منابع نبض الغيم - حسن شرف المرتضى

وحدهُ الماءُ ليسَ له عمرٌ ولا فترةُ حمل
وحده الماءُ نحتاجُ إليه حينَ نظمأُ فقط!! وحين نروى لا نعبأُ به!
وحده الماءُ الذي يستطيعُ ارتداءَ كل الأثوابِ فنجدهُ أمامَنا في كل شيءٍ وإنْ تنكرَ وغيّرَ الألوان
ِ الماءُ كوافيرٌ ناجحٌ يعبرُ إلينا من مَقاسِ نظراتنا
ومن تسريحةِ العصرِ التي نريدُ رؤيتها
الماءُ يرانا منْ وراءِ المرآةِ يتحسّسُ ما تقولُهُ شفاهُنا حينَ نرى أنفسنا ليتحوّلَ ويذوبُ فيما نريد
الماء وحدُه الذي يستطيعُ أنْ يخالفَ الجاذبيةَ بكل مرونةٍ فهو إمّا أن ينزلَ في ثوبِ قنينةِ مطرٍ أو يصعدَ في شكلِ قبائلِ من الغازِ هجرتْ متاريسها
الماء وحدهُ يستطيعُ أن يفهمَ كل اللغاتِ وكل الشفاهِ الظامئةِ ولكنّهُ حينَ يغيبُ لا بدّ أنّ هناكَ من أغضبَهُ
وحينَ يتساءَلونَ عن غيابهِ فإني لا أستطيعُ إلا أنْ أبدأ قبلَهم بالسّؤال:
ماذا لَعْثَمَ حَلْقَ المَاءِ لِيَعْطِسَ رَمْلا
أو يتثاءَبَ طيْفَ سرابْ؟
**
صوتُ الطّمي تعثّرَ لنْ يتناسَلَ حقْلا
وصدى الطّمي بدونِ ترابْ!
**
في زِنْزَانَتِهِ كَابُوسٌ رَاوَدَ حُبلى
لا تحلمُ أنْ تلدَ البابْ
**
تَطْحَنُها عَرَبَاتُ اللّيلِ فَتُجْهَضُ حَمْلا
لو عاشَ تُرى عرفَ الغابْ؟
**
مَنْ يُظمِي باقاتِ الحُزنِ وَيَزْرَعُ فُلا
فوقَ الشّوكِ ربىً وشعابْ؟
**
أينَ منابعُ نَبضِ الغَيمِ لتمطرَ عدلا
لا يحتاجُ إلى أسبابْ؟!
**
ينزحُ منهُ الضوءَ وكأسي ترْكضُ عجلى
بفمٍ يشربُ دونَ حسابْ
**
ظمئي دفترُ مَنْ لا يعرفُ سحنةَ مولى
غرغرني ظِمِئاً لخطابْ؟
**
ليسَ سوى حلْقٍ مجبولٍ... يسكبُ سيلا
ماءَ سؤالٍ دونَ جوابْ
**
فوقَ الغيمِ تعتّقَ حُلمِي... ومعي صلّى
موجُ البحرِ بدون ثيابْ
**
في ضِفّةِ عينيهِ اللّيلُِ يؤلّفُ حَلا
تغزله شطآنُ كتابْ
**
قد صارتْ دَفّاتُ الّسّطرِِ تُرحِبُ ...أهلا
بالقادمِ منْ بعدِ غِيَابْ
**
الجَدْولُ عَذبٌ لا بَحْرٌ يُصْبِحُ أحْلى
إلا حينَ يصيرُ سَحَابْ
**
الماءُ وحده يمكنُ أنْ يخرجَ من شفتيهِ ضياءٌ
ويتحدّثُ لنا عن سرّ غيابهِ
ومراسمَ الاستقبالِ التي يريدُها
ولكنّه يخشى أنْ يمرّ ولا نشعرَ به
لذا حينَ يحبّ المجيءَ فإنهُ لا يأتي إتياناً عابراً
بلْ يقلبُ كلّ المساراتِ ولأنّ من شفتيهِ يخرجُ نور
و عند رحيلهِ يحبُ أن يجيءَ الضياء الشمسيُ من الغرْبِ إيذاناً أنّ الماءَ قد مرّ من هنا
ولا ماءَ بعدهُ
وأن دابةً وحيدةً من الأرضِ قد خبأتهُ في سنامِها
ورحلتْ بعدَ أنْ نفذَ معظمهُ في إرواءِ الأرض
فقد كانَ قديماً يتفجّرُ من الحجارةِ
وكان يمرُ صاحبُ الحوت ويقطينته يطوفُ المدائنَ,
يحدّثُ الناسَ عن رحلتهِ معهُ
وصاحبُ العصا قد نسي غداءَهُ مرةً بجوارهِ
فنهضَ من مرقدهِ وداعبَهُ بأسئلةٍ
لا يستطيعُ معها صبرا
ومن فرطِ حبّهِ لصاحبِ العصا فقد قسّمَ صدرَهُ قسمين
ليمرّ هو وأصحابِه منْ عليه
وبعد أنْ مرّوا عادَ كما كانَ عليه
وعندما كان يتعثرُ بساطُ سليمانَ بمطبّ هوائيّ
فإنهُ كانَ يرسلُ من فمهِ ريحاً مائيةً فريدةً لها مزايا الصمغِ
فيطيرُ البساط ُولا ينقلبُ مَن عليه
والماءُ وحده من يستطيعُ أن يضعَ الشراكَ بجوفهِ ليضعَ فيه نسلَ الشياطينِ
الذين ارْتدوا البشرية ويعيدها إلى صورها الحقيقيةِ أمْساخاً
فالماءُ وحدَهُ الكوافيرُ الناجحُ الذي يصنعُ تسريحاتٍ مُبدعةٍ في الجبالِ وفي كلّ شيءٍ
فهاهو يقلبُ قريةً على أعقابِها
حين عقروا ناقةً تحْملُ بعضاً منهُ وتشربُ البعض الآخر
هو يُدَمْدِمُ بقوةٍ
ولا يأبَهُ
بعاقبةٍ
من يحاولُ تجميدَهُ
في مكانهِ
ومنْعهِ
من الحركةِ أوْ بعثرتهِ بعيداً إلى الأعلى
ليهتمّ بشؤونِ الثقل ِالأعلى وينسى هموم َ وظمأَ الثقل الأسفل
هو يدمدمُ
وغيابهُ
ما هو إلا إعْدادٌ لتوزيعِ الحلوى على مريديه
ِ وتوزيعِ قنابلِ الغضبِ اللاّ متناهي
على منْ يقنط ُ من حقيقةِ وجودهِ
وأنهُّ آتٍ من لا مكانَ ليمتلأَ به كلُ المكان
© 2024 - موقع الشعر