تذكروا الإحسان - أحمد علي سليمان

هلا أسفتَ لمحسن مظلومِ؟
كم ذا يعاني من أسىً وكُلومِ

أسدى الجميل لمن يُجرّعه اللظى
حتى غدا كالمُحْبط المهموم

أتراه لم يبصر بأوباش الورى؟
فجزوْه بالإحسان بحر هموم

لمَ ياعُتاة تصرمت أخلاقكم؟
والخير هل يرجى بأي صريم؟

هل أصبح المعروف عيبا يُزدرى؟
أيُعامل المِعطاء مثل خصوم؟

ومقدّم الإحسان يلقى رده
خذلاً أتى من سيئات فهوم

لمَ تغفلون عن الشهادة شيدتْ
مجداً؟ أليس الأمر بالمعلوم؟

لمَ يُهدر الإحسانُ جهراً بينكم
ويبوء بالخذلان كل كريم؟

لمَ تُهجَر القيم الأصيلة في الورى
حتى لتذروها الصَبا كهشيم؟

أخلصت صحبتكم ، فعاتبني الوفا
وشكا إليّ بغضبة المكظوم

فعلمتُ أني في وفائي مخطئٌ
وعقابُ ما أسديت بعض غموم

يا ليت شعري ، كيف ينتحر الوفا
ويضيع بين تخرص وزعوم؟

وتُصب للإخلاص كأسُ مَعرةٍ
ليموت مغتالاً ببعض سموم؟

ويُجامَل الخوانُ دون تحفظٍ
ويُخصّ بالتكريم كل لئيم؟

ويُمجّد الغدارُ تمجيد الذي
قد صب فوق الخلق كل نعيم؟

ويُصدق الكذاب تصديق الذي
لمّا يكنْ في قوله بذميم؟

والناس تأتمن الخؤون صراحة
ليس الذي هم قدّروا بسليم

تصديقُ أهل السوء أصبح ديدناً
أيصدق الأبرارُ كل رجيم؟

يا قوم ما هذي شريعة ربنا
ليس الذي يُزجي الأذى بقويم

يا قوم ما هذي التقاليد التي
جئتم بها من ساقطٍ وزنيم

هجمتْ على الأصقاع تفجع أهلها
أقبحْ بأعرافٍ وشر هجوم

وقطيعُنا لحقيرها مستسلمٌ
تعساً لمرتكس النهى مهزوم

وقد انطلتْ حيلُ السفيه على الورى
وسرتْ بليل في الحياة بهيم

حتى رأينا في المدائن فتنة
كم حيرتْ في الدار كل حليم

واستهجن المعروف كل مضلل
واستنكر الإحسان كل غشيم

والنذل أضحى في الأنام مقدراً
وله - لدى الأقوام - خيرُ قدوم

تعساً لمعيار يُدني من علا
وغدا الرجال به كمثل حريم

وقد استوى عبدٌ يؤمّلُ جنة
ومضللاً يهوى دخول جحيم

سحقاً لميزان قضى قِسطاسُه
حتى كأن التبر مثل أديم

لعبتْ بأقدار الورى أهواؤه
فتراه أردى قدْر كل عظيمِ

وقد استوي شهمُ لديه ومقْرفُ
حتى تساوى وزنُ أي حُجوم

إني لأعجب من مقاييسَ انزوتْ
وغدت كأطلال قضتْ ورُسوم

لمّا تجدْ فرقاً يُميِّز من علا
فأتى بخير في الديار عميم

وسواه ينفخ في البرايا سُمّه
شتان بين مُشوَّهٍ ووسيم

يا قوم هيا أدركوا أخلاقكم
كي تضمنوا فوزاً بكل نعيم

لمّا يكن هذا الترهلُ سمتَكم
وكذاك ليس بطابَع مقسوم

هذا بما كسبتْ أيادي من طغَوْا ا
وتمسّكوا بالمنطق المحسوم

فلتحذروا من بأس شر مُحْدق
ولتُشفقوا من أخذه المحتوم

إني أناصح ، والهدايةُ مقصدي
فلترفقوا يا ناس بالمظلوم

لم تُسقطون حقوقه في خسةٍ؟
وأراه ليس بما أتى بمُليم

ويعيش يبكي ، والدموع لها أسىً
ويبيت مُلتاعاً ككل كليم

لمَ تحكمون على النوايا؟ حسبكم
أوَ ليس ربي بالورى بعليم؟

إن كان هضمُ الحق ديدنَ جمعِكم
فأنا لكم والله شرُّ خصيم

سأظُّل أذكر للأنام عواركم
ليس الذى يعظ الورى بسقيم

كم ذا نصحت لجمعكم وزجرتُه
إذ إن ذا مِن سُنّة المعصوم

لكنْ ، وأنى للسفيه تذكرُ؟
شتانَ بين مُغَفّلٍ وحَكيم

© 2024 - موقع الشعر