أنى لمثلك الشجاعة؟ (جحا يهرب وراء ألغازه) - أحمد علي سليمان

جحا سبيلك رغم البُعد مأمولُ
ولغزهُ رغم ما يخفيه محلولُ

تضاربتْ حولك الآراءُ مُشهرة
سيفَ التناقض يُصلي نارَها الجيل

وحولوك إلى شماعةٍ عجزتْ
عن حمل ما يدّعي العِير المناكيل

وبالغوا وافتروا إثماً يحيقُ بهم
أواه كم تفتن المرءَ الأباطيل

وأحدثوا فتنة في الأرض موقدة
كأنما أرسلتْ فيها الأبابيل

وأصبح اللغو درباً خاب سالكه
وأول اللغو والفوضى الأقاويل

في عالم جبنتْ ألباب سادته
فلا تفارق أذكاها الأضاليل

مِن كل مرتكس في جُب خيبته
كأنه في دجى التضليل مخبول

مِن كل هزل له فقه وفلسفة
وسيفُ زور على الإسلام مسلول

لا يعلن الحق إن حانت مواجهة
لأنه بسراب العيش مشغول

جحا تفردت بالبساطة انطلقتْ
في العالمين ، فنعم الطوْل والطول

تواضعٌ ما له في الناس من شبهٍ
وحُسنُ ظن بحب الخير موصول

ونية من دجى التشكيك قد خلصت
وصاحب النية الكأداء مغلول

وخاطرٌ من مَريع الترّهات صفا
وصاحبُ الخاطر المقبوح مرذول

وحسنُ قصدٍ غدا سَمتاً ومنقبة
كأنه في دروب المكر قنديل

وطيبة في قلوب البعض ما عُهدتْ
وما لها عند أهل الختل مدلول

وحكمة قد سما في النفس وازعها
والقول مبتشر ، واللفظ معسول

أهل الزمان بما صنعته شهدوا
ومنكرُ الفضل بين الناس ضِليل

ونال منك الألى زاغتْ بصائرُهم
وآفة تُزدرى البصائرُ الحول

وجرّدوك من التكريم أنت له
أهلٌ ، وليس على الجهال تعويل

جحا ظُلِمت ، وظلمُ الناس مخبثة
وفي (النوادر) تحتج التفاصيل

والناسُ تغرق في قيعان تسليةٍ
أما الضحية في الهزل البهاليل

لا يرعوون لتذكير يبصرهم
لأنهم بافترا الحمقى مشاغيل

تبرر الغاية المثلى وسيلتها
لأن منهجهم في العيش مدخول

لا يضحكون كما سنتْ شريعتهم
إذ يخنق الشرعَ في الأوطان تعطيل

والهزلُ صارت له سُوحٌ وفلسفة
وقومُ سوءٍ لهم فيها أفاعيل

أسائل اليوم مَن ضلوا ومَن هزلوا
أجاء باللغو يا أقوام تنزيل؟

ألا تخافون من عقبى ترهلكم؟
وهل يقود إلى الآمال ترهيل؟

أما لكم عبرة في كل مَن هزلوا؟
وهل مصير طغاة الأرض مغفول؟

تأملوا ما انتهى إليه باطلكم
وقدموا العذر إما كان تأويل

جحا رأوْك لدنيا اليوم بلسمها
إذ الاهتمام بها يا صاح مملول

واللامبالاة قد تريح محترقاً
وجيله من دجى الإفلاس مبتول

مادام أدى الذي يريد خالقه
من البيان له ، والفذ مسؤول

أدى النصيحة ، لم يبخل بموعظةٍ
والشهم دوماً على العطاء مجبول

حتى إذا جابه الردود عاتية
والعلم بين عبيد المال مخذول

رد الخصوم ، وقد أبان حجته
ولم يعُقْ سيْره في الدرب تهويل

ولم يجادل عن الضُلال مَن جحدوا
وسِترهم فوق ما قالوه مسدول

إذ إنهم شوهوا مَن كان ينصحهم
وناشرُ العلم بين العِير مقتول

لذا التجاهلُ للباغين منفعة
والإنتماءُ لهم عارٌ وتجهيل

قاطعتهم عندما طالوا حنيفتنا
وكم يطال الهدى قومٌ مهازيل

جحا تموت إذا عاينت خيبتنا
في عالم عيشهُ ذلٌ وتقتيل

فلا شجاعة في قلوب سادته
فالجبن في غرر التيجان إكليل

لو أنصفوا ما افتروا على جحا كذبا ً
لأن منهجه في النقد مقبول

عبدٌ رأى الخلق في أهوائهم غرقوا
أما المصير فطي الغيب مجهول

وفي المعاصي رأى أبصارهم شخصتْ
كأنهم في دنا الخلق التماثيل

فناصحَ الكل حتى أهدورا دمه
وأطفئتْ في دنا النوكى القناديل

لذاك آثر بُعداً عن ترهلهم
إن اللبيب عن الجُهال معزول

يموتُ قومٌ بما نالوا وما اكتسبوا
أواه كم تقتل الصِيدَ التهاويل

© 2024 - موقع الشعر