تتمة استهلال قصيدتي الشاعر الالماني " يوهان غوته " - برادة البشير عبدالرحمان

و الآن سنقوم بمقاربة بعد الأسماء والمفاهيم التي اقترحناها على سبيل المثال لا الحصر، كمقابل ل" إيرلكوينغ " والتي لها نفس التصور ذو الخلفية الأسطورية والوظيفة النفسية والإجتماعية ، وسنكتفي بكلمتين ذات " عبق تاريخي- أسطوري" يرجع في أصوله إلى المنظومة " السومرية - الأكدية " من خلال مقاربتنا " اللسانية الاتنولوجية ،في ضوء نظرية التضايف اللساني " و الكلمتين المقصودتين هما :
1 ) غول / غولة
2 ) قنديشة / عيشة قنديشة
بالنسبة لكلمة " غول " فإنها تتركب من مقطعين سومريين :
☆ (غ )
☆أول/ آل /إيل
فالعين لها دلالات عدة حسب السياق وفي سياق بحثنا تدل على " العين الناظرة للإبصار" …
و المقطع الثاني حسب التركيبة والسياق الكلامي التداولي أو العقائدي...تنطق بصيغ متعددة بتعدد حالة المد الواردة في التركيب : غول / غال /غيل.
والأصل في اللغة السومرية قبل الإحتكاك ثم التماهي مع " اللغة الأكدية " ...هو صيغة " غال "المقرونة بمقطع (لو
رجل
إنسان/ وجمعها بالتكرار لغياب التقعيد والاشتقاق هو (لولو)أي الناس أو الجماعة من الرجال…)
ومعنى " لوغال " الرجل الكبير أو العظيم أو الملك…
أما التركيب بالمد الثاني ( غول ) و(غيل) فناتج عن تفاعل السومرية باللغات السامية وأولها " الأكدية " وما تفرع عنها مثل الآشورية والبابلية...وامتدادات ذلك في السريانية والآرامية والعربية…وانتشار ذلك في البحر الأبيض المتوسط عبر الفينيقيين والقرطاجيين …فهم الذين وصفوا سكان الضفة الشمالية للمتوسط ب " Les ...golois وسفينة القيادة في أسطولهم تسمي " غالوا " ومن رواسب ذلك إسم البرتغال ( الميناء العظيم أو الكبير ) و تشربته بعض الأسر المسماة نبيلة مثل إسم الرئيس الفرنسي ( دو غول/ وهو شرقى الرسم والمعني في كليته) ،ومن الإحالات التي لا تحصى في العربية التي روضت تركيب " غال " السومري للماكينة السحرية الاشتقاقية في العربية ، فأفاضت بمعان لا حصر لها مثل : غال أي ثمين ، وغلة أي منتج وافر ،و اغتال اي قتل غدرا، وغلال اي منتوجات ،وغلالة...غالية، وغالى ، وغلب ، وغلاب، وغلب، وغولة …و للفظة " غول " إحالات ذات مرجعية في لغات جنوب الجزيرة العربية في أسماء وألفاظ كثيرة مثل : قيل / كيل ...و الدالة على التميز والنبالة والعظمة ..وتتضايف فونيتيقيا " لامها " مع " النون " فتعطي مفاهيم : قيلس ،وكينيس،وكنيسة، وكنيس... وقد فصلت ذلك في مقالات أخرى ليس هذا مجالها….
فالغولة والغول ما هما سوى القوة السحرية المتوهمة والتي تتربص بالإنسان راشدا وخاصة طفلا فتحركه وتتحكم فيه وتصرعه بنوبات قد تفضي للموت...كما الحال في شبح " يوهان غوته" إيرلكوينغ...أو ألفتو...أو قنديشة. …
فما المقصود بكلمة " قنديشة " وما الإحالات ذات الصلة لسانيا واتنولوجيا وعقائديا لهذه الكلمة؟
كثيرا ما يعتقد الدارسون أن هذه كلمة مغربية لا علاقة لها بالمرجعية الشرقية لسانيا أو ثقافيا وعقائديا... وهذا خطأ كما سنبين في هذا المقال.
