بـردة عثمان بن عفان رضي الله عنه - أحمد علي سليمان

بالنثر والشِعر أطري الفذ عثمانا
وأستعينُ - على الإطراء - رحمانا

وأنصِفُ الطيبَ المَظلومَ مِن غجر
طغوْا عليه - غداة الرَوع - طغيانا

وزوروا قِصصاً عنهُ مُفبركة
ولفقوا ، وافترَوْا إفكاً وبُهتانا

وشوّهوا سِيرة البريء عن رَغب
وإن - في كُتُب البغاة - بُرهانا

ودلسوا في الأحاديث التي ذكروا
كي يصرفوا عن مَعين الحق أذهانا

وزيفوا ما حوى التاريخ من حُجَج
عمداً ، وما حَسِبوا للأمر حُسبانا

هل وحدكم تَسْطرون الكُتْبَ يا همجٌ
وتملكون لهذي الكتْب ديوانا؟

هل وحدكم عندكم مطابعٌ رُصِدتْ
لتطبعوا الكذبَ الصُراحَ أطنانا؟

هل وحدكم عندكم أقلامُ من كتبوا
فزوروا الحق في القرطاس عدوانا؟

هل تملكون رَحى التنظير وحدكمُ؟
أو تملكون لدى الصراع إمعانا؟

هيهات هيهات قد قضتْ مضاجعُكم
وغربل الدهرُ ما كذبتمُ الآنا

وقيضَ الله مَن يَذرو بضاعتكم
ذرْواً ، ويكبتكم طعناً وخذلانا

حتى فضحتم ، فقد ذِيعتْ فضائحكم
ولم تُلاقوا - على التبرير - أعوانا

وهذه البُردة العصماءُ أجعلها
هدية فذة للفذ عثمانا

فيها أبشّره بما يُسَرُ به
مِن الوصية بالتصبير سُلوانا

عثمانُ سيرتُك الشماءُ واضحة
تشع نوراً وإسلاماً وإيمانا

وناولتك (قريشٌ) حبها شغفاً
حتى النسا باسمكم يُلهون وُلدانا

وصٍيتُك العذبُ في حياتنا مَثلٌ
يعم بالخير آفاقاً وأكوانا

تكفيك بُشرى النبي المصطفى ثبتتْ
مِن أن تكون لك الجناتُ إيوانا

حباك ربك مِن بين الورى نسباً
فصِرت تملكُ - في هذي الدنا - شانا

أبوك (عفانُ) بالأخلاق مُشتهرٌ
بين الأعارب شُباناً وشِيبانا

والأم (أروى) لها في قومها شرفٌ
بين النساء صَبياتٍ ونِسوانا

بنو أمية نالوا العز أجمعه
أن أصبحتْ صِلة لهم بعثمانا

عثمان حُزت من الأمجاد أعظمها
وقلما ترفعُ الأمجادُ إنسانا

وما سجدت لأصنام ولا وُثُن
خاب الألى عبدوا - في الدهر - أوثانا

لمّا أتاك (أبو بكر) ليدعوَ ما
رددته قانعاً بالصد عنوانا

بل انفردت به فرداً لتُفهمه
وكنت كلك أسماعاً وآذانا

وما ترددت في الإسلام تقبله
ديناً ، وحولك حاك الناسُ أديانا

لم يُنْزل الله غيرَ السِلم دين هُدىً
وما عدا بَطلتْ دعواه بُطلانا

وعالِمٌ أنت بالأنساب تُدركُها
وتعرفُ العُرب أحراراً وعُبدانا

ورابعٌ أنت في إسلام أربعةٍ
والسابقون عَلوْا قدراً وأوزانا

وبابنتَيْ (أحمدٍ) علتْ مكانتُكم
في الناس يا سيدي حُسنا وإحسانا

وزوّجَ المصطفى إياك ثالثة
لو استطاعَ ، لذا فالأمرُ ما كانا

بالوحي زوّجك النبيُ مُحتسباً
مَن في (قريش) يَردُ الشهمَ (عثمانا)؟

وأولٌ أنت إذ هاجرت مضطهداً
حتى تُجاورَ بعد العُرب حُبشانا

فاستقبلوك بتِرحاب ومكرمةٍ
وأصبحوا لك أحباباً وإخوانا

ويوم (بدر) رآك الناسُ مُحتسباً
حتى تُطبب زوجاً حتفها حانا

إذ (الرقية) يوم الغزو قد مرضتْ
واستنشدتْ في العنا أهلاً وخِلانا

فخلف المصطفى (عثمانَ) يخدمها
فليس (عثمانُ) يا أوغاد خوّانا

وخصّه المصطفى بالسهم كان له
كأنه حل يوم الغزو ميدانا

ولم يكدْ يفرحُ النبي منتصراً
حتى تكدرَ صَفوٌ كان جَزلانا

إذِ (الرقية) ماتت ، وانتهى أجلٌ
ولا يعيشُ امرؤٌ إن حتفه آنا

شهدت بعدُ المغازي كنت فارسها
إن المغازيَ كم تحتاجُ فرسانا

كم استشارك في الأمور أحمدُنا
