خاب ظني فيمن أحببت - أحمد علي سليمان

جنى على الخير فيكِ الشحّ والبَخَلُ
يا من نهرتِ الألى من حاجةٍ سألوا

توسّموا فيكِ خيراً لا حدودَ له
شأنَ الذين همومَ الغير قد حملوا

وأعلموكِ بما يَحيَوْن من عوز
وفي الكتاب بدتْ – للقارئ - العلل

وإن شكوى البلايا – للأنام - شقا
ما - من تحمّلها - بدٌ ولا حِوَل

إني بلوتُكِ فيما صُغتُ محتسباً
وبُحتُ بالسر ، إذ ضاقت بيَ السبل

وذِعتُ ما كان مخبوءاً ومُنكتماً
ولم تُجبني التي أودى بها البَخَل

وكنتُ أزعمُ أن تجيب مسألتي
وحول زعميَ دار الطعنُ والجدل

وكنتُ أحلمُ - بالخيور - وافرة
لكنّ حُلمي دهى أطيافه الفشل

وكنتُ أحسبُ أن ألقاكِ باذلة
كف العطاء يُصافي بذلها الأمل

قال الألى خبروا ما فيكِ من عِوَج
بأن بخلك فيهم ما له مثل

فشككوني ، فلم أعبأ بفِريتهم
إذ ليس يلوي يقين الواثق الجُهُل

قالوا: تريثْ أخي ، لا تفترض خللاً
ففي رؤاك الخطا والعيبُ والخلل

قالوا: لقد جُرّبتْ في الضيق واختُبرتْ
والكل يُدرك ما تأتي ، ويحتمل

قالوا: طبيعتها الخذلانُ إن سُئلتْ
ثم التشفي ، يليه اللومُ والعَذل

قالوا: توهمتِ الدنيا تدومُ لها
وغرّها الوهمُ والتخييلُ والضلل

قالوا: استكانت لمُطريها ومادحها
والمدحُ يأكل ألبابَ الألى سفلوا

قالوا: تعالت بدينار ومنزلةٍ
شأنَ الذين على حب الغنى جُبلوا

قالوا: استبدّتْ بما ارتأتْه من فِكَر
وسربلتْها حظوظ النفس والنحَل

فقلتُ عنها أذودُ اليوم محتسباً
أصدّ هجمة قوم لحمها أكلوا

وقلتُ: كُفوا عن التشهير ، حربته
طالت جناباً تمطى – فوقه - الوَحَل

وقلتُ: ماذا دهاكم تفتكون بها
ويح الجراح متى تبرا وتندمل؟

أما ذكرتم لنا أسمى مناقبها
حتى مللنا ، وما أعياكُمُ المَلل؟

أما أشدتم بما تزجيه من منح
والصيتُ يُسعفها ، والبذلُ والعمل؟

أما افتخرتم بها في كل مصطدم
وبعضُ فخركُمُ التشبيبُ والغزل؟

واليوم تُبْدون شيئاً من حقيقتها
لم التناقضُ؟ يا أقوامنا اعتدلوا

هي الأميرة عرّتها صنائعُها
وتلك صورتها – للعين - تكتمل

لمّا يكن - في رياض الجود - منبتها
لا يستوي التمر في المذاق والدَّقل

غِناكِ أغناكِ عنا يا أميرتنا
والقصرُ والعِز والأملاكُ والفِلل

سموتِ بالمال عن دنيا تُسربلنا
ونحن نحتال ، لكنْ تعجز الحِيل

زوراً تصدقتِ ، والآنامُ شاهدة
وكل فردٍ يقول الحق يُعتقل

أموالنا تلك من أجدادنا سُرقتْ
والسارق احتاط ، والتفتْ به الغِيَل

وجندُه حرسوا البنوك قاطبة
وبالمكائد والدسائس اشتغلوا

تغلبوا عندما أجدادُنا رضخوا
وعن حقوقهمُ في المال قد غفلوا

وخوّلوكِ من الأموال ما امتلأت
به الخزائنُ ، بئس الربحُ والنفل

وملّكوكِ بلا حق ولا ثمن
حقوقَ ناس - إلى أهوائهم - وُكِلوا

وأمّروكِ علينا في مرابعنا
ومن يُعارضْكِ قالوا: ذا به خبل

خدِعتُ فيكِ خداعاً لا حدودَ له
وكم يُغرّ - بما يبدو له - رجل

وقلتُ فيكِ مقالاتٍ مزخرفة
فيها الشواهدُ ، والأشعارُ ، والجُمَل

وصغتُ شعري بأوزان ودندنةٍ
والناسُ من وَقْع ما أنشدتُه ذُهلوا

أحسنتُ ظني بمن في نكبتي شمتت
من بعد أن كنتُ – بالإحسان - أكتحل

بالأمس كانت تُجازينا وتُكرمنا
واليوم صارت تُجافينا وتنفعل

خابت ظنوني ، وتخميني اصطليتُ به
وضاق ذرعاً بما اعتقدتُه الخجل

أميرة الوهم كم بالقلب من غصص
والنفسُ يضطرها – للمحنة - الغلل

لا لن يدوم نعيمُ العيش فانتبهي
وإن دهركِ يا أميرتي دُول

وذات يوم يزول العز منتحراً
ومِنْ ترفعِه الفرعونُ ينتقل

حتى نراكِ بلا جاهٍ ولا شُرَط
وأنت يومئذٍ – بين الورى - طلل

أذاقكِ الله ما نلقاه من عوز
وعِشتِ ذلك قبلَ يأتيَ الأجل

فلا ترين هنا أدنى بُلهنيةٍ
وغاب عقلكِ إذ أودى به الهبل

وقد مددتِ يداً – للخلق – في ضعةٍ
من بعد أن لم يعُد وزنٌ ولا ثِقل

ومَلّكِ الناس في سر وفي علن
وعِشتِ عِيشة مَن تُزوى وتُبتذل

وزال عنكِ حُليٌ صيغ من ذهب
ومن يصفكِ يقلْ: أميرةٌ عُطل

وخصّكِ الله بالفقر ابتليتُ به
وبتِّ في جمع مَن بالحاجة ارتذلوا

ونلتِ – في الخلق – ما نلقاه من كدر
وكان منكِ الخطا والطيشُ والزلل

وسلط الله من يؤذيك مجترئاً
عليكِ ، عُدته التجريحُ والخطل

ونحن نأملُ أن نراكِ في كمدٍ
إنا – بهذا الدعا – لله نبتهل

© 2024 - موقع الشعر