بين الأمس واليوم - أحمد علي سليمان

وصى المليكُ بطاعة للوالِدِينْ
مُشتقة من طاعة الله المتينْ

وإذا الوصية خولفتْ وترهلتْ
وتبعثرتْ في منطق المتمسلمين

من كل والد فتيةٍ يعصي الإل
ه ، ويهتدي بضلالة المتألهين

ويحث فتيته على أن يُذعنوا
للجاهلية في عِداد الصابئين

ويقول: يا أبناءُ كونوا غاية
في اللين ، واعتبروا بمن يتصلبون

ودعُوا التمسكَ والتمذهبَ فتيتي
ماذا جنى المستمسكون القابضون؟

أبتاه: هل تدري حقيقة ما تقو
لُ؟ وهل تعي أمر الكلام وتستبين؟

أم أنه حقاً تغشاك الهوى
وكذلك أعماك اللجاج مع الأنين؟

أم أن حرصك زاده الحزمُ جوىً؟
أم يا ترى قد ضاق بالقلب الحنين؟

أبتاه قلتُ لك: اتبعني واستقم
فالإستقامة ضربُ قوم مُفلحين

وأطع نبي الله ، لا تعص الهُدى
والزم كتاب الله ذاك المستبين

وحّد إلهكَ في العبادة يا أبي
ثم اتبع في ذي الدنا هَدي الأمين

ودع الشياطين التي عُبّدتْ وقدْ
غصبتْ عقول القوم في دنيا العَمين

جهراً تعاظم أمرها وضلالها
واستعبدتْ من خلق رب العالمين

وحّد إله الكون في عليائه
تصبحْ بذلك في عِداد العابدين

وظننتُ أنك سوف تسمع ما أقو
لُ ، وتهتدي وتحب كل المهتدين

لكنْ أراك نهرتني وسخرتَ مِن
قولي إليك ، وقلت لي: متخبطون

ورددتني ، وزجرتني ، وطردتني
من بيتك الفينان طرد المارقين

وهمزتني ، ولمزتني ، وأسأت لي
ورجمتني ، ولعنتني ، كالمُذنبين

ومضيتَ تطرد رفقتي من بيتنا
طردَ الذباب ، وقلتَ عنهم: خائبون

وصببتَ فوقي جام ضِيقك والردى
وكأنني عِربيدُ قومٍ طائشين

ومضيتَ تمسخ صورتي بفظاعةٍ
وكأنني في الناس إبليسُ اللعين

وذهبتَ عند الأهل تقتل سُمعتي
وتقول: ضلّ طريقه في البائدين

وقفلتَ باب البيت تزعم أنني
قد ضمني بهمُ الهوى كالعابثين

ومنعتَ عني الزادَ ذلك أنني
أعلنتُ توحيدي بقوم جاهلين

وجعلتني في البيت سُخرية الفنا
وظللتُ محبوساً ببيتك كالرهين

وأثرتَ حولي من زوابع فتنةٍ
وبذرتَ فوقي نار إعصار ثخين

كسّرتَ كل وسائلي ، يا سوأتي
وحرقتَ أسفاراً بها العلم الثمين

أتريد لابنك أن يكون كجلمدٍ
لا صوت ، لا إعراب يُسمع أو أنين؟

فلسوف أجأر للمليك لتهتدي
وتكُفّ عني في الورى حتى أبين

أتريد لابنك أن يكون مُصمماً
يبني يُشيّد في متاهات السنين؟

أحرى به إن كان ينصح نفسه
أن يستبين طريق قوم مُجرمين

ولئن بنى توحيده بكفاحه
نعم الغلام ، وإن يُرى في الأسفلين

وكذاك يبني زوجه متمثلاً
ومطبقاً هَدي الصحابة أجمعين

وليستعن بالله عند بنائه
فالله يرفعُ في الورى مَن يستعين

أتريد لابنك أن يكون معالجاً
وهو المريض بعلةٍ لا تستكين؟

ماذا يُعالج في الورى يا والدي
والجاهلية دنستْ منه الجبين؟

أتريده بعيادةٍ فيها الرقي
ق الأبيض الممقوت في الوادي الحزين؟

ويدسّ في أحشائه أموال قو
مٍ بائسين مشرّدين ممزّقين؟

أتريد لابنك أن يكون مهيبَزاً
متخنثاً ، ويسرك الشعر الرصين؟

وتسرّك الحظاظة السوداءُ في
يده ، وفوق الجيد زهرُ الياسمين؟

ويسرّك الكاروهُ والجنز اللذا