عادة ما يرد هذا الإسم " قنديشة " في المغرب مقرونا بإسم " عيشة " وأحيانا يرد لوحده ...فما دلالة ذلك قبل المقاربة اللسانية-الإتنولوجية…؟
في المخلية الشعبية المغربية - كما الأمر في الهلال الخصيب عامة...وفي مصر وشمال أفريقيا…- منابع الماء ليست مقرونة بالخصوبة والنماء ...فقط بل بالعطاء أو المنع من طرف " سادن/ سادنة " النبع أو العين أو الوادي...وقصة اقتران ربة الجمال والخصوبة
" عشتروت " في الشرق معروفة وشائعة بينابيع الماء...حيث تقصدها النساء للتضرع وتقديم الندر والقرابين ...و التمنيات. ..خاصة العاقرات والعوانس … فيعلقن على أغصان " التينة " المجاورة للنبع قطع قماش خاصة تضرعا...وقد ورثت " مريم العذراء " بمجيئ المسيحية تلك المعتقدات الوثنية إلى الآن…
ومعلوم أن إسم " شجرة التين " مشتق من " جدة " آلهة الخصوبة والجمال " أنيتو"السومرية-الأكدية" وهي حبيبة رب السماء السومري " أنو " وقد كان أعزبا دون صاحبة في الزمن الغابر إلى أن تماها السومريون مع الأكديين فنحتوا له عشيقة سموها ب تأنيث إسمه " آنو / آنيتو"...ومع الوقت وتفرع اللهجات والتفاعلات الثقافية أصبحت في كتاب الموتى الفرعوني ربة للسماء بصيغة " نوت " و نطقت في أنحاء البحر الأبيض المتوسط بصيغة " تانيت / طانيت" فكانت معبودة مقدسة...سميت المزارات والقرى والمدن باسمها،
و أمست أداة قسم كما في صيغة " والتين والزيتون...وطور سينا…" مثل القسم " بيس "...
ومن الإحالات ذات الصلة أحد أمثلة أهل فاس بالمغرب...والذي يرجع إلى العصر المريني…
قولهم : " الزب المرضي ...يجيب التينة من بغداد " وما الزينة من النساء أي بارعة الجمال
سوى صفة ورثتها رائعة الجمال من " تينة"حيث ( التاء ) تتضايف مع ( الزاي ) فتعطي ما يخص " التينة / الزينة " من خصائص على رأسها : ربة الجمال والخصوبة...كذا " الزنى " من نفس الإشتقاق...ويرجع إلى العصر " الأميسي " في الحضارات الثموزية...التي كانت تقدس " الجنس "...ودور " الحرمتو " في معتقدات " شنعار " معروف في المنظومة العقائدية للزقورات في بلاد ما بين النهرين والتي امتد مفعولها إلى بداية العهد الجديد مع المسيحية…
ومن الأوهام المرتبطة باقتران " قنديشة " بنبع الماء ...اعتقاد المغاربة بأن " الجن " من سلالة قنديشة يسكن البالوعات والممرات المائية ومن ثم تمنع النساء من صب الماء الساخن فيها تجنبا لغضب الساكن من الجن بها، والذي سيصرع من يفعل ذلك…
وما عيشة ...وعائشة ،وإيشو ، و عيسو، و عسو.،وحسو،وهيشو...سوى أسماء مشتقة من مفهوم الماء في المنظومة " السومرية -الأكدية "من عصور سحيقة…( راجع تفصيل ذلك في كتابي : مقال في تاريخ الأديان مقاربة لسانية إتنولوجية...www.berradabachir.com )
نرجع إلى دلالة كلمة " قنديشة " في ضوء المقاربة اللسانية الإتنولوجية :
هذا اللفظ مركب من مقطعين أساسيين يرج في أصله رسما ومعني إلى المنظومة السومرية - الأكدية وهما :
☆( قن )
☆(ديش/ ديت )
بالنسبة للمقطع الأول (قن)هو نطق بلسان " سامي " للمقطع السومري " غل" - راجع مقالي حول أصل جلجاميش بملحقات كتابي : مقال في تاريخ الأديان…- بمعنى العظيم…
و المقطع الثاني ( ديشة/ديتة )فهو الآخر من أصل سومري...ويدل على " الجهة السفلى " من شئ ما...مثال ذلك ربة الجمال والخصوبة - التي يتوهم الدارسون الغربيون أنها إغريقية الأصل - في العصر السومري الأول قبل الاحتكاك بالأكديين الذين كانوا يوصفون من طرف السومريين ب " الأمورو "- والتي يعتقد بعض الباحثين، عن جهل ، أنهم مجرد( بدو ) مثل توهم علماء (الجيبتولوجي )أن الهكسوس مجرد همج ورعاة... ...وأن ( لفظ عرب/ وعربي...يعني بدوي في العرف السومري...وكل ذلك مجرد مغالطات لا أساس لها من الصحة وعملية خلط بين لفظي " عرب " و" أمورو "...ولي في الموضوع دراسة سأوافيكم بها لاحقا -) فإسم ربة الجمال والخصوبة السومرية هي حسب الرسم المسماري : " أبرودايتي" وكان يقصد بها أصلا إسم " فرج الأنثى " وتم اشتقاق صفات الجمال والخصوبة من" حي " الأنوثة ...ومن بعد أصبحت صفة للجنة (
