ثلاثة أسئلةٍ والجوابُ واحد - أحمد علي سليمان

سألوه سؤل مُشككٍ ومُمارِ
والطينُ غربلَ سَيئ الأفكارِ

وتوقعوا منه التلعثم والخَطا
وتوعّدوه بمحنةٍ وضِرار

وتربّصوا بالعبقريّ جهالة
لقضاء ما يرمون من أوطار

كلٌ له - في الكيد - حَربة غادر
وكأنهم - عند اللقاء - ضواري

وتسلحوا بالمكر ، إذ ظفروا به
ويَحيقُ مكرُ السوء بالمكّار

وتفلسفوا ، وتحذلقوا ، وتندّروا
وتدرّعوا بالغيَّب الحُضار

وتجاهلوا عِلمَ التقيّ وفقهه
وخشوعه للواحد القهار

حسِبوه مُرتزقاً يُتاجرُ بالهُدى
في عالم الصفقات للتجار

وهو الذي جعل الشريعة نهجه
وقد اقتدى بنبيه المختار

لم يألُ جهداً في التعلم عمره
فكم استساغ مَصاعبَ الأسفار

هو - في سبيل العلم - أجهد نفسه
مِن داره سعياً لأبعد دار

حتى أتاه ثلاثة ، لم يُدركوا
من علمه نتفاً من الأخبار

تعسَ الزنادقة الذين تعالموا
وأتوْه عند تبلج الأسحار

إذ قال أولهم مقالة مُلحدٍ
مُستسخر مُتكبر ديّار

أنا لا أرى رباً فكيف أطيعه؟
خاب الكفورُ ، وجلّ شأنُ الباري

الله أكبر من تخرّص كافر
أضحى يُعيد مَزاعمَ الكُفار

وتبجّح الثاني ، وقال ضلالة
مَوْشية بطلاء الاستهتار

إذ قال: كيف اللهُ يكتب فعلتي
وإذا فعلت كما رأتْ أقداري

يأتي الحسابُ على الذى قارفته
هل كان لي في ذاك بعضُ خِيار؟

والثالث المعتوه أردفَ قائلاً
قولاً عظيم الوقع في الإخبار

الجن مخلوقون من نار اللظى
كيف العذابُ لهم بجمر النار؟

هذي الضلالات الثلاث شواهدٌ
أن العقول تدثرتْ بدِثار

أو أن رهطاً يرعوي لضلاله
ويرى خزعبلة ، وبعدُ يُماري

أو أن قوماً غرّهم حِلمُ الإل
ه القادر المتكبر الجبار

وجوابُ عالِمنا على ما أسلفوا
طينٌ يُلطخ جرأة الفجار

لا شيء مثل الطين يكبتُ جهلهم
ويُزيلُ ما ذكروه من أخطار

ويؤدبُ المتنطعين فلا نرى
زمَراً تروّج كفرَها في الدار

حتى إذا اندحروا شكوْه لحاكم
يقضي بحكم الراحم الغفار

فأجاب واعظنا يُبرّرُ ما أتى
ويُزيلُ شبهة مُبطل سحّار

ويصدّ فتنتهم ويدحضُ ما افترَوْا
من ترّهاتٍ دوّنتْ بقرار

فأجاب أولهم جواباً مُفحماً
كالشمس تسطعُ في أصيل نهار

أتقول: أنت بطينةٍ أوجعتني
والدمعُ - مِن أثر الوجيعة - جاري

وأقول: هل شاهدت مِن ألم الأذى
فأجبت: لا. فأقول: ذا إعذاري

إن ادعاءك بالإذاية كاذبٌ
وإجابة بالنفي كالإقرار

وأجاب ثانيهم بقول فاصل
إذ قوله - عن كل صِدق - عاري

إذ إنه يُحيي دُجى قدريةٍ
مَن يربطون الفعلَ بالأقدار

وسؤاله يُنبيك عن مِنهاجه
إذ يَخلط التيسيير بالإجبار

فأجاب إني قد ضربتك بالقضا
ما كان لي - في الضرب - أيّ قرار

فلم اشتكائي عند والي نجعنا؟
أعن القضا أبدي لكم أعذاري؟

لكنه ترك النقاشَ مُحاصراً
إذ باء مما قاله بحِصار

وأجاب ثالثهم بطرح قضية
جعلتة يخرجُ لائذاً بفرار

أخلقت من غير الذي ألقيته؟
أم خلقكم من فضة ونضار؟

إن قلت: من طين ، فكيف شكوتني
لمّا أصِبت بلهدةٍ ودوار؟

إذ كيف آلمك الذي ألقيته
وله عليك معالمُ الآثار؟

الطينُ يؤذي الطينَ تلك عجيبة
باحت - لنا - بنوادر الأسرار

سُبحانك اللهمّ قد أقدرتني
حتى انتصرتُ بحُجةٍ وفخار

© 2024 - موقع الشعر