نِ أراهما سَمتاً لجُل الماجنين؟

ويسرك الأصحاب في همجيةٍ
يأتون دارك مائعين مُخنثين؟

يئدون إبنك والبناتِ جهالة
وأنا الضحية في عموم الهالكين

وإذا السجائرُ يحتويني سُمها
وغداً ضياعٌ؟ ذاك درب الغافلين

وتريد مني أن أبرّك وقتها؟
هيهات أن يُجنى من الصبار تِين

أتريد لابنك أن يعيّن ظالماً
لترجّ صولته قلوبَ الآمنين؟

ليزيل شيئاً إسمه التوحيدُ مِن
أرضٍ وعن قوم كذاك موحّدين

ويُذيقهم كأس الحِمام تشفياً
ويقول عنهم بعدها: متهوسون

ويذبّح الأطفالَ ظلماً هكذا
ويُهتّكُ الأعراضَ قسراً والجنين

ويُحرّق الأبدانَ يشوي عظمها
ويُثيرها في القوم فتنة قاهرين

ويُيَتّم الأفراخ ، يقتل نَسرهم
ويُعذب النسوان قهراً والبنين

ويُدمّر البلدان باسم الخير ، بل
ويُبيد دين الله والنور المبين

ويمكّن الكفار والفجار والض
لال جهراً من رقاب المؤمنين

أتريد لابنك أن يكون مفنناً
لتراه في الأصنام وضاح الجبين؟

لتراه يفحش باللسان وبالغرا
م وبالفؤاد ، ويختفي السر الدفين

لتراه لثم كلبة مِلك الكلا
ب جميعها ، وتقول قبلة عاشقِين

وتراه داعب صدرها ، ويلفها
متناغميْن بكل دُعر الداعرين

وينال من شيطانه نيشانه
ونعيمه والمالَ حيناً بعد حين

أتريد لابنك أن يكون مُدرْوشاً
يهذي: يُضل الناس ردحاً من سِنين؟

شبَحاً تراه مُعمماً ومُكوكلاً
وبدا بوجهٍ كالنسا ، تعس الخدين

ومضى يُوالي كل شيطان ونا
دى في الورى: هيا اركعوا للظالمين

لا فرق بين هرائه ووقاحة الشي
يطان إلا في التسلط باسم دين

أتريد لابنك أن يكون مُرابياً؟
ورِبَاه هل يكفي العيالَ البائسين؟

ويكُف حاجة زوجةٍ أنانةٍ
ليست تقول: رضِيتُ ربَّ العالمين

ويسد مؤنة أسرةٍ طماعةٍ
لا تكتفي بالعيش عيش المُترفين

وأبوهمُ والحبلُ يلفحُ جِيدهُ
والأم تضرب سَوْطها كالمجرمين

قادت عِنان جوادها بجهالةٍ
نحو الضياع ، ونحو درب الهالكين

وإذا ارتشى تأتي تقول: براءة
وتقول: يدخل جنة ، وأنا الضمين

أتريد لابنك أن يكون مؤلفاً
ليحقق الأرباح يُرضي العاهرين؟

ليصور الإفلاس دون تعففٍ
وكذاك يُعْلي راية المتبجحين

ويعيش يكتب ما به يُرضي الهوى
وكذا ذئاباً في الضلالة ناعقين

أدب الجهالة والضياع إذن أبي
أدب الشواطئ والمزابل والسفين

أدب الحظايا والمطايا والخنا
ورقيعُ أحوال ، وهزلُ مراهقين

ويظل يسبح في بحور فسوقهم
ومُجونهم ، والأمرُ في كدر وطين

باسم الفنون تراه يملأ ساحة
ومكانة في حانة المُتفرعنين

ملأوا الزوايا والحواضر بالدجى
وتمحورت في القوم ريحُ الفاسقين

وإذا سعى بيراعه ولبابه
ومِداده ليُنددنْ بالخارجين

ويقول: لا ، للهزل لا ، للظلم لا
للعُهر لا ، للجاهلية لن ألين

فإذا ذيولٌ خلفه تغري به
وتقول: هذا رأسُ كل المفسدين

وإذا الكلامُ تخطه ببراعةٍ
ومهارةٍ أيدي البُغاة الشامتين

وإذا المَنون تجهزتْ ، وإذا الهُما
مُ بها يذوق صنوفَ كيد الماكرين

وإذا المَرارُ بحرقة ، وإذا الجرا
حُ تذيبه ، ونداؤه: هل من مُعين؟

وأخ العقيدة صاحَ: صابرْ واصطبرْ