فقد حباك مليكُ الناس رُجحانا

وكم أحبك للأخلاق أنت بها
مستوعِبٌ - عند ريب الدهر - أخدانا

وكم أجلك أقوامٌ لِما بذلتْ
كفُ الكريم ، لذا أوْلوك شُكرانا

وكم بطون هنا أشبعت مِن سَغب
وكم رويت - بماء البئر - ظمآنا

وكم أعنت - على الحياة - ذا عوَز
وكم كسوت - بثوب الجود - عُريانا

وكم منحت دُيوناً للألى طلبوا
وتَصبرُ الدهرَ إن أصبحت ديانا

وكنت جهّزت (جيش العُسرة) انطلقتْ
منه السرايا زرافاتٍ ووُحْدانا

وكم تصدقت في سر وفي علن
ترجو من الله توفيقاً وغفرانا

وكم بذلت خيوراً دون مبخلةٍ
وما حسبت لها في العد حُسبانا

وفي (الحديبية) انبرتْ سياستُكم
فعُدت للناس - بالتبشير - ريانا

الحِلمُ واللينُ والإخلاصُ في ثقةٍ
والحزمُ والحكمة العصماءُ إن لانا

وهذه كلها - في الناس - ما اجتمعتْ
بعد النبي سوى في شخص عثمانا

وبعد شورى على اختيارك اجتمعوا
لما قضى (عمرٌ) ، والحَيْنُ قد حانا

وقلدوك زمامَ الأمر أنت له
إمامُ حق لهم ، ورُشدُه بانا

والمسجدان بأمر منكمُ اتسعا
وبعدُ أمّنتَ أصقاعاً وأوطانا

وبعدُ أنشأت أسطولاً له ألقٌ
في البحر تخشى العِدا فرْساً ورومانا

من بعده أمّنتْ كل الديار ، فقد
أمنت بالجند فوق الماء شُطآنا

حججت فرداً بأزواج النبي ضحىً
فقد غدا لك صونُ العِرض عُنوانا

سلمت يا صاحب النورين من شُبَهٍ
وفاز مَن عرضَ آل المصطفى صانا

وإن (ذات الصواري) بالمضا شهدتْ
والرومُ ذاقت من البلاء ألوانا

يا صاحب الهجرتين العزمُ شاد بكم
بالأهل هاجرت ما أذعنت إذعانا

ولم تكن أتِيَتْ من قبل من أحدٍ
إلا للوطٍ ، وكان الأهل خِلانا

فالزوجُ خانت لذا فيمن قضى هلكتْ
وأدخلتْ للذي جاءتْه نيرانا

وكنت أرحمَ بالعُربان من عمر
وعشت دوماً على الخيرات مِعوانا

حتى المساجد قد خلفتها لتُرى
أحلى المنارات أنساماً وبُنيانا

وكنت أول من جمع الأنام على
حرفٍ إذا قرأوا ذِكراً وقرآنا

جمعتهم تنبذ الخلافَ يُضعفهم
لذاك عاشوا بذا الوفاق أزمانا

فكنت أعظم سلطان لدولته
والناسُ عدّوك للأمصار سلطانا

وإن أندلساً في عهدكم فتحتْ
وودع القومُ تثليثاً وصُلبانا

ولم تعدْ قسسٌ تُفتي خُزعبلة
وودعَ الناسُ أحباراً ورهبانا

وكنت أعلمَ بالمناسك اشترعتْ
ليعلم الناسُ مَسنوناً وأركانا

رويت يا فذ من حديث المصطفى مائة
وزدن خمسين قد ودعت نسيانا

وبالخليل نبي الله شبّهكم
يراكما - في الهدى والسمت - صِنوانا

ومنك تستحيي من نظر ملائكة
فهل لغيرك هذا الأمر قد كانا؟

وحدّث المصطفى عن موتكم بأسىً
هي الشهادة تأتي الفذ عثمانا

تموتُ ظلماً ، وتشكو كل مَن نقضوا
عهد الخلافة لا يوفيه من خانا

وقاتلَ الله مَن هبوا لسفك دم
ليَعلم الله سَفاحاً وخوّانا

دمُ الخليفة غطى مُصحفاً ورِدا
وآية نصها رغم الدِما بانا

يكفيك ربك مَن في غيهم سدروا
سيلتقي عند رب الناس خَصمانا

خصمٌ حبيبٌ لنا فاضت محبته
والآخرُ الدهرَ لا نلقي له شانا

مازال يُلعن في الدنيا صباح مسا
وبالتعدي جنى بُعداً وخسرانا

أما (عليٌ) فقد سالتْ مدامعُه
على البراءة كان الدمعُ بُرهانا

وقال: ربي برئتُ اليومَ مِن دمه
للهم أنزلْ على الشهيد رضوانا

فداك أمي أيا (عثمانُ) بعد أبي
والبردة اكتملتْ في مدح عثمانا

عليك مرضاة رب واحدٍ حكم
ما بات نجمٌ غدا بالنور مُزدانا

© 2024 - موقع الشعر