أمّن يجيبُ المضطرَ إذا دعاه - بوسنوية امتُحنتْ - أحمد علي سليمان

الحمد لله الذي نجاني
من كيد أهل الكفر والطغيانِ

حمداً كثيراً طيباً ومُباركاً
ملء السما والأرض والأكوان

بل ملء ما شاء المهيمنُ ربنا
جلّ المليكُ البر ذو السُبحان

نِعَمُ الإله على العباد غزيرة
فله عليها وافرُ الشكران

لا يخذل المولى الألى اعتصموا به
ويبوء مَن جحدوه بالخذلان

والله ناصرُ من يلوذ ببابه
ومُجيره مِن مكر كل جبان

ويُعينُ عبداً يستعينُ به فلا
ينهارُ تحت مطارق العدوان

ويُغيث ملهوفاً ، ويَقبلُ تائباً
ويقابلُ الإحسانَ بالإحسان

ويُجيبُ مضطراً دعا متوسلاً
ودموعُه جادت بها العينان

وأقول هذا من عميق تجارب
فيه الدليلُ يشع بالبرهان

وإليك قصة حُرةٍ منكوبةٍ
أسِرتْ بأيدي عابدي الصلبان

لو لم أعشْ أحداثها وعظاتها
وختامها واللهِ عشر ثوان

لو لم أعاين دِقها وجَليلها
لنكرتها في عالم الحَدَثان

ولقلت هذي فرية مكشوفة
لا درب يُوصِلها إلى الأذهان

هي - للخيال المَحْض - أقرب رُتبة
إن لم تكنْ ضرباً مِن الهذيان

أنا - بين أهلي - كنت أحيا غادة
مثلي كمثل بقية النسوان

ونعيشُ للإسلام يعرفنا الورى
وأنا نذرتُ العمر للقرآن

ومَظلة التقوى تظللُ دارنا
وتحيطنا بكرامةٍ وأمان

وأبي وأمي مُسلمان كلاهما
برئا مِن الإشراك والكفران

وأنا وزوجي والصغارُ عِيالنا
نحيا على الإسلام والإيمان

لا شيء ينقصُنا سوى حسن اللقا
أعني لقاء الواحد الديان

ثم ابتلينا بالنصارى كالردى
وطئوا الديارَ بجحفل عُدواني

فتعقبوا أهل المدائن والقرى
حتى أبادوا أغلبَ السكان

ومدافعُ الكفار سَوّتْ دورَنا
بالأرض بعد تساقط الجدران

حتى المساجد هدّموها عنوة
سُقيا لعهد شعائر وأذان

وأتوْا على جيراننا في بيتهم
فرأيته يهوي على الجيران

وأتى علينا الدورُ داخلَ بيتنا
فعلوا الذي ما كان في الحُسبان

قتلوا أبي ، لم يُغن عنه مَشيبُه
وتعقبوا - برصاصهم - إخواني

ونصيبُ أمي القتلُ حيث دعتْ على
أعدائها بنحيبها الهتان

وأتوْا على الأبناء في وحشيةٍ
فرأيتُ بعض ملابس الصبيان

ورأيتُ أشلاء الجميع تناثرتْ
والبيتُ أقفرَ مِن سَنا الولدان

وعلىَّ جاء الدور ، كيف أصدّهم؟
هل صدّ هذا البغي في إمكاني؟

قلتُ: اقتلوني بالرصاص شهيدة
لتكفكِفوا مِن فورة الشنآن

عَيشي - بدون الأهل - مَوتٌ للتي
فقدتْ جميع الآل والخلان

عيناي أبصرتا الذي لم تبصِرا
في عالم الآساد والعقبان

والقلبُ تغمرُه الدماءُ رخيصة
وكأننا في عالم الحيوان

هيا اقتلوني ، واظفروا بمُرادكم
إن المراد إبادة الإنسان

قالوا: سنفعل بعد أن نحظى بما
يحظى بهِ رجلٌ خلا بحَصَان

سترين منا ما يَشيبُ لهوله
ولنار فتنته فتى الفِتيان

سنصبُ فوقك مِن عذاب سُعارنا
ما قد يفوقُ وساوسَ الشيطان

ولسوف نجعلُ منكِ أنكى عِبرةٍ
لحرائر الإسلام في (البَلقان)