لا تمتعضْ ، إن القدير هو المُعين

أتريد لابنك أن يكون مخنثاً
حتى يُمتّع جوقة المتنعّمين؟

ليُعلم الفتياتِ كيف تحب ، أو
تنساق ، أو كيف الطريق إلى الخدين؟

حتى تفهم كل حوا أن تح
ب ، وإن بدتْ بالله حقاً تستهين

وتراه مرذولاً ، ويزعم أنهُ
يمحو هموم البائسين العاشقين

ويظل تأتيه الرسائلُ من جمي
ع بقاع جوقة جائعين مدمّرين

ويظل تعرفه الحواضرُ والبوا
دي والمدائنُ والمقابرُ أجمعين

أتريد لابنك أن يكون مدرباً
ليُعلم الأقوام نهج الآثمين؟

ليُفهم الغِلمان في الأمصار كي
ف الهزل ، كيف هتافهم للاعبين؟

ويعلم الهدّاف كيف يصوبنْ
ضرباتِه والرمحَ في الركنٍ اليمين؟

ولتسلم الأصقاع بالأهداف واله
داف والألعاب ردحاً من سِنين

وإذ ترى فوزاً ، فأبشر يا أبي
بمكافآتٍ ، سوف يمنحها القرين

لتقول: تربيتي وخالصُ دعوتي
ولدي وشبلي وانظروا ذاك العَرين

ربّيته ، وشملته برعايتي
هيا اجعلوا للشبل كأس الفائزين

وجزاكَ عني الله خيراً يا فتى
فلأنت نعم الشبل والولدُ الأمين

ولئن قضيتُ فسوف تحمل عبء إخ
وتك الصغار الكادحين الطيبين

أتريد لابنك أن يكون مهوساً
طلابُه في كل وادٍ يلهثون؟

ويعب أموالاً بدون هوادةٍ
أما العيالُ فمُجبرون ومُكرهون

ويعيش يلوي عابثاً أعناقهم
ويعيش كلٌ صاغرين مُكبلين

وإذا تجاسر واحدٌ منهم وقال: ابني
أعلمه ، فويلٌ للرهين

وإذا المهوّس صار قصاباً يذب
حُ خلسة أفراخ قوم نائمين

ويُخرّج الأشبالَ قصّابين أو
متآمرين وهازلين وصابئين

فالجاهلية سَمتُهم ، والمالُ حق
اً زادُهم ، سلكوا دروب الضائعين

أتريد لابنك أن يكون مصوراً
حتى يصور أمسيات المُطربين؟

وكذا يُصور عابثاتٍ ماجنا
تٍ في أماكن خصصتْ للعابثين

وكذا يُصور في السواحل ساقطا
تٍ مارقاتٍ: بالألوف وبالمِئين

إنْ في رداء البحر تلهو هكذا
تلك العذارى ، كيف يلهو الكافرون؟

وكذا ترى الشهم الهُمام يصور الس
قطات من أجواء ساحة عابدين

ويظل يرسو في حضيض ضلالهم
باسم المُجون ، وباسم فن الصاعدين

أستغفر الله العظيم مِن الهوى
بل يهبط المأفونُ في قاع الفتون

أتريد لابنك أن يُعَيّن مقرئاً
ليُطوِّع الفرقان للمُتجبرين؟

يتلو كلام الله في دنيا أنا
سٍ جاهلين مُعلمَنين ومُعرضين

يهتاج فوق التخت بالآيات ، والآ
ياتُ تلعنه ، بلى ، واللاعنون

ويقول رأسُ القوم: كرّرْ بانسجا
مٍ وانشراح وافتعال المُدمِنين

ويهز فرعونُ الجماعة رأسه
ويظن خاصة نفسه في المُخلصين

وهو الذي ملأ البياديَ بالكرا
مِ الأبرياء الأخبياء الصالحين

ومضى يقول: أنا الذي بيديَّ أرْ
فعُ زمرة ، وكذاك أخفِضُ آخرين

ويقول عن علم الأماجد أنهُ
في سجنه كالكلب يحيا كالرهين

والوصفُ وصفك يا طويغيت البغا
ثِ ، فلا تغار على حَريمِك والبنين

في ظلمه ، في جوره ، في حيفهِ
في غشهِ قد فاق كل المُلحدين

تهديده ووعيده ونفير صو
تِ كلامه يطوي جُموع الخائفين

أتريد لابنك أن يكون مدافعاً
يئِدُ العدالة ، يُنقذ المتآمرين؟

وإذا رأيت دفاعه ببسالةٍ
يُغشى عليك ، تظنه نعم الأمين

