يا جارة الوادي اليمنية 1 (معارضة لشوقي بك) - أحمد علي سليمان

يا جارة الوادي ، حَزنتُ وزارني
ما يُشبه الأطيافَ مِن رُؤياكِ

وطوتْ فؤادي اليومَ غائلة الجَوى
والنفسُ عانت في البلا شجواك

والقلبُ غصّ بما يُلاقي من أذى
ما انفك تسقيه اللظى ذكراك

والعينُ دامعة يُسربلها البُكا
يا عينُ أبكاني الذي أبكاك

والخاطرُ المُلتاعُ ينعَى غادة
هل خاطري لولا الهوى ينعاك؟

والروحُ قد رضيتْ بما حكم القضا
فالأمرُ لله الذي سواك

وادي (الغضيب) غداً سيطويه الفنا
لكنْ سيبقى في الديار هواك

وأنا من (اليمن السعيد) أقولها
طيبتِ يا فضلى ، وطاب ثراك

لما رأيتكِ في سواد عباءةٍ
العينُ كحلها سنا مرآك

بين النخيل وقفتُ أرقبُ خائفاً
أن تفهمي أني أبيحُ حَلاك

لا والذي رفع السما ، يا غادتي
أنا لستُ بالغاوي ، ولا الأفاك

إني انتويتُ زواجَنا وفق الهُدى
ولذا اختبأتُ مُروّعاً لأراك

فوقعتِ في قلبي وكل جوارحي
وغدا فؤادي راضياً مأواك

فبعتُ أمي كي أريح سريرتي
وأتتْ دياركمُ لكي تلقاك

وأتتْ بأطيب ما يكون رسالة
وأنا وأمي يا (ربابُ) فداك

هي قد أحبتكِ المحبة كلها
وأنا كذلك صرتُ في مرماك

وقد استقر الرأي أنْ سنزورُكم
نختارُ زوجاً للذي يهواك

وأعدّ أسيادُ القبيلة عُدة
وزيارة تحظى بنيل رضاك

وتوسّموا خيراً يؤولُ إلى ابنهم
إذ إنه زوجاً له يرضاك

فإذا بناع يحملُ الخبرَ الذي
ذقنا الدغاولَ منه حيث نعاك

والكل عادوا القهقرى بتوجع
وأنا رجعتُ تؤزني ذكراك

فعليكِ من رب الورى رَحَماته
ما دارَ نجمُ الليل في الأفلاك

رباه فاغفرْ للرباب ذنوبَها
ما أنبتتْ أرضٌ بعُود أراك

مناسبة القصيدة

(جاءتْ (ربابٌ) هذه الصبية اليمنية مع قومها لترعى الغنم في جنوب اليمن ، وتحديداً في وادي (الغضيب) ، المجاور لذلك العاشق اليمني المؤدب المحترم الطيب. وأعجبَه في هذه البدوية اليمنية ثيابُها الحشيمة وحجابُها الكامل وسِترها السابغ! وهذا طابعُ أغلب بنات البادية اليمنية الجميلة الطيبة المباركة! وصدق النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – عندما مدح اليمن وأهله بقوله: (ألا إن الإيمان يماني ، والحكمة يمانية ، والفقه يماني)! وأراد الزواجَ منها ، وتذكر حديثَ جابر عندما قال للنبي – صلى الله عليه وسلم -: إني خطبتُ امرأة! فقال: انظر إليها فإنه أحرى أن يُؤدم بينكما! فيقول جابر: فكنتُ أتخبأ لها بين النخيل حتى رأيتُها! وكذلك فعل عاشقنا اليمني ، تخبأ لها بين النخيل يسترقُ النظر إلى وجهها ولو مرة! وعلى ما أخبرني الراوي أن (رباب) كانت تتوضأ لصلاة عصر في مكان مُنعزل من البادية في الوادي! وكان طبيعياً أن تكشف وجهها لتغسله ، فرآها فإذا هي قد جمعت إلى جمال الخُلُق جمال الخَلق! فخاطب أهله ، فأبدوا استعدادَهم للذهاب إلى قبيلتها ، وأخذوا هداياهم وساقوا ولائمهم! وبينما هم في طريقهم أتاهم الخبرُ بوفاتها! فانكسرتْ نفسُ العاشق وخارتْ قواه وتحطم قلبه ، وغلب عليه إيمانه في النهاية فاستغفر ربه واسترجعَ وحولقَ وحوقلَ ، ودعا لها بالرحمة والمغفرة! فأنشدتُ حكاية عنه مُعارضاً أمير الشعراء شوقي في رائعته: يا جارة الوادي! وإنْ كان شوقي يخاطب جارة الوادي اللبنانية ، فأنا أبكي جارة الوادي (وادي الغضيب) اليمنية!)
© 2024 - موقع الشعر