استهلال ل( يوهان غوته ) - برادة البشير عبدالرحمان

استهلال
 
يخص هذا الاستهلال قصيدة " عشق ...دون أشباح " في معارضة قصيدة ( يوهان غوته ) " إيرلكوينغ "
و قصيدة قربان العشق في معارضة قصيدة " واحد واثنان معا
مقاربة لسانية - إتنولوجية في ضوء نظرية التضايف اللساني
 
ملحوظة :
---------
في قصيدتين (ليوهان غوته) الأولى بعنوان " إيرلكوينغ " والثانية بعنوان " واحد واثنان معا "... وردت بهما أسماء ومفاهيم وتصورات ذات خلفية أسطورية من جهة...وذات نكهة رومانسية من جهة ثانية بحكم الحقبة التي مر بها (غوته ) في أوروبا عامة وألمانيا خاصة والتي تناسب المنتصف الثاني من القرن 18 والمنتصف الأول من القرن19/وهي الفترة التي عرفت تنامي الحلم الألماني بالوحدة والتقدم في مواجهة التحديات الوافدة من الثورة الفرنسية ومغامرات نابليون بونابرت...والتي انبهر بها شعراء وفلاسفة ألمانيا لدرجة قال " كبيرهم " الذي لقنهم " فن الجدل" فريدريك هيجل : ( إن نابليون روح العالم وقد امتطت صهوة جواد "...ولم تمر فترة طويلة حتي حققت " العسكرية الجرمانية "أحلام الألمان باحتلال عاصمة فرنسا " باريس " بعد هزيمة بونابارت في( واترلو) و نفيه إلى " سانت هيلين "... ولن تكون المرة الأخيرة تاريخيا...ومن ثم فند الألمان مقولة :
" الإنجليز يحكمون البحار،والفرنسيين الأرض...والألمان لهم أوهامهم بالسماء…!"...إلا أن الإنجازات الألمانية المهمة كانت في الآداب والموسيقى والبحث العلمي...والأسماءلاتحصى…
□□□□□□□□□□□
كان عنوان قصيدة ( يوهان غوته ) مستوحى من الأساطير الجرمانية - الإسكندنافية وهو " إيرلكوينغ "والتي قدمت في إطار"شعرالمعارضات " قصيدة بعنوان: "عشق...دون أشباح " حيث في مقابل " إيرلكوينغ" وظفت أسماء من التراث الثقافي الشعبي العربي والمغربي المشترك مثل :
" قنديشة " و " الغولة "...فما الذي تعنيه تلك المفاهيم والأسماء؟ وماهي الإحالات المختلفة لهذه المعطيات؟وما هي الخلفية الإتنولوجية واللسانية في ضوء نظريتي في التضايف؟وما دلالة ذلك في عمليةالتواصل-التثاقف بين الشعوب الإنسانية؟
------------------
بالنسبة لمصطلح " إيرلكوينغ " في الوجدان
الإنسان الألماني - راشد كان أو طفلا - يحيل على معاني الموت،والشبح ، والروح الشريرة…
وقد ربط البعض بين لفظة " إيرلكوينغ " و اللفظة الدانيماركية " إليركونغ
ellerkong" والتي تعني" إلهة الموت " ...غير أن الكثير من الباحثين
يشكون في ذلك ويعتبرون (غوته ) يعرف ما يقول ولا يوظف إلا ما يعرف…
وما غموض المصطلح وعدم اتفاق الباحثين الجرمان والإسكندنافيين على حقيقته...اللسانية واكتفائهم بالمعاني التي تخالج وجدانهم مثل : ربة الموت...وروح الشر،والشبح… سوى نتاج غياب المعرفة العميقة باللغات الشرقية وامتداداتها وإشعاعها على أوروبا عبر اليونان والرومان …
وعليه فإننا سنعالج المصطلح في ضوء منهجنا " اللساني - الإتنولوجي " لأننا نعتبر الكثير من أسماء الأعلام والمعتقدلت والأساطير ذات أصل شرقي ليس بالنسبة لما له علاقة بالثقافة الأوروبية وخاصة أصولها الرومانية والإغريقية ...بل بالنسبة لثقافات الشرق الأقصى في الصين والهند الصينية ( سنوافيكم لاحقا بدراسة في الموضوع )...وفي مقاربتنا سنقارن كل مقطع ...ولفظ … بما يقابله في المنظومة " السومرية - الأكدية "...وامتداداتها في الهلال الخصيب وشمال أفريقيا ومصر الفرعونية…-
فمصطلح " إيرلكوينغ " - راجع الفصل المعنون بمقال في المنهج وتطبيقاته في كتابي " أصول الحضارة الفرعونية "/ www.berradabachir.com -يتركب من المقاطع التالية :
☆إير/☆لو/☆ك/☆وين/☆(غ
خ
ش
ت
ك)
وقبل التركيب ووصف الدلالة وإرجاعها لأصلها الشرقي ، سنقوم بتحديد دلالات المقاطع ...و سنبدأ من المقطع الأخير.
