رسالةُ الخضراءِ إلى أميرٍ عربي - أحمد اللهيب

نجد :
ما زلتُ أنتظرُ الجوابْ،
عينايَ في وَهَجِ انتظاركَ أيّها المأسورُ في ليلِ السّوادْ
 
ومضُ يئنُ، وفي الجوانحِ بيرقٌ يخشى العُباب
 
والبحرُ يُدْهشُني. ويمضي في سكون ...
 
صوتٌ يُعانقُهُ الضّباب
 
الخضراء :
 
قلْ لي - بربكَ - يا تُراب :
وطأتكَ أقدامُ الرّواحلِ أيّها المسكينُ فانهضْ واغتربْ ؟.
 
أم أنتَ لا تدري الجَواب !
 
قل لي - بربكَ - يا ترابُ !.
العرافة :
 
أ أميرتي رِفقاً فقلبُكِ لم يعدْ يقوى العذاب،
 
ريحٌ تهبُ غداً ، وتسعدُ وجنتاكِ بصَرخةِ الطّفْلِ الذي وهبتْهُ أجنحةُ الغرابْ
 
لوناً يشقُ على المَسامعِ ذكرُه.
 
أ أميرتي قدْ حانَ وقتُ الحُزْنِ، لا أمدٌ يُبددُهُ، ولا صمتٌ سيهتِكُ غفلةَ الأمراءِ حينَ تشقُ صرختُهُ طريقَ الموتِ ينتظرُ السّحاب !
 
أ أميرتي ! عيناكِ نبأتَا فُؤادي مَوعداً للتيهِ في أرضٍ يباب .
 
رزق :
 
خضراءُ يا حسناءُ يا غراءُ يا وهجاً تألّقَ في السّماءِ جمالُهُ، ومضى وتاجُ المُلْكِ في عينيْهِ مملكةٌ يُعانقُهُ الوفاءُ، وما تزالُ حكايةً محكومةَ العَبْراتِ من وحْي البُطولةِ، لم تكنْ تهوى السّقوط إلى...وفي يديّها السّيفُ يرتضعُ المهابةَ، لم تكنْ تخشى الوحولَ، أو الدّنوّ إلى مهاوي البئرِ العميقةِ، ماؤها مازالَ أبيضَ، رحمُها ما زال أحمرَ، روحُها ما زالَ أخضرَ ! .
 
خضراء :
 
يا رزقُ مهلكَ، يا حبيبَ الرّوح، يا حُلمًا تألّقَ كنتُ أرقبُ قُبلةَ الميلادِ من شفتيْهِ .. كنتُ أُحسّهُ يدنو إلى نهديّ يَركنُ في هدوء !.
 
يا موعداً للحُزنِ يحملُ في يديّهِ حقيقةَ الآهاتِ عن جَسَدٍ مُذاب.
 
أ غداً لهذي النّارِ في عينيْكَ حينَ تمرّ – وا أسفا تقولُ – وأنتَ تبذرُ وخزةَ الحُزْنِ المُعتّقِ بينَ أضْرحةِ الجَنان ! .
يا رزقُ، هلْ لكَ أنْ تُنادي -اليومَ- يا ولدي:
خضراءُ كانتْ حُرةً رسمتْ طريقَ العارَ تبحثُ عنْ سوادْ ؟ .
 
بركات :
 
أمّاهُ ، يا خضراءُ ، يا فرسَ العُروبه !
 
النّورُ في عينيْكِ وحيُ هِدايةٍ مُزجتْ فهذا العِطْرُ من شفتيْك نار
 
يا أختَ مَرْيم ! .
 
الآنَ حَصْحَصَ في القُلوبِ الحقُّ، لا وَهَجُ ادّعاء.
 
السّيفُ في عينيّ يلمعُ، في غدٍ ستخرُّ راكعةً جباه الغَدْرِ لا خوفٌ عليّ.
 
وهمْ عليها يحزنون ! .
 
وأناملي ستضمُّ تاريخَ القَبيله
 
أمّاهُ، يا خضراءُ، يا وحي البُطوله !.
 
يا منبعاً للحُزْنِ يهدُرُ في الجَوانحِ : لا إياب ...
 
الخضراء :
 
إيهٍ بُنيّ ، إليكَ يا سيفَ العُروبه !
 
خضراءُ بِيعت- يا بنيّ- هناكَ أسمعُ أنّةً حمراءَ تسبحُ في الفضاء. خضراءُ خاضعةٌ هناكَ تئنُّ، لا أحدٌ يُجيبُ لصرْخةِ الموتَى، ولا أحدٌ سيبذلُ مالَهُ، خضراءُ بيعتْ، حولَها العُشّاقُ أدمعُهمْ ضياءُ القَهْرِ– يا ولدي – ولي وَهْمُ انتظار !.
 
- بركات :
أنا نجلُ فَخْرٍ حينَ أصرخُ : ( لا تصالحْ، لا تصالحْ ) أيُّها العربيّ .
يا قوسَها الذهبيّ يخْطفُ أعيُنَ الأمراءِ، يا دمَها سيُبْحرُ في بُروقِ العَجْزِ حينَ تنامُ أجنحةُ السّواد.
فدماءُ عينيّ الغداةَ تفجّرتْ ناراً ستلتهمُ العُروبةَ، ويحَها ، ما كنتُ أُدركُ أنّنا نحيى على وَهْمِ البُطوله .
 
الآن أمضي ، في غدٍ ستلوحُ أطيافُ الشّتات .
 
يا ضِحكةَ الأحزان!.
 
نجد :
 
يا للرّمالِ السُّودِ، يلمعُ في دواخلِنا ظلامُ الوَهْمِ، يَبْسمُ عن حنينِ الموتِ، هيكلُنا يُناجي الحُزْنَ في جُنْحِ السّراب .
 
أحلامُنا كالشّمسِ تَغْرقُ في السّكونِ إلى غدٍّ، تشتاقُ فيهِ إلى الخُلودِ على الوجوهِ، تنامُ فوقَ جباهِنا غَدْراً ، فتنتثرُ المدامعُ لؤلؤاً حباتُهُ كذبٌ، وعقداً من ضباب .
 
لاشيءَ يبعثُ في الرّمالِ الرّوحَ، ميتةٌ هنا ، وهْمٌ همُ الأمراءُ لا أحدٌ هنا.
 
بركاتُ- يا ولدي - ولدتُكَ من رحيقِ الفَخْرِ لا أملٌ يلوحُ، فقمْ فقُبْرُكَ منبرٌ للنّورِ في أرواحِنا .
 
الآن لا أحدٌ هنا ! .
 
الشعب :
 
أحياءُ أمْ أمواتُ لا ندري، نخوضُ، حياتُنا وهمٌ، وآلامٌ موزعةٌ، ينوحُ الحُزنُ في العينيْنِ، لا ندري، نخوضُ المستحيلَ، طريقُنا صفراءُ، يكتملُ السكوتُ على جِراحِ الأمسِ، لا شيءَ يبعثُهُ الكلامُ ولا ضياء.
 
اللّيلُ يُورقُ صمتُهُ الأبديُّ، لا ندري، نخوضُ. وفي ضِفاف الحُزْنِ نرتضعُ الهوان.
 
التائهون، خيولُنا عرجاءُ، لا ندري، نخوضُ في وَحَلِ الخُضوعِ، ولا سبيلَ إلى النّجاة .
© 2024 - موقع الشعر