وهو الذي طمس الحقيقة عامداً
مُتعمداً في شِرعة المتهالكين

ومضى يقول: نصوصُنا في عدلها
فاقت شريعة كل عصر ، كل دين

أثنى على قبح الفنا ، قانونه
هو في الحقيقة نهجُ كل الغاصبين

طرحوه فوق رقابنا ، وبقاعُهم
هذي قِفارُ الخائبين الخاسرين

لو نِيل مِن أقواتها لتظاهرتْ
وإذا قلاها العدلُ فالنوم المتين

أتريد لابنك أن يكون كبيرهم
وتحوطه أسراب قوم تافهين؟

في الناس يقضي بالهوى وبرأيه
ومِزاجه وبشرعة المتأرجحين

وتحوطه في الناس أقوامٌ يجي
دون التزلف والتمسّح والرنين

ويدور مِن دار إلى دار ، ومِن
صُقغ إلى صُقع ، ومن دين لدين

وهو الكبيرُ على قطيع معرضٍ
يأوي إليه كجوقة المتزلفين

خلف الأثيم تزلفوا وتعبدوا
وإن اشتكى فإذا بهم يتألمون

في كل وقتٍ قدّموا نسك العبا
دة والضراعة ، شابهوا المُتعبدين

قالوا: نموت فداك يا مألوهنا
أنت المليكُ ، ونحن نحن العابدون

وتنوعوا: ما بين فوج حارس
وهناك فوجٌ يُشبه المتسولين

هو يبذل الروح العزيزة والضنا
في خدمة الطاغوت لا يتساهلون

وإذا مضى الشيطان نحو عبيده
فهو النجاة لجوقة المتحاربين

ومضى يوزّ بجنده ورجاله
وتعينه مجموعة المتحذلقين

ما بين عالم جوقةٍ وحثالةٍ
وبطانةٍ وعصابة المُتشدقين

مردوا على صُنع الكلام ونسجه
هم في الحقيقة حِفنة المتسكعين

ما بين تاجر بدعةٍ وعمالةٍ
وتحلل ، وشراذم المتقامرين

ما بين ساقطةٍ وهازلةٍ تصف
قُ ، ثم ترقص وسط جوقة عازفين

أخذتْ بكل سَخافة تئد الحيا
وبكل عهرٍ في تلافيف المُجون

وتقول للشيطان أنت مَلاذنا
ومُجيرنا من فرقة المتعصبين

ويردد الشيطانُ ما قالت ويف
خرُ أنها أسمتهمُ المُتشددين

هي عادة الضلال دوماً يهرفو
ن بكل شيء ، ليس فيهم عالمون

ويُشرّدون لأجل هذا مَن يُنا
وئهم ، فليسوا في الحقيقة مُنصفين

مازالت الأعناقُ تقطع عنوة
وغدا الأشاوسُ بالدماء مضرّجين

أتريد لابنك أن يكون مصففاً
متمرساً ليصَفف الشعر الدجين؟

تأتيه كل مطيةٍ حتى يصف
ف شعرها بطريقة المُتحضرين

وهناك تلقي ثوبها ، وهناك يظ
هرُ شعرها ببراعةٍ للناظرين

ويدور فحل كالأتان يشمها
ويضمها في رقة المتظارفين

ويمُد في دعةٍ يديه إلى معا
طف جيدها وجيوبها كاللاهثين

وتقول: كفكفْ ثورة فيقول: ه
لا تأذنين وتبدئين وتدفعين

وبعيرها خلف الستار مجاملٌ
ويقول: نعم ملونٌ ومصففون

إن البعير ليستحي من فعله
وتقول: كيف يروقنا الهزل المُشين

عجباً قتلتم هديكم وإباءكم
وحياءكم عمداً بدعوى الناهضين

أيسرك ابنك في الحواضر شاعراً
ليقول شعراً في العُتاة الجائرين؟

ويُسطر التفعيل في أمجادهم
ويَخص بالشعر البُغاة الخالفين

ويُثيرها طينية عصبية
للعُرب ردحاً ، ثم للمُستعربين

ويجند الأشعار تخدم باطلاً
متعاظماً في عالم المتصارعين

وإذا ارتقى في شعره فهي الكتا
بة للأغاني ، حِسبة للمائعين

وإذا القصائد حَللتْ وتحللتْ
في حانة المتجاسرين الشاربين

وتناولت عشقاً وهزلاً وانحلا
لاً وانصياعاً في مهاوي الساقطين

وإذا العذارى في مخازي شعره