فردوس ) فمن يوحي بنعيم الفردوس أفضل من الجنس اللطيف..؟ و مقطع " أبرو" ينطق في اللغات السامية " أفرو" وفي اللهجات الأمازيغية بصيغة " إيفرو " وفي اللغة الفرعونية منذ النشأة ذات الأصول بالهلال الخصيب تنطق
" نفر "...- راجع الفصل الخاص ب" مقال في المنهج " وتطبيقاته بكتابي : أصول الحضارة الفرعونية…-
وجميع الصيغ تدل بالإشتراك على : الكهف، والكنف ،والحضن ،والبيت ...حسب السياق التداولي أو العقائدي…
أما المقطع الثاني ( دايتي ) فيدل في السومرية على " الأسفل " وله تواجد في سائر اللغات المطلة على البحر الأبيض المتوسط بما فيها اللغات الأوروبية - سأوافيكم بمقال في الموضوع لاحقا -
والتاء تتضايف مع فونيمات عدة ب مافيه " ش " الوارد في " قنديشة " ، و" س " الوارد في " النطق العربي لأفروديت وهو " فردوس "...
حيث أنه يمكن نطقها بالصيغ التالية :
☆ قنديشة
☆قنديتة
☆قنديزة(
بير قنديز)
☆قنديسة
وفي كل الحالات تدل بالاشتراك على : العظيمة السفلى...لأنها مقرونة بالينابيع والوديان والكهوف، ومعلوم أن هناك منطقة مغربية ذات صلة بقنديشة بالمغرب الشرقي وهي ( لقنادسة )وإليها تنتسب أحد البيوتات الفاسية المسماة " قندوسي "...
كما لهذا الاسم علاقات دلالية بأسماء أحداث ومواقع شرقية كثيرة منها : قاديش ، ووادي قاديشة، ومعاهدة " قادش " بين الفراعنة والحثيين ( خيتو ) في القرن الثاني عشر قبل الميلاد…
وأحد المدن الفينيقية في بوغاز جبل طارق إلى الآن تسمى " قادس" وأشعر المعالم على الإطلاق مدينة " القدس "...ومفهوم المقدس ...والروح القدس….الأمر الذي لا يتسع له المقام...
أما بالنسبة لاسم الشجرة الشرقية التي زين بها " يوهان غوته " حديقته مجانيا فهي :
جنكوبيلوبا، فما أصل هذه الكلمة وما دلالتها...والإحالات التي تفضي إليها حسب منهجنا العلمي المتمثل في المقاربة اللسانية الإتنولوجية في ضوء نظرية التضايف اللساني...؟
تتركب كلمة " جنكوبيلوبا "من المقاطع التالية:
☆( غ )
☆(نكو)
☆(بيلوبا )والذي بدوره يتركب من مقطعين كما سنبين لاحقا…
بالنسبة للمقطع الأول" فالجيم " تتضايف مع " الغين " و الجيم (القاهرية- الحضرمية)،وتدل على " العين " كينبوع ماء أو حاسة الرؤية ، وذلك حسب السياق...وفي شجرة " غوته " تعني ينبوع ماء، ونفس الشئ ورثته العربية عن " الأكدية " ذلك أن البئر تسمى" الجب " وما الجب إلى تركيب لمقطعين سومريين هما : (ج+آب) أي بيت الماء وحضن وينبوع المياه...والحضن يجمع ويضم ما عداه وهي الدلالة المقصودة في القول : " الدين الفلاني يجب ما قبله أي يحتويه ويضمه…"
أما بالنسبة للمقطع الثاني (نكو/ نيكو/ نكي/ نيكي…) فتدل على الخصوبة والإخصاب واللقاح والتلقيح...ومنها اشتقت العربية لفظ " النكاح " بمعناه في الرسم والفعل والعقد الناظم للفعل الجنسي المسمى عقد الزواج...ولهذا المقطع حضور في سائر اللغات أوروبية وسامية بما فيها اللهجات الأمازيغية...وقد اشتقت منها أسماء ومفاهيم لا حصر لها إلى يومنا هذا...مثل كتاب أرسطو " الأخلاق إلى نيكوماخوس " وإسم الرئيس السابق لروسيا " نيكيتا خروتشوف" ونيكولا...وأم سان أغسطس " مونيكا " وعشيقة زوج هيلاري كلينتون " مونيكا لوينسكي" وطلب الجنس في الأمازيغية " أو دا نقو/ أو دا نكو" ومنها اشتقت العربية إسم الناقة وفي الدارجة المغربية إسم " نياق " لمعالجة اللبن...ولو أردت حصر ما أعرفه في هذا المجال مع إعطاء أبعاده اللسانية والاتنولوجية والعقائدية...لما كفاني حجم بعدد صفحات دواويني 68 والتي بلغت اليوم 6600 صفحة…
أما المقطع الثالث " بيلوبا " فهو من أصل شرقي جاء بعد المرحلة " السومرية -الأكدية " خاصة في منطقة الساحل السوري في أوغاريت...