وتجوبُ قصتك الحواضرَ والقرى
وتروجُ - بين الناس - في البلدان

ولسوف ننسيكِ الذي ذاكرته
ووعيته مِن سُنة العدنان

أوَما رأيتِ سلاحنا وعتادنا
ورجالنا كالأسْد في الميدان؟

قلتُ: اعلموا أناْ لستُ وحدي ها هنا
سأمُدّ هذا الكف للرحمن

ولسوف أجارُ - للقدير - بدمعةٍ
ليُعيذني مِن صَولة الذؤبان

رباه قلّتْ حِيلتي في مِحنةٍ
أعتى من التحريق بالنيران

في لجةٍ فيها تطاول سبعة
فقدوا الحيا أقوى مِن الحيتان

ذبحوا جميع الأهل دون هوادةٍ
وأنا غدوتُ رهينة الحِيطان

مات الحُماة ، فمن سيحمي حُرة
تلقى - من الأعداء - كل هوان؟

عِلجٌ يُساومُها ليهتك عِرضها
ولهاثه مثلُ الحميم الآني

وسواه ينزعُ - للرفاق - نِقابها
ويَمينه امتدتْ إلى الفستان

والثالث المحتالُ غازلها لكي
تفضِي إليهِ بغِبطةٍ وتفان

والرابعُ الغجريُ شط به الهوى
فإذا به يهتاجُ كالسكران

والخامس الهمجيُ أرسل ضحكة
أصداؤها كالرعد في الأركان

والسادسُ الدهقانُ دبّرَ خطة
حتى يساعدَ زمرة الأخدان

والسابعُ ارتعدتْ فرائصُه لمَا
ينتابُه مِن شِدة الهيَجان

وكأنهم ظفِروا بصيدٍ أعزل
والأكلُ منه - اليومَ – بالمجان

رباه حِلمك غرّهم ، فتمرّدُوا
والجمعُ راهنَ أن يزيلَ صِياني

وأنا عجزتُ ، وأنت تعلم طاقتي
فتولني بعطائك الرباني

أعْمِ العُلوجَ ، فلا يرَوْا ليَ عَورة
لا عين ترقبني مِن العميان

وابعث على العِير الكُساحَ بما جنوْا
والعنهمُ يا رب كل أوان

أنقذ وليتك التي ظفروا بها
ظفرَ الجحافل بالأسير العاني

فإذا بنصر الله ينزلُ عاجلاً
وإذا بآية ربنا المَنان

أعماهمُ فتخبطوا ، وترنحوا
وبَصُرُتهم لمْ يهتدوا لمكاني

ثم ابتلاهم بالكُساح ، فأخلدوا
للأرض في زل وفي إذعان

وهنا التقطتُ سلاحَ أشقى رهطِهم
وقتلتُ سبعتهم بذي النيران

وتحوّلتْ في التوّ دَفة حَربنا
وتقاسما دَوْرَيهما الخصمان

مَن كان مَجنياً عليه هنا استمى
حتى غدا في ذا اللقاء الجاني

أما الجُناة فجُندلوا وتحسّروا
والجمعُ باء بنكبة الخسران

سبحانك اللهم أنقذت التي
ذكرتك في ثقةٍ وفي اطمئنان

وجعلتها تحظى بعاجل ثأرها
مِن مُجرمين تذرّعوا بسِنان

يا رب أنت ظهيرُنا ونصيرُنا
إما غزانا عابدو الأوثان

© 2024 - موقع الشعر