وإذا التشبب في دروب العاشقين

وتحب كل حبيبة معشوقها
لقراءةٍ في شعر مَخبول ضنين

ضنتْ يداه عن الفضيلة والهُدى
ومُصيبة الأقوام شعرُ المغرمين

بخلتْ يداه عن المبادئ والعُلا
لمّا ترسخْ قيمة للقارئين

لكنْ أبت إلا الكتابة في القبي
ح من الكلام لترضيَ المتذوقين

وأبت كذلك أن تصور واقع ال
جيل الممزق تحت سوط القاهرين

وأبت كذلك أن تصور شرك قو
مٍ يذهبون إلى قبور الصالحين

وأبت كذلك أن تصور ساحة
حمراءَ من فحوى دماء مجاهدين

لكنها ذهبتْ تصور حانة
بلهاء تلهث في لهاث الأسفلين

ذهبتْ كذلك في السواحل جهرة
لتصوّر الإفلاسَ في المتهتكين

ومضت كذلك في المسارح تنثني
طرباً ، ويُفرحها تغني المفسدين

ومضت كذلك في الشوارع تزدهي
وتقول: ما هذا الجمالُ المستبين؟

غلت يدا مَن كان هذا شعره
يا ويلتي: رباه عفوك يا متين

أتريد لابنك أن يعيش ملوّثاً
بالجاهلية في خِضَمّ الجاهلين؟

متعبداً شهواته ، ومؤلهاً
نزواته في عالم المترهلين

متفيأ ظل المهانة والأسى
ويغط في نوم عميق مستكين

ويبدد الأموال في أهوائه
وتشده أعفانُ دنيا الحالمين

وإلى البوار مصيرُه ، يا سوأتى
أتريده كالجعدِ وسط الجاحدين

قل لي بربك يا أبي: هل نحن حق
اً لو أتانا موتنا متأهبون؟

ولئن سألتك عن حياة عبيد جم
ع بائسٍ يحيا مع المتخلفين

أنا لست أعني عن حضارة عصره
إني لأقصد: هدي رب العالمين

ولئن سألتك عن عقيدة قومنا
القومُ كانوا مُخلصين مُوحّدين

ولئن سألتك عن حقيقة دارنا
الدارُ كانت دارَ قوم مؤمنين

ما بالها اليوم انزوتْ ، وتدهورتْ
لا تستقيم على طريقة مسلمين

والقوم غاصوا في جهالة هزلهم
وتتبعوا نهج العُتاة المُشركين

ولئن أردت صراحة في لفظتي
عملاً وقولاً: قلتَ: صاروا مارقين

والقوم إذ جحدوا معالم هديهم
فحقيقة: صنوانِ هم والفاسقون

والدارُ قد طمعت ذئاب الأرض في
خيراتها ورجالها المتفرنجين

والهَديُ ولى في سراديب الخنا
ومضت كذلك زمرة المتدينين

وتمرّق الفرقان ، لم يَعرفْ له
أحدٌ طريقاً في بقاع الخائنين

وغدا فريقٌ يعرض الفرقان أح
جبة وتعويذاتِ حفظٍ للبنين

وغدا فريقٌ يعرض الفرقان أو
راداً وتفعيلاتِ شعرِ مُشعْوذين

وغدا فريقٌ يعرض الفرقان ح
لاً للمشاكل خلف مَن يتألهون

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان وع
ظاً بالمحافل ، قلّ مَن يسترشدون

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان أن
ندعوْ بأرض الله ، نسعى سائحين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان مأ
ثوراتِ ذكرٍ عبر أحداث السنين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان شي
ئاً من قماش قد يلف على الجبين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان أن
قبة النساء ولحية المستمسكين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان نص
حاً واحتراماً ، ثم وعظ الظالمين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان هد
ماً في قبور الأولياء الصالحين