1) فمقطع{ غ }يتضايف فونيتيقيا مع مقاطع {خ/ش/ت/ك/س/ز} وهي لوازم أسماء الأعلام في كل من اللغة اليونانية واللغة اللاتينية ذات الصلة العميقة بجل اللغات الأوروبية حيث تنتهي بحرف " س " فينطق مثل في( لويس ) أويهمل رغم إثباته في الكتابة مثل نطق ( Louis
لوي / دون النطق ب s / س ) راجع مقاربتي لإسم " جلجاميش " وإسم " باروخ " في ملحقات كتابي " مقال في تاريخ الأديان ،مقاربة لساني-إتنولوجية "…-
وهذا المقطع في اللغة الألمانية عندما يأتي مسبوقا ب" ياء ممدودة في النطق " ...عادة ما ينطق ( خاء/ شين) كنطق إسم الفيلسوفين الألمانيين (نيتشه) و(فيخت)بصيغة نيخت وفيشت...وفي لغات أنغلوسكسونية وكذا التي لها علاقة مبكرة كالسلافية…- منذ الهجرات الآسيوية الأولى الجنوبية الغربية عبر أفغانستان وفارس…
تنطق " كافا "مثل حالة إسم " بيكيت "...وهذا المعطى الفونيتيقي متواجد في جل اللغات بما فيها العربية كحال إسم "ميكائيل / ميشيل/ميخائيل/ ميغيل…."وينتج عن ذلك أن مصطلح"إيرلكوينغ" يمكن - في الأصل من حيث تفرع اللهجات ذات الأصل الموحد في المجموعة " الهيندو-أوروبية "
يمكن نطقه بالصيغ التالية :
☆ إيرلكوينغ
☆إيرلكينخ
☆إيرلكينش
☆إيرلكينت
☆إيرلكينك
☆إيرلكينز
☆ إيرلكينس
2) المقطع ( وين ) :
لهذا المقطع إحالات " فونيتيقية " ،و دلالية هامة في سياقات متعددة بما فيها لفظة ( إيرلكوينغ )...
ذلك أن هذا المقطع ينطق حسب بنية الكلمة أو اللهجة أو موقع المقطع في تركيب الكلمة ...وفي السياق الذي بين أيدينا - حيث الكلمة تشير إلى ملكة الموت أو الشبح أو الروح الشريرة…- تدل على القداسة حيث إضافتها لإسم يدل على الإحترام والحرية والتقديس في أم اللغات " السومرية " والأصل في ذلك هو إسم " إله السماء " ب (آنو)...وحيث أن النون تضايف اللام فونيتيقيا في اللغات الشرقية بما فيها الأكدية وما تفرع عنها أو ارتبط بها بما في ذلك : الآشورية والبابلية واللغة العربية...فإن " آنو " تحولت إلى " آلو
إيلو
إيل
إله
ومع إضافة (أل)التعريف نحصل على صيغة ( الله / اللهم )...
