سنون السقم - فريد مرازقة القيسي

سُنون السَّقَم...
 
ألا يا أسى قلْبي استَحالَ التَّكَتُّمُ
وَ صَارَتْ رُؤايَ اليَوْمَ ثَوْبًا بِهِ دَمُ
 
وَ أَضْحَى ذَوُو القُرْبَى كَغُرْبٍ بِنَأْيِهِمْ
يُرِيدُونَ تَكْفِينًا وَ مَا العَبدُ يَعْلَمُ!
 
أَيَنْسونَ أَنَّ النَّسْرَ يحيَا تَعالِيًا
إذَا هَدَّهُ بَأْسٌ، عَلَى المَوْتِ يُرْغَمُ
 
وَ أَنَّ الحَيَاةَ اشْتَدَ هَمٌّ بِعَيْشِهَا
فَمَا طَابَ إنْشَادٌ تَغَنَّى بِهِ الفَمُ
 
سُنُونٌ طَبَعْنَاهَا عَلَى الجِلْدِ أحْرُفًا
إذَا الشِّعْرُ غَنَّاهَا، أكِيدٌ! سَيَسْقَمُ
 
سَنَفنَى بِلَا شَكٍّ وَ يَبْقَى قَرِيضُنَا
لِجِيلٍ سَيَرْثِينَا بِمَا لَيسَ يُفْهَمُ
 
لِذَا لَيْسَ يَرْثِينِي كَشِعرِي وَ إنَّنِي
بِحرفِيَ مفهُومٌ وغيرِيَ مُبْهَمُ
 
وَ لَيْسَ رثاءُ النَّفْسِ إلَّا شُمُوخهَا
فَمَا الكُلُّ يَرْثِي نَفْسَهُ حينَ يَنْظِمُ
 
فُؤَادِي عَلَى جَمْرٍ وَ صَدْرِي قَبضْتُهُ
وَ عَيْنِي تَرَى نَعْشًا وَ بِالدَّارِ مَأْتَمُ
 
أَكِيدٌ بِأَحْلَامِي وَ لٰكِنْ رَأَيْتُهُ
وَ مَا كُلُّ مَنْ يَبْكِي رِثَاءً يُحَطَّمُ
 
فَإنَّا وَ إنْ عشنَا قُرونًا سَتَنْقَضِي
حَيَاةٌ بِهَا كُنَّا وَ حَتْمًا سَنُرْدَمُ
 
سَنَحْظَى بِأَشْبَارٍ تُغَطَّى بِتُرْبَةٍ
وَ تُسْقَى بِدَمْعٍ عَلَّ رَبِّي سَيَرْحَمُ
 
أَرَانِي عَلَى نَعْشِي بِغَيْمٍ مُكَفَّنًا
وَ يَمْشِي وَرَاء النَّعْشِ جَيْشٌ عَرَمْرَمُ
 
عُيُونٌ بِهَا دَمْعٌ غَزِيرٌ كَأَنَّهَا
تَقُولُ : نَسيناهُ وَ حتمًا سنَنْدَمُ،
 
أَذَقنَاهُ مُرًّا طَالَ دَهْرًا فَمَا اشْتَكَى
وَ قَدْ كَانَ ذَا صَبرٍ، عَزِيزًا وَ يَعْلَمُ
 
فَهَلْ يَا تُرَى نَلْقَاهُ يَوْمًا بِجَنَّةٍ؟
وَ هَلْ يَا تُرَى بَعْدَ السُّكُوتِ يُكَلِّمُ؟
 
أَبُوهُ الَّذِي مَا قَالَ (لَا ) بِحَيَاتِهِ
رَدَدْنَاهُ حَتَّى مَاتَ هَذَا المُعَظَّمُ
 
أتَانَا غَرِيبًا ثُمَّ أمْسَى بِدَارِنَا
قَرِيبًا وَ مَا خِلٌّ بِدَارٍ سَيُظْلَمُ
 
سَيَحْيَا غَرِيبًا ثُمَّ يَمْضِي كَمَا أتَى
وَ نَذْكُرهُ حينَ الرَّزَايَا تُسَلِّمُ )
 
كَذبتُمْ فَمَا عِشْنَا كِرَامًا بِدَارِكُمْ
وَ مَا بَيْنَكُمْ عَاشَ الكَرِيمُ المُكَرَّمُ
 
أَيُمْضِي سِنِينَ العُمْرِ رَكضًا بِأَرْضِكُمْ
وَ بَعْدَ سُقُوطٍ قُلْتُمُ مَا جَهلْتُمُ
 
نَسِيتُمْ جَوَادًا كَانَ رَمْزًا بِجُودِهِ
فَإنَّ الهِجَا فِيكُمْ لفَرْضٌ مُحَتَّمُ
 
سَتَبْقَى أقَاوِيلُ القَصَائِدِ فِيكُمُ
تُرَدَّدُ فَالتَّارِيخُ لا... ليسَ يَرْحَمُ
 
أَلَا أَهْلَ هَٰذِي الدَّارِ! غَابَ هِلَالُكُمْ
وَ لَنْ بَعْدَ إنكارٍ منَ الهَجوِ تَسْلَمُوا
 
فريد مرازقة
© 2024 - موقع الشعر