وغدا فريقٌ يعرض الفرقان تو
حيداً ، وغض الطرف عن قوم عمين

وغدا فريقٌ يعرض الفرقان تم
زيق العلائق بين شتى الأقربين

وغدا فريقٌ يعرض الفرقان تر
بية النفوس ، ولو بأرض اللاعبين

وغدا فريقٌ يعرض الفرقان تق
طيعَ التصاوير التي قد تستبين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تح
طيمَ التماثيل التي ماء وطين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان كح
لاً للعيون يَزينها ، نعم العيون

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان فل
سفة أراها في الحقيقة لا تعين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان نس
خ مصاحف ، هل منكمُ مَن يقرأون؟

وغدا فريقٌ يعرض الفرقان طب
ع شرائطٍ ، هل منكمُ مَن يسمعون؟

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان نش
ر صحائفٍ ، هل أنتمُ تتصفحون؟

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تع
رية التشيّع والخوارج أجمعين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تد
ميراً لتمثالٍ بقوة قادرين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تح
زين العواطف بالقصائد والمَنون

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان صو
ماً ، ثم أضحِيَة بعيد العابدين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان ذك
ر سوالف الآساد – دوماً – والعَرين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان دحضاً
لافتراءاتِ النصارى الصابئين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان أق
صوصاتِ كُتاب بجهلٍ يكتبون

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان في
ثقةٍ ردوداً لا دعا المُستشرقين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تف
سيراً لآي الذكر في هذي العِزين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تك
فير الخوارج: سابقاً واللاحقين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان ضر
باً في الصفوف ، ويا لهم من ماكرين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تح
ريراً لأرض القدس والأقصى السجين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان ثو
رة مؤمنٍ فوق العُتاة المَارقين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان دع
وة مخلصٍ في غير أرض المسلمين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان ظع
ناً في سبيل الله ، نعم الظاعنون

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان جم
ع تبرعاتٍ ، قلّ مَن يتصدقون

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان حم
ل السيف في وجه الطغاة الغاصبين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان أس
ئلة تهادى ، قلّ مَن يستبصرون

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان خط
بة واعظٍ في عالم المُستكبرين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تط
ويع النصوص لخدمة المتجبرين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان فب
ركة النصوص لخدمة المتعظمين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تس
فيه الجماعات التي لا تستكين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان رش
اشاً وقنبلة كصناع المَنون

وغدا فريقٌ يعرض الفرقان سل
عة تاجر ، يتجاهل الدر الثمين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان زم
جرة الأسود يلفها صحنُ العَرين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تف
سيق الأئمة والصحابة والأمين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان: يق
رأ سورة ، أو من رياض الصالحين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان موّ
الاً لعكا ، أو لحيفا ، أو جنين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تن
قيح الكثير مِن المؤلف مِن سِنين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تن
شئة الصغير مِن البنات مَع البنين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان مِس
واكاً وجلباباً وعود الياسمين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان مس
كاً للرجال وللنساء وللبنين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان أدْ
عِية ، وأحزاباً تردّدُ كل حين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان إش
هار الرماح لردع كل القاهرين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان وع
ظاً حول أحوال المقابر والشجون

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان زج
راً في وريقات على التقوى تعين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان حب
اً للبرايا ، ثم تذكيراً بدين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تب
ديع الجميع ، بلا دليل مستبين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان حر
باً ، بل إزاحة كل فن المفلسين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تح
ريماً وتحليلاً وزجر الخالفين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان نو
ماً قد كفانا - ذي اللياليْ - ساهرين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تس
بيحاتِ مبتهلٍ مع المتضرعين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تر
نيماتِ مرتعدٍ مع المتبتلين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تش
هيراً بحفنة ضائعين ممثلين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تن
ديداً بهزل الظالمين الغادرين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان فق
هاً حول ربع الرأس أو بعض الجبين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تب
ريراً لحال الدار والمتمسلمين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تد
مير الربوع بتهمة المتخاذلين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان حر
قاً في دِنان الخمر ، وليمض المُجون

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان أق
صوصاتِ أصحاب الرسول المُكْرمين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان أنّ
اتٍ لمَكلوم بتعبير رصين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تح
ريم التوسل بالقبور وبالدفين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تأ
ثيم الذين بغير ربي يحلفون

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان هي
عة ضارع بحماسة المتبتلين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تو
زيع الدعاة عن الشمائل واليمين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تح
ريك القلوب بقِصة للسامعين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان جع
جعة الفرذدق في ضمير الصامتين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان صي
حة عنترٍ ، ولقد مضى المُتعنترون