ومن دلالات " وين
أون
إين
آن..." معنى
الجمع والكثرة ،المحيلة على مفاهيم القوة والشدة،
وعند تبيان المعنى التركيبي ستتجلى الدلالة العميقة
لهذا المقطع…
3) المقطع : { ك/كا/ كو/ كي }
وله أكثر من دلالة بالإشتراك ف " ك " تدل على
" الفم / المصدر / الأصل / المخرج / المنفد...وما يخرج أو يفيض أو يصدر عنه…"
فالفم نافذة للكائن للقول ...والقول يبدأ بصوت فكلمة ...وفي المعتقد " السومري- الأكدي " للكلمة قوة الفعل وسحر التأثير ومن امتدادات ذلك الأية " إذا قضى...أمرا فإنما يقول له كن…." لأن ما تتضمنه { الكلمة} هو الحكمة ...فكانت ( الكا ) الحكمة التي ينطق بها الفم ...وامتدادات المعنى في نفس السياق " القدسي " الروحاني ...فأصبح ( الكا) يدل على الذي يوحي بالحكمة للنطق بها...فتحولت دلالة ( الروح ) المالكة للحكمة والناطق بها بالكلمة عن طريق الفم...فصارت (الكا )ملازمة و{ قرين} للناطق بحكمتها…وهذا ما تمثلته المنظومة العقائدية الفرعونية ذات الأصول " السومرية- الأكدية "...و معلوم أن من أقدم المفاهيم الدينية بالعراق العريق - وقبل ظهور كتاب الموتى الفرعوني بقرون عديدة والتي استلهمت الكثير من الهلال الخصيب - إسم " أنيكي " كإله للمياه العميقة "
نون / الزلال / الحلو / العذب / أبسو/ ...في مقابل المالح " تيامات " وكإله للحكمة و الخصوبة …- راجع المعطيات ذات الصلة بكتابي : مقال في تاريخ الأديان…-
ف " أنيكي "مشتق من مقطعين سومريين هما :
☆ أني/ أنو/ أن / ن…الدال على القداسة
☆ كي : وتعني الحكمة
والمعنى التركيبي : الحكمة المقدسة أو العليا أو السامية أو الروحانية…- راجع مقالي حول أصل مصطلح " فلسفة " بالصفحة الخاصة بي في موقع الشعر www.alsh3r / واستهلال قصيدة إكسير العشق www.berradabachir.com - وكتاب الموتى الفرعوني يعطي ل" كا " نفس الدلالة ، ومن الإحالات لهذا المقطع العجيب دخوله في تركيب مفتاح السحر منذ عهد " خوفو " في ما يسمى ب " الكابلا " - راجع كتابي : مقال في تاريخ الأديان ...كما يمكنكم قراءة استهلالي لديواني " شاعرية ...الصدى " حيث نظمت تراتيل شاعرية في محراب حرف" الكاف " -...
3) المقطع الرابع : ( ل / لا / لو/ لي ) حسب السياق في الجملة ، وحسب السياق في تركيب الكلمة من مقاطع عدة ، وحسب السياق الدلالي : عقائدية أ و مجرد تركيب تداولي...تنطق " اللام " بصيغ مختلفة …
والأصل في " لو " كمقطع سومري يدل على : الرجل ، الإنسان ،ومنها التركيب " لوغال " أي الرجل الكبير أو العظيم ولا تطلق إلا على الحاكم أو الملك عند السومريين...ومنها قد انتشر في سائر اللغات بهذا المعنى كما نجد في أسماء مثل :
لوي ، لويس ، مثل أسم الفيزيائي " لوي دوبروى" و الفيلسوف الفرنسي " لوي ألتوسير "....
وقد يرد المقطع في آخر التركيب مثل " " نيكول للمذكر...ونيكولا للمؤنث ...الدال على الرجل المخصب...أو المرأة الولادة…
كما نجد لهذا المقطع تواجدا في سياق عقائدي مسيحي مثل " إنجيل لوقا " حيث (لو)دالة على الرجل و" قا " تدل على الثمرة في الفينيقية والعبرية المشتقة منها والآرامية التي تكلم بها عيسى بن مريم…- راجع الجزء الثالث من دراستي للغة الطفل المغربي دون السن الثالثة مقاربة لساني-إتنولوجية في ضوء نظرية التضايف خاصة مقطع " كاكا/ قاقا " …-
4) المقطع الرابع : { إير/ آر/ أور }
سبق لي أن عالجت هذا المقطع في مقالات عدة ذات صلة بالموضوع ويمكن على سبيل المثال مراجعة مقالي حول أصل إسم " شنغيط / بحجم 35 صفحة " لمن يريد التفاصيل والإحالات المختلفة ذات الصلة…
و سنكتفي بإيراد ما غاب في المقا ل السالف...فمقطع " إير " من أصل سومري مركب أصلا من مقطعين:إي / آ / أو+☆را / ري/ رو.
حيث : مقطع ( ري ) كصوت يفيد الإستمراروالإمتداد...وعلى المستوى الدلالي يحيل إلى معنى " النور" ...ويدخل في تركيب كلمات عدة بإضافة مقطع أو أكثر في أول التركيب أو وسطه أو في آخره حيث يختلف المعنى حسب سياق الجملة .أو الدلالة الإصلاحية التداولي، أو سياق قائدي…مثل كلمات : أور ، أورورا ، سور ، سار ، سراي ، أسرار، سريرة ، سر...
