تتمةُ النّاموس - حسن شرف المرتضى

تمحو مجاديفُ الرّياحِ الروحَ في المعنى
وسَطْرُ الشّاطئِ المحجوبِ لمَلمَ أحرفًا للنَورِ

أشرعةُ الضّحى مدّتْ ذراعًا نحو تابوتٍ لشمسٍ
خبّأ المرساةَ في جوفِ المجازِ

الحاجبُ التمويهُ يبصرُ فوقَ عقدِ الدّرِ
مِنْ أبكارِ بنتِ الشّعر ِأسوارًا

فلا الموجُ استباحَ مخادعَ المرجانِ
أو منْ ظُلمةٍ في قعرهِ

خُدِشَتْ ملامحُ لؤلؤِ النّاموسْ
***

يا أيّها البحرُ قلْ لي أينَ مينائي؟
فضّفّةُ النهرِ لا تُعنى بإيوائي

إنّي انْصلبتُ على كلّ الجهاتِ فهل
يستسلمُ الموجُ عن إمعانِ إيذائي؟

كنْ موجتي فيكَ إني أنتَ يا سُفني
وشاطئي حيثُ أنتَ الشّاطئُ النائي

كم أجدبتْ جبهةُ الينبوعِ من عرقٍ
ينصبُّ من جبهتي في مقلةِ الماءِ!

ها إنّني بئرُ حزنٍ فيه كم رَكضتْ
رمالُ همّي وضمَّ التّيهُ أعضائي

فارْكُضْ بقلبي وكُنْ ماءَ الخلودِ متى
تُعطّلُ البِئرُ وامْلأْ أنتَ أسْمائي

أنتْ المجازُ الذي خطّتهُ أشرعةٌ
بدفترِ الكونِ في همزي وفي يائي

سَبَحْتُ بالحِبْرِ في عينيكِ فاكتملتْ
قصيدةٌ قُلتَها وحيًا لقرّائي

يا أيها البحرُ إنّ الفجرَ تغزلُهُ
شواطئٌ لا ترى إلاكَ مينائي

***
الرّملُ يزحفُ نحوَ أقبيةِ المروجِ

يلامسُ اليخضورَ يقضمُ أنفَهُ
كي يقدحَ الثأرَ الذي في جذرهِ

فيهدّ سقفَ ضريحهِ ويهبَّ نحو الغيمِ
يكسرُ سورَها إذْ كانَ يستجدي جرارَ الحلمِ

دهرًا قد تمنّعتِ الجرارُ
الآنَ.. زحفُ الرّملِ، زحفُ الآيةِ الشّوها

وجذرُ الغيبِ بينَ البينِ
محصورٌ لدى قوسينِ

هلْ منْ حيلةٍ للجذرِ إلا أنْ يَمُدّ جفافَهُ نحوَ السّماءِ؟
فيثقبَ الأسوارَ حولَ الغيمِ فالقضبانُ مثلُ سلالمٍ

صعدتْ به نحوَ ال.. بها محبوسْ
***

لا أكتبُ الشّعرَ إلا حين أنكسرُ
وحينَ لا يُسعفُ الآمالَ لي القدَرُ

في داخلي رحلةٌ طالَ الغيابُ بها
وأرهقتْها دروبٌ كلُها سفَرُ

أشتقّ من أضلعي الجنّاتِ في (إرَمٍ)
وحولَ أنحائِها كمْ تلتظي سقَرُ

شاءتْ أنامُلها رَسْمي على حذرٍ
وشئتُ ألا يكونَ الخوفُ والحذَرُ

لها إطارٌ خفيّ ظاهرٌ.. فمتى
يبدو لقلبي جليًا حين يستترُ؟

يذوبُ في زحمةِ الألوانِ بيرقُها
ويبزغُ الكلّ.. لكنْ عنهُ ينحسرُ

وفجأةً يجتلي المعنى ويحملُهُ
من غابرِ الحُلمِ أجسْادٌ هي الصوَرُ

في قالبٍ واحدٍ تبدو طلائعُهم
بالمدّ والجزرِ بحرًا ظلُهُ المطَرُ

يهمي بلا موعدٍ، تنجابُ أنملُهُ
بالصّحو كيما عطور الزهر تنتشرُ

بيني وبين الرّبيعِ الخُلدِ منطقةٌ
لا يمضغُ الدّربُ فيها الخطوَ أو يذَرُ

يشدُّ نحوي إيابًا، نحوهُ سفري
والرّيحُ لي ناقةٌ تهذي: متى الظَفَرُ؟

لا أفهمُ الغيبَ إلا أنّهُ قدرٌ
ما بينَ كافٍ ونونٍ.. بتُّ أنتظرُ..

***
الوقتُ في أنفِ المجيءِ يمرُّ

هلاّ أزكمتهُ (جلاجلٌ) وثنيّةٌ
أمْ أنّهُ شافى الزّكامَ وعمّدّ المرضى نبيذًا ماؤهُ

قدْ أسْكرَ التاريخَ يمزُجُهُ بآهاتِ الخلاصِ
عقاربُ الأيامِ ملّتْ منْ تشرّدِها

وبوصلةُ الوصولِ استنفرتْ مجدافَها كي تصفعَ الموجَ
الذي إنْ ساوَمَتهُ تراجعتْ عنْ دربِها

وما اسْتعادتْ جثّةَ المدهوسْ
***

أنا الذي ما ملكتُ سواكِ يا لغتي
مُدججٌ باحتضارِ اليأسِ عن شفتي

قِرابُ همّي وسيعاتٌ.. ولستُ أنا
إلى همومٍ صغيراتٍ بملتفتِ

أخبئُ الكونَ في جيبي وأحرسُهُ
من كلّ شيءٍ عدا أهدