُ هنا ضاداً تُجَمّلنا
بعد الحنيفة ، إن المِلة السلم

يا ضادُ لا تضعُفي في الحرب ، أو تهني
هذا أوارُ القنا - يا ضادُ - مُحْتدِم

لا تعتبي ها هنا أن القطيعَ غفا
فإن مرتعَه - يا غادتي - وَخِم

نهْبُ العدو ، ولا يدري حقيقته
وعِلية للعِدا – كما نرى - خدَم

ضاعتْ ممالكُهم سُدىً ، وسُؤدَدُهم
لولا التردي لمّا حلتْ بها الإزم

وفرّطوا – ويحهم – في ضاد مَجدهمُ
واليومَ إن نطقوا ، كأنهم عَجَم!

وكم يُعِز شعوباً ما تقول به
من اللغات ، وإن القول مُعْتلم

وعِزة العُرب من إسلامهم بزغتْ
قِوامُه الخيرُ والتوحيدُ والقِيم

والضادُ لؤلؤة في تاج مِلتنا
عمادُها الفصلُ والتبيينُ والحِكَم

بها تنزل قرآنُ المليك على
(محمد) الحق ، نعم المصطفى الهشِم!

بها تكلم خير الخلق أجمعهم
ولفظه - بلسان الضاد - محتكم

ودُونتْ – بلسان الضاد - سُنته
نعم اللسانُ ، ونعم الفضلُ والنعم!

وسُجّلتْ – بلسان الضاد - سِيرته
وشرّفتْ ضادَنا الأحداثُ والسيَم

وأغلبُ الصحب من أعراب باديةٍ
نعم الرجالُ! ونعم القادة اللزم!

يا ضادُ فلتفخري – بين اللغا - شرفاً
فأنت أمٌ لها ، والأم تحترَم

عهداً نصونكِ في سر وفي علن
فصدّقي عهدنا ، لأنه قسَم

نعْلي لواءكِ خفاقاً ، نتيه به
ونلهبُ الشعر حتى يحلوَ الرنم

نشدّ أزر لسان الضاد في ثقةٍ
مهما اعترانا البَلا والصَد والعَرَم

فنصرة الضاد دَيْنٌ في ضمائرنا
وخذلُها جُرُمٌ من فوقها جُرُم

يا ضادُ لا تحزني ، إنا نتوق إلى
يوم تزول – به - الآهاتُ والقصُم

فتلبسين به تاجاً له ألقٌ
في مَوْكب عبق ، حُبُورُه عَمَم

على جبينكِ شِعرُ العُرب مبتهجٌ
تفوحُ زاهية أزهارُه الفغم

وعن يمينكِ ما خطتْ قرائحُهم
من الحقائق ، إن الحق محترم

وتحت نعليكِ مَن نالوا حنيفتنا
وأمرهم – رغم من رأوْه - ينحسم

وعن يساركِ ما قالت أعاربنا
من خطبةٍ شاهدٌ تأثيرَها الحَرَم

وفوق تاجكِ قرآنُ المليك سما
وسُنة المصطفى – للناس - تبتسم

وكل شهم تقيّ سوف يغبطنا
ويستجيبُ لنا الأحبابُ والحُمُم

لأن دعوتنا إعلاءُ شِرعتنا
على إقامتها ، فالجمعُ معتزم

يا ضاد أنتِ إذا سادتْ شريعتنا
ستبلغين الذرى ، كأنكِ العَلَم

فالدينُ صرحُكِ إن عزتْ حواضرُنا
وبالحنيفة جرحُ الضاد ملتئم

ستدحرين العِدا في كل معتركٍ
إذا رأيتِ الغثا – للشرع - يحتكم

ونسأل الله أن ترقى حنيفتنا
حتى يصير معيناً ماؤكِ الشبِم

ويصبح العُرب أعراباً إذا نطقوا
ومسلمين لهم – بين الورى - شِيَم

لهم تقاليدُ – بالإسلام – قد صُنِعتْ
وفي الحضارة قد رَسَتْ لهم قدم

يا رب أدركْ بنصر منك أمتنا
أنت المُجيرُ ، وأنت الناصرُ الحكم

وصل رب على النبي ما بزغتْ
شمسٌ ، وما طلعتْ – في ظلمةٍ - نجُم

وصل رب على آل ومَن تبعوا
حقاً ، وفي دينه مَن ليس يُتهم

© 2024 - موقع الشعر