أما المقطع ( إي ) فله دلالة البيت والموقع والحضن والكنف...حسب السياق والتركيب…
والمعنى التركيبي ل( إير ) هو حضن أو حصن النور...ومنه أشتق السومريون إسم عاصمتهم التاريخية العظيمة (أوروك) التي ينطقها العرب
ب(الوركاء)...ولفظ النور في العربية إرث تحدر من المنظومة " السومرية - الأكدية " والألفاظ والأسماء والصفات والمفاهيم الموروثة عن هذه المنظومة ...لا تحصى…
فمعنى كلمة (إيرلكوينغ )بغض الطرف عن صوت " غ " كلازمة أسماء الأعلام كما بينا أعلاه...تعني : ( نور رجل أو موجود … الحكمة أو السحر السامي أو المقدس ) وهي دلالة مناسبة للأسطورة الألمانية خاصة والإسكندنافية عامة حسب المضمون المعبر عنه في القصيدة التي
يحمل عنوانها نفس الإسم…والدال على القوة السحرية المالكة للأسرار(
حكمة / معرفة خارقة) تستطيع بواسطتها التحكم في مصير الناس خاصة الأطفال...فوصفت بالروح الشريرة تارة وب(آلهة أو ملكة الموت )تارة لأن مفعولها عادة في مخيلة الشعب مقرونة بالضررالمفضي للموت.
ومعلوم أن الشرق كان سباقا في نحت مفاهيم وأسماء ذات صلة في بلاد مابين النهرين وكان لها إشعاع وانتشار في مختلف الأقطار بما فيها اليونان وروما ومنها إلى سائر أنحاء أوروبا مثال ذلك :
☆ ربة العالم السفلي السومرية ( أرشيكيغال ) وكانت رمزا للشر والموت ومعلوم أن مقاربتنا لإسمها من زاوية لسانية إتنولوجية يفرز
دلالاتها في الضمير الشعبي السومري …
ف (أرشيكيغال ) مركبة من المقاطع السومرية التالية :( أر+ شي+كي+غال) ومعناها التركيبي هو " نور قوة(
يد
بطش) الحكمة(
سحر) العظيمة أو الكبيرة أو الطاغية...
☆ومقابل أرشيكيغال السومرية نجد في الأساطير الفرعونية إسم " سيت " وهو أحد أعمدة الأسطورة المؤسسة للروح المصرية القديمة في حكاية " إيزيس وأوزيريس "...
والدلالة العقائدية ل(سيت )في المعتقدات المصرية هي " القوة الشريرة " ...ومنها اشتق إسم شيطان.. وسيتان في اللغات الشرقية عامة و saton في اللغات الأوروبية والتي تعادله عادة باسم " الجن" حسب الصيغة الإغريقية diabolos أو اللاتينية (Diabolus )
☆ كما عرفت أدبيات العقائد الفرعونية إسم أوزيريس الذي كان مسؤولا عن العالم السفلي بصفة محاسبة الموتى بما فيهم الفراعنة...وكان يرمز - على خلاف الدلالات التي ارتبطت بنظرائه المتصلة بالشر والعذاب -...كان أوزيريس يرمز إلى مفهوم العدالة المقترن باسم " ماعيت " ..أي الحساب على أساس العدل…
☆وفي اللغة العربية نجد إسم " مناة " الموصوفة ب" الكبرى "وتعني الموت أو ربة الموت...وقد ذكرها الشعر العربي بصيغة الجمع مثل قول حسان (رأيت المنايا خبط عشواء…) ومعلوم أن هذا الإسم مشتق من مقطعين سومريين
هما : 1) مي / 2) نت ، والتركيب يعني : قانون وناموس الربة " أنيتو" زوجة رب السماءوالأقدار " آنو " كبير آلهة سومر… وأريد أن أبين دلالة وأصل إسم يرده الدارسون الغربيون كمقابل للأسم الذي عنون به (غوته )
قصيدته " إيرلكوينغ " حيث يصفونه باله الموت بالمعنى الذي تعنيه الكلمة المنسوبة خطأ لأصل إغريقي وهو " ألفيتو " …
عند مقاربتنا لهذه الكلمة من زاوية لسانية إتنولوجية في ضوء نظريتنا في التضايف اللساني نحصل على ما يلي
☆ تتركب الكلمة من :
- أل : وتعني التعريف( قارن دلالة نفسالمقطع ووظيفته في اللغة الإسبانية/ell
- في : الفاء تتضايف مع (الباء)وتعني البيت والحضن في السومرية
- تو: في السومرية يدل مقطع " تي "على الحياة ،و مقطع " تو/ أوتو" على الخالق للحياة "
تي " وهو إله الشمس الذي أوحى ل" حامورابي" بقانونه الشهير.ومن يعطي الحياة يطلبها حيث
يشاء مثله مثل الآلهة : عشتار ، التي ترمز للخصوبة والحياة والجمال إلى جانب الصراع والحرب والموت …
وهي نفس النعوت التي أعطيت لأثيناعند الإغريق.
ف(ألفيتو) من أصل سومري ويدل حسب التحليل السالف على " بيت الخالق الذي يميت "...
يتبع
© 2024 - موقع الشعر