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان هج
عة ضفدع ، يا خيبة المتخاوفين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تع
طيل الحدود إلى زمان الآمنين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تق
نيط النفوس مِن الرجوع إلى المَتين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تر
قيع الضلالة بالأدلة والرنين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تف
عيل القصيد ليُبهج المُتعاطفين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان يغ
تال الدليل ليُرضيَ المتسلطين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تر
نيماتِ ملتاع مع المتدرْوشين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان أغ
روداتِ مُبتدع مع المتنسكين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان قر
طاساً يُوزعهُ على المتجاهلين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان نق
داً دون أن يصف الطريق المستبين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان يخ
لط نوره بظلام مَن يستكبرون

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان رف
ع مصاحفٍ بمسيرة المتضجرين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تش
ييع الجنائز ، ثم دفن الميّتين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تب
سيط العقائد بالهوى للمُترفين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان ذب
ح عقيقةٍ تكفي التهام الجائعين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تر
طيب القلوب بآيةٍ حتى تلين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان شر
حاً في مناقب أمهات المؤمنين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تن
وير العقول بذكر حال الأولين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تس
ييد البشير المصطفى الهادي الأمين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان زخ
رفة الصوامع بالبياريق والفنون

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تم
ييع القضايا في دهاليز الظنون

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تي
سييراً على الأقوام حيناً بعد حين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تخ
طئة الهُداة العالِمين الصادقين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تش
ويه التقاة ، يُبيد عِلم مجدّدين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان صي
د مزالق العثرات مِن مُتحذلقين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تر
تيلاً وتجويداً لقرآنٍ مبين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان زه
داً وانغماساً في دروب الزاهدين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان يث
بتُ نفعه وعلاجه للعالمين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان مع
لوماتِ حيضٍ أو نفاسٍ تستبين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان طأ
طأة الرؤوس تذللاً للجائرين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تط
ويل البرامج والقراءة والرنين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تك
ثير الصوامع في قرى المتحضرين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان رد
عاً ، أو ردوداً ضد من يتهجمون

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان س
داً للذرائع ضد مَن يتشدقون

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تق
ديم الأيادي للذين يُنافحون

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان صر
ف الجن بالآيات في دنيا العمين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تط
بيق الحنيفة عن طريق الناخبين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تخ
ريج الصحيح ، كأنهم مُتحدثون

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان أع
ذاراً ، رآها للألى يُستضعفون

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان أش
عاراً ، تعاورها وغشاها الحنين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان إر
هاصاتِ حب للدعاة الثائرين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان تس
ليم الريادة ، ثم قهر الخارجين

