بائعُ الكتب - أحمد علي سليمان

حيّا المهيمنُ بائعَ الأسفارِ
ووقاه - في الأخرى - لهيبَ النارِ

مازال يقرأ مُعجباً بنصوصها
ومَعينها المسترشدِ المِعطار

مازال ينهلُ مِن أريج وُرودِها
كالنحل يعشقُ عاطرَ الأزهار

مازال يكسبُ - بالقراءة - وُدّها
ويطابقُ الأنباءَ بالآثار

مازال يلتمسُ الطريقَ لحِفظها
ويصونُ ما تحوي من الأخبار

مازال ينصحُ مُخلصاً كُتّابها
متجرداً للواحد القهار

مازال يجعلها السبيلَ إلى الهُدى
شأنَ التقاة الصفوة الأخيار

مازال يختصرُ الدروبَ إلى العُلا
بالبحث في مُتبحّر الأسفار

وكأنه اللّآل ينشدُ لؤلؤاً
ليحوزه ، فيجوبُ قاعَ بحار

عشراً من السنوات يقرأ مُوقناً
أن العلوم رطيبة الأثمار

لم يألُ جُهداً في المطالعة التي
مِن فضلها وعطائها المِغوار

جعلته - بين الناس - أسمى رتبة
من كونه في عالم التجار

والبائع المسكين أصبح عالماً
مِن فضل ربي الواحد القهار

إن المهيمن يصطفي مِن خلقه
رُسُلاً تبلغ ما يريدُ الباري

وكذلك العلماءُ يصنعهم فلا
يتعلمون العِلم للدينار

بل يَنصَبون الدهرَ في تحصيله
كي يُدركوا ما فيه من أسرار

حتى إذا علموا انبرَوْا ليبلغوا
ما حصّلوه ، ودونما استئثار

مِن بائع للكُتْب يَحْقِرُه الورى
ويبوءُ مِن سُفهائهم بشنار

ويُفضلون على الكتاب طعامَهم
والروسُ تحوي سيّئ الأفكار

حتى غدا البيّاعُ أعلمَ جَهبذٍ
بل فاق - في التنظير - أهل الكار

وبرغم أحوال تموجُ مريرة
لمّا يكنْ يُضنِيه أيّ مَرار

وبرغم تضييق الطواغيت الألى
حكموا الورى بحديدهم والنار

قصروا الوظائفَ في البلاد على الألى
قرعوا الطبولَ ، وطقطقوا بالطار

وبرغم أعباء الحياة وضنكها
مَخرَ العُباب ، وضجّ بالتيار

وأوى إلى المِسواك ينشدُ مَربحاً
وإلى الكِتاب بعزمة استمرار

وإلى جلابيب النساء يبيعُها
للصالحات بأبخس الأسعار

وإلى العطور يُهِيجُ جُؤنتها الشذى
ويُعبئ الجؤنات كالعطار

وإلى الخِمَار بدون أدنى مَكسب
بل كان لا يُعنى بربح خِمار

حتى جزاه الله خيراً وافراً
يسمو به عن مِنحة الأبرار

وحَباه رب الناس عِلماً نافعاً
ليعيشَ يرفلُ في سَنا الإكبار

© 2024 - موقع الشعر