وصور وبعلبك والأصل آت من آشور وبابل وأبيلا...والكل يمثل منظومة ثقافية واحدة والتباين الظاهري ما هو سوى نتاج اختلاف اللهجات الشرقية فقط…
و" بيلوبا " مركبة من مقطعين :
☆ بيل
☆با
حيث المقطع الثاني يدل على البيت والحضن والكنف وهو مقطع سومري "
آب "...
و المقطع الأول هو المهم في هذا السياق العقائدي الإتنولوجي وهو ( بيل / بل / بعل )
ف"بيل" يدل على( بيت+ إيل/ كنف الرب )...
وينطق حسب اللهجة بنطق العين أو إدغامها وفي الكلام عن معتقدات " قريش " ذكر أحد آلهتهم بصيغة " هبل " وهي إحدى الصيغ الفينيقية في نطق معبودهم " بعل " حيث تختفي العين وتظهر الهاء في بداية الإسم كأداة تعريف فينيقية " هبل / هبعل " وهذا ما ظهر في أعلام آشورية مثل الملك " آشور بنيبال " ...والقائد القرطاجي " هانيبال" صاحب الرحلة الأسطورية عبر البيرني والألب...ثم محاصرة " روما "...قبل هزيمة " زاما " …
ومن الإحالات اللسانية...ذات الصلة : دلالة إسم فرس الإسكندر المقدوني " بيوسيفال" ...والنعت الذي اقترن ب الآلهة " أثينا - بلاس " ...وأصل إسم " فلسطين " و " الفلسطينيين "....مما لا يتسع له هذا المقام…
ف" بيلوبا "تعني بيت بعل كإله الأمطار والخصوبة ...وله حضور في اللهجات الأمازيغية منذ الألف الثانية قبل الميلاد ...و بالمغرب جمل وأمثال وأسماء أماكن ومواقع لا حصر لها مشتقة من " بعل " مثال ذلك : الأرض البعلية هي غير المسقية والمعتمدة على أمطار " بعل "...والإسم الروماني ل" وليلي " من أصول فينيقية" volubilis وتعني " مدينة بعل "
ومن أسماء العيون الجافة والتي لا تفور بالماء إلا عند سقوط أمطار «بعل" صيغة : " أغبالو أقرار "
أي :أغ(
عين )+ بالو(
بعل )+ أقرار(
الجافة )
والتركيب يعني : "العين التي جفت دون سقوط أمطار بعل ".
ونخلص إلى أن المعنى التركيبي لشجرة " غوته " :
هو عين الخصوبة كعطاء لإله الأمطار والخصوبة، فأنا، للألمان والإسكندنافيتين معرفة ذلك...فلا عجب أن يكتفوا - بعد الاختلاف حول الدلالة والأصل - بأخذ روح المعنى المتمثل في دلالة الخصوبة وما ترمز له " تلكم الشجرة " التي خلقت العبقرية الإنسانية فيما يميزها من ميل للتحرر والإبداع عند كشف المستور وانطلاق الوعي ورفض الوصاية...وهذا جوهر رسالة
" غوته " في قصيدة " واحد واثنان...معا " والتي عارضتها بقصيدة : " قربان العشق "....
يمكنكم القيام بقراءة في قصيدة لي بعنوان " تفاحة..آدم " ضمن ديواني لي بنفس العنوان
بإصداراتي في موقع www.berradabachir.com / مع الصفحة الخاصة بي في موقع الشعر www.alsh3r.com
برادة البشير فاس في :30/12/2019
© 2024 - موقع الشعر