وغدا فريقٌ يعرضُ الفرقان صب
راً ، وانتظارا للقيامة أن تحين

وأراهمُ قد ضيّعوا ، قد بددوا
بجهالةٍ وحماقةٍ هَدي الأمين

لا يفهم الفرقانَ إلا مَن درى
توحيدَه ، وأصوله ركنٌ ركين

وحقيقة الفرقان جد عقيدة
للحق أفذاذ مضوْا في الخالدين

دفعوا مقابلَ صدقهم أرواحَهم
لم يركنوا ، أو يركعوا للغاشمين

وكأن وحي الحق تملكه شرا
ذمُ جوقة الجهال والمترخّصين

لا يملك الفرقان إلا ربهُ
مهما ادّعاه الأدعياءُ الكاذبون

زعموا التشدق بالترخص مجدياً
وهو البلية في مهاوى الآثمين

راحوا بجهل يربتون على شيا
طين تعاظم أمرُهم في العالمين

هلا تعلم هؤلاء جميعُهم
في دار أرقمنا بنور مستبين

وتفهموا ، وتدارسوا ، وتساءلوا
كيف الطريق إلى خليله مُخلصين؟

وتجاذبوا التوحيد منهج سعيهم
وتعلموا الإخلاص منهاج الأمين

درسوا العقيدة - بعد ذلك - حِسبة
إن العقيدة مِن منابعها تبين

لو ينبري منهم فريقٌ ثم يد
عو قومنا بالحق للنور المبين

جعل العقيدة مطلباً ، وكذا رأى الت
وحيد ينقصُ هؤلاء المشركين

والهَدْيُ توحيدٌ ونورُ عقيدةٍ
والهَدْيُ حُكمُ السلم دنيا العالمين

والهَديُ أخذ الناس عن معبودهم
ثم اتباع رسوله الهادي الأمين

والهَدْيُ توحيد الشعائر والشرا
ئع جُملة لله رب العالمين

والهَدْيُ تحكيم الكتاب وسُنة ال
عدنان في أركان دار المؤمنين

والهَدْيُ قال الله ، قال نبيهُ
وصِحابهُ ، لا قال (ماركسُ) أو لنين

والهَدْيُ وحي الله يسري نوره
ليصير واقع عُصبة المستمسكين

والهَدْيُ يُحْيي أمة تحْييه في
أركان واقعها ليَهديْ الحائرين

والهَدْيُ واقعُ منهج وعبادةٍ
يعلوه تجريدُ اتباع للأمين

والهَدْيُ جذرٌ ، والحياة بُريعمٌ
ومناسكُ الإسلام بينهما الغصون

مَن حاط هَدْيَ الله مِن كل الجوا
نب حاطه ، وأراهُ في عَلياء دين

ركب السفينة يبتغي فيها النجا
ة ، وليس ينجو من قلا هذا السفين

نوحٌ عليها راح يدعو قومنا
لكنهم قالوا مقالة أولين

سبحان ربي ، إن شرك الأولي
ن أراه في الأقوام شرك الآخرين

أبتاه قد جرح الكلام عواطفي
ومشاعري أضحتْ ينازعُها الحنين

إن قلت ذلك سوف أصلى ظلمهم
ولسوف أبقى - في عذابهمُ - الرهين

وأكون بعدُ فريسة في أسرهم
لأذوق ما كتب الإله على الجبين

ويذوق أهلي لوعة الحرمان في
شهم أبيٍّ ما انحنى للغاصبين

هيا استمعْ لي في ثبات يا أبي
تلك الحقيقة ، لستُ فيها بالضنين

ولئن بقيتُ أقول هذا بينكم
فلسوف يَقهر صرختي نصبُ الكمين

ليست حروبُ المخلصين جديدة
هي مِن عهود السابقين الأولين

ما لم نذد عن هَدْينا ، فخروجُنا
من بأسنا واللهِ من عين اليقين

ولئن رحلتُ فلستُ أول من مضى
وكذا أراني لست آخر مُهدَرين

ولئن حُرمت حليلتي ، فلها إل
ه الكون ، ثم الصحبة المتعاهدون

وكفى عيالي أنني لم أستكن
للظالمين ولم أذل لمُعتدين

ولسوف يذكرني الجميعُ مَن اتقوْا
وكذا سيذكرني الرفاقُ المترفون

إني تركتُ لزوجتي وعيالها
رباً بصاعقةٍ يُذل المُلحدين

ولسوف يذكرني عيالي بعدما
يمضي الهوانُ ، وبعد تبديد الدجون

ولسوف تذكر طفلتي هذي الموا
قف ساعة ، وتقول: لسنا آسفين

إنا احتسبنا في الإله شهيدنا
وتقول: ربيْ تولهُ في الفائزين

للهم نقّ نضاله من همزةٍ
من لمزةٍ ، أو من رياء القائلين

للهم واجعلها شهادة مخلصٍ
يرجو بها مرضاة رب العالمين

مازال نصحكِ في فؤادي طفلتي
متأججاً ، ولأنتِ خير الناصحين

ولقد رأيت عزيمتي يا والدي
ليست بإرهاصٍ ولا ذلٍ تلين

هي منحة الرحمن للإنسان في
قلبٌ - بغير الحق - مذمومٌ دفين

ولقد رأيت عقيدتي وصرامتي
للهم فاحفظها مِن المتفاخرين

ليس التفاخر ديدني ، لكنني
أرجو بذلك عِبرة للسامعين

فادرس إذن ما قلتهُ وذكرتهُ
ثم انتظر ليَ عودة حتى تحين

إن القضية ليس تعني أننا
نتبادل الآراء كالمتفلسفين

هي في حقيقتها حصائد عمرنا
هي زادنا ، والكل حتماً زائلون

أنقابل الرحمن يسعى نورنا
ونقول: أتتمْ نورنا في المتقين؟

أم ليتنا كنا ترابا يُزدرى
كنا بكل صراحة متمسلمين؟

وأظن إبليس اللعين يقولها
هذا كلام الخائبين الساذجين

صدقته ، كذبته ، ستموت وح
دكَ يا أبي ، ونصير يوماً ميّتين

ولئنْ أبيتَ طريق قوم أسلموا
فإلى اللقا في يوم نبعث أجمعين

© 2024 - موقع الشعر