ذل الجمال

لـ أحمد علي سليمان، ، في الهجاء، 0

ذل الجمال - أحمد علي سليمان

ذلُ الجمال قرينُ الضنكِ والوَدَبِ
فاظفر بذاتِ التقى والعلم والأدبِ

أغراك فيها جمالٌ ، خاب عاشقه
حتى ابتليت من الجمال بالكُرَب

لحْظ العيون أراك العيش مؤتلقاً
والرمشُ أرسل إشعاعاً من اللهب

والعينُ صادتك بالسِحر الجميل ضحىً
حتى غرقتَ ببحر الدهش والعجب

والشَّعرُ أهدى إلى عينيك صاعقة
جدائلٌ صفّقتْ كباسق القُبب

تبخترتْ صلفاً كالبُخت مائلة
ووصفهن أتى في أعذب الكتب

ذوائبٌ تفتن العشيق فاحمة
وقصّة تحرق الفؤادَ كالشهب

والجيدُ يختِلُ من يأوي لصورته
إذ حُسنه فاق عقدَ الماس والذهب

والوجه باقة حسن من نضارته
يَسبي انتباه محبي الحسن والعَزَب

هذي التقاسيمُ قد خصّتْ بها أمَة
تقول: حُورية هذي من العُرُب

والسعدُ يُقبل في فحوى ابتسامتها
وصوتها مفعمٌ بالأنس والطرب

أهدابها وبريقٌ من ذوائبها
به يزول الذي في النفس من كُرَب

والوجنتان شروقُ الشمس إن طلعتْ
أو هلة البدر تجْلي داجي السحُب

وللقوام دلالٌ في تغنجها
رغم العباءة والجلباب والحُجُب

أغراك منها حديثٌ لفظه سمرٌ
أحلى من الشهد والتفاح والعنب

حتى تزوجتَ تروي رغبة جمحتْ
كالنار توقد بالكبريت والحطب

وبت ترشف مِن شهد الرضاب ، فذا
عند المُحبّين أسمى غاية الطلب

وكم بنيت من الأحلام تحسَبُها
حقاً تحب بلا شكٍ ولا ريب

وكم توسمت فيها الخير محتملاً
ما تدّعيه من البهتان والكذب

وكم بنيت لها الأمجاد وارفة
أسمى من المال والأملاك والحسب

وكم سطرْتَ لها عزاً تتيه به
ومن يقدمْ خصال الخير يَحتسب

وكم أقمت لها صرح الإباء لكي
تحقق اليوم ما في القلب من أرب

وكم شقيتَ لتحيا في بُلهنية
شتان بين الشقا واللهو واللعب

وكم ذللتَ لكي تحيا مُكرَّمة
ومن يذق شِقوة الحياة يكتئب

وكم تضوّرت من آلام مَسغبةٍ
شتان شتان بين الريِّ والسَّغب

وكم تعذبت كي تبقى منعّمة
وكم طرقت لهذي الزوج من سبب

وكم تحدّيت من ظرفٍ ومن بَشر
كفارس في الوغى مستبسلٍ حَرب

وكم ركبت صعاباً تستهين بها
في درب حبكما المكدَّر اللجِب

وكم بذلت لها في الحب عارفة
بكل ودٍ بلا منّ ولا جلب

وكم جعلت لها شأناً به بطشتْ
حتى دهتك - من البلاء - بالودب

وكم رفعت - من الحضيض - من سفلتْ
حتى رمتك - من الحضيض - بالنوب

وكم تحملت كي يشتدّ ساعدها
واليوم ترفل في التمكين والغلب

وكم منحت بإخلاص وفي جلدٍ
ودون شكوى لمَا تلقاه من نصب

وكم توشحت بالتصبير ملتمساً
لها المكانة بين العُجم والعَرب

فباغتتك بما تخفيه من سفهٍ
وحطمتْ خيمة قامت على طنب

وحبّرت قولها تدلي بحُجتها
وبارزتك بما تجيد من خطب

والكيدُ أهونُ ما تزجيه كارهة
تواجه الزوج بالأهلين والعُصُب

واستخدمتْ - في النزال المُرِّ - أسلحة
ما استُخدمتْ لحظة من سالف الحقب

كأنما هذه جيشٌ بأكمله
ترجو الدماء من الأقدام للركب

فليس بينهما أدنى مقارنةٍ
ولا تكافؤ أو شيء من النسب

وقلبها قد خلا من ذِكر خالقها
أبئس بقلب امرئ من التقى خرب

