حنين القلب! (رثاء الشيخ عبد الباسط عبد الصمد) - أحمد علي سليمان

أينَ الجمالُ؟ وأين الشمس والقمرُ؟
وأين عِطرٌ - على الآماد - ينتشرُ؟

وأين رجْعُ الصدى في القلب مبتسماً؟
وأين صوتُ الهُدى – بالوحي - يزدهر؟

أين الندى في ذرى الآفاق ملتحفاً
نورَ التلاوة ، يُزجي نفحَه الزهَر؟

أين التغني بآي الذكر؟ أين مضى؟
حُزني عليه طغى ، ما عدتُ أصطبر؟

أين الشذى - فوق هام القوم - يبذرهُ
شيخي الحبيبُ رطيباً دونه المطر؟

أين القراءاتُ في ليل وفي سَحَر؟
اليوم يبكي عليها الليلُ والسحر؟

أين التراتيلُ نشوى في تبخترها
تُعطر الناس بالقرآن ، تفتخر؟

وأين شيخ جليلٌ صادحٌ أبداً؟
مزمارُ (داود) لا فخر ولا بطر

قالوا: مريض ، شفى الرحمن عِلته
إني أحس بأن الليث يُحتضر

وبعدُ نُبئتُ أن البدر ودّعنا
فقلت: أمر المليكِ ، وإن ذا قدر

يا لهف (أرمنتَ) ، باتت في تحسّرها
والدمعُ - فوق ثرى البيداء - ينتحر

يبكيكَ أهل التقى: سراً وفي علن
والحزنُ يا شيخنا - في القلب - يستعر

إني ذكرتكَ ، والأيامُ ماضية
تعبئ العُمْر في الأجداث ، لا تذر

وحكمة الله أن الموت يرقبنا
بعد الحياة ليُبلى مَن له بصر

فمنْ يعشْ في سنا التقوى نجا أبداً
ومَن تعبد دنياهُ له سَقر

وبعد موتك في قرآننا عِوضٌ
كتابُ ربك فيه الخيرُ والثمر

مَن كان يعمل بالقرآن محتسباً
له الجنانُ ، فيا خسران مَن كفروا

يا ابن الصعيد عليكَ العينُ دامعة
والقلبُ تلهو به الأحزانُ والكدر

(مصرُ) الكسيرة تبكي فقد قارئها
والمسلمون ، ودمعُ الآي ينهمر

أحدثت فينا مصاباً ليس يُذهبه
سَعدُ السنين ، ولا الدنيا ، ولا البُشُر

كربٌ تمكّن مِن أرواح طائفةٍ
دوماً تعرقلها الآلامُ والغِير

تبكي الحنيفة غاب اليومَ رونقها
مِن الشهود ، وأدمى عزمَها الخوَر

تسير فوق اللظى ، والتيهُ حارقها
والحقدُ يسحقها ، والزورُ والشرر

منصورة ، لكنِ الأحداثُ عاصفة
ويحرقُ القلبَ أن الزيفَ منتصر

على هُدى المصطفى تحيا شبيبتها
جمعٌ بأمْر رسول الله مُؤتمر

على خطا سلف للمختار منهجهم
لم يقتفوا أبداً آثار مَن فجروا

يريدها الكل تحت السيف أضحية
لكنما مَن بغى يوماً سيندحر

ويحمل الراية العصماء مَن نصروا
دين الملك ، فيا بُشرى من انتصروا

شيخي الجليلَ: ستحيا بيننا ألِقاً
بصوتك العذب منه الفذ يدّكر

قلبي يحنّ ، وفي الأشواق هينمة
والروح خجلى إليك اليوم تعتذر

سبائكُ الماس أو حُورٌ مذهبة
ناهيك عن نبرةٍ في ظلها العِبر

(قنا) ستفنى ، ويُبلي الدهرُ سادتها
ونورُ صوتك في الأكوان مبتشر

ترتيلك اليومَ في سمع الدنا عَبقٌ
آذاننا ظلمة ، وصوتك القمر

فرجّع الآي تلو الآي تشعِرُنا
أن القراْن على آياته دُرر

ورتل (النحل) و (الإسراء) في وجل
ورتل (النجم) و (الرحمن) بل آخر

ورتل (النور) و (الفرقان) و (الشعرا)
في كل واحدةٍ كانت لنا النذر

ورتل (الروم) و (الأحزاب) كم حَوَتا
من القواعد ، فيها العز مدخر

ورتل (الفتح) و (التكوير) مقتدياً
بنهج (حفص) و (ورش) نِعْم ذا أثر

سبعاً أجدت ، ولا حقدٌ ولا حسدٌ
تحاربُ الجهلَ: لا قوسٌ ولا وتر

لكنْ بآي الهُدى تتلو بكل تقىً
وتعْظِمُ الذكر في ألباب مَن ذكروا

وتسكبُ الآي في أسماعنا دُرراً
وإن ربك وهّاب ومقتدر

حباك ربك صوتاً نابضاً حسناً
له بقلبي شجىً ، وفي النهى سَمَر

تبارك الله مَن أعطاك حنجرة
تعطر الآي ، بالتزيين تشتهر

أحبُ فيك أداءً لست ألمسُه
في الغير ، صوتك في الأرواح ينتشر

إلا ابن صدّيق المنشيّ ، إن له
صوتاً رقيقاً له الألباب تستطر

أَحن للصوت إن حامت سحابته
وأشحذ السمعَ حتى تدخل السور

إني أِحبك من عقدين قد مضيا
وكم لصدعك بالآيات أزدجر

نقشت حبك في قلبي وعاطفتي
وداعبَ الروحَ ، كم ترجيعُك العطر

واليوم تمضي ويطوي الموت صفحتنا
وعنك أسأل ، لا حس و لا خبر

يا كربَ قلبي وأشعاري وتجربتي
إذا ليس يقوى على ما ذقته بشر

فسُنة الله موت الخلق قاطبة
رضيت ربي ، وإني اليوم مصطبر

شيخي الحبيبَ ومن أحببتُ دون هوى
أهديك عاطر أشواقي ، ولي وطر

عليك رحمة ربي دائماً أبداً
إني احتسبتك عند الله يا (قمر)

© 2024 - موقع الشعر