واستعذبتْ طعنها في قلب سيدها
فخيّبته ، ولولا الغدر لم يخب

وقلبه - في لظى الوجيب - منجدلٌ
واللهِ لولا التي خانته لم يَجِب

وأنشبت - ويحها - أعتى مخالبها
ولوَّنَت خذلها تلونَ الحِرَب

كانت ترى نفسها مليكة طهُرتْ
أما الحليلُ فكم عانى من الجرب

ففي المرايا ترى جمال خلقتها
لكنّ أخلاقها تعجّ بالعطب

وعيَّرتْ زوجها بالشيب يُحْرجُه
والقبحُ مهزلة تفضي إلى شعب

وتلك تطعن بالألفاظ عزته
في كل لفظٍ أباطيلٌ من اللهب

ذل الجمال له ضريبة ثقلتْ
على البئيس الذي يحيا مع الكُرب

يبيتُ يغبط من بنى بصالحةٍ
أو لم يجد فارتضى معيشة العزب

أحلى من الذل يغتال الإباء سدى
وكيف تبتسم الدنيا لمضطرب؟

بالذل تنتحر الأشواق لاعجة
وكيف يحظى كسيرُ القلب بالغلب؟

قد أحسن الزوجُ ، لكنْ زوجُهُ غدرتْ
وكم أذلته بالتعيير والكذب

فهل يقابل إحساناً بمخبثةٍ؟
وهل يلوكُ الشقا ضميرُ محتسب؟

وهل يذل محبٌ مخلصٌ رؤفٌ؟
صافي العقيدة والأخلاق والنسب؟

وهل تباع ببخس مَكرماتُ فتىً
بالخير جاد وبالأموال والقُرَب؟

وهل يذوق عفيفٌ نار عفته؟
وهل يكافأ راعي الأمن بالرهب؟

وهل تحَرِّق نار الغدر نخلتنا
كيلا تجود على الغادين بالرطب؟

وهل يُعاقب بالخذلان مُحترمٌ؟
وهل يُعاب الذي في الناس لم يُعَب؟

وهل يغيَّب ليثٌ عن مكانته
هذا الذي عن بلوغ المجد لم يغب؟

وهل يُجاهرُ - بالتجريح - ملتزمٌ
وبعدُ يُرمى بسبّ الناس والشغب؟

وكيف يجعل مَن يحمي العُرَى هدفاً؟
إني لأبكي على الأقدار والرتب

وكيف تهدر أقدار الألى عملوا؟
هل العقول تعاني خيبة العطب؟

وكيف يعبث بالأفذاذ مجترمٌ؟
إني لأرثي لقدر السادة النجُب

وكيف يُنقِص قدرَ الصِيد أحمرةٌ
بالأربع السوق تزجي الرفسَ والذنب؟

خاب الجمال ولا كُنا ضحيته
فللجمال أسىً وسوءُ منقلب؟

يُمسي ويُصبح يُعلي شأن ساقطةٍ
منها يلوذ كريمُ الأصل بالهرب

والناس تألف من بحُسنها جهرتْ
وليس سوءُ تردّيها بمغترب

تدل بالحسن ، يُغليها ويرفعها
وفي هدوء الورى تسود بالصخب

وللجمال دهاليز وأروقة
تُزري بسالكها في كل منسرب

عبد الجمال دنئٌ في مقاصده
ومن يسِرْ في مهاوي الغيد ينتحب

يذل نفساً ، ألا ما كان أكرمَها
لو أنها احتكمت للدين والأدب

وهل تعادل ذاتَ الدين مُعرضة
وإنْ تحَب لذات الحسن عن رغب؟

مليحتان: فذي الجمالُ جمَّلها
وتلك فاسقة ، حَسْنا بلا حسب

أختُ الشريعة في الجوزاء مسكنُها
فمن يفز بحنان الجار ذي الجُنُب؟

هي الحياة لمن يرجو كرامته
وخيرُ ذخر له في اليسر والتعب

هل هذه مثل مَن بحسنها بطِرتْ
ولم يَقدها - إلى التوحيد - نصحُ أب؟

والفرقُ بينهما بادٍ لمُدّكر
كالفرق بين مرير الشيح والعنب

هل استوت غادةٌ بالشرع عاملة
يوماً بفاتنةٍ تحيا بلا أدب؟

هل الصقور استوت في أوج قوتها
يوماً بملء السما من أشرس الغُرُب؟

ذل الجمال رهيبُ الوقع فانأ تفزْ
ومَن يُذلُّ على يديه يُجتنب

شتان شتان بين الغادة التزمتْ
والغادة اتبعتْ حمّالة الحطب

هذي مهذبة ، وتلك هازلة
شتانَ شتانَ بين الخض والحلبّ

© 2024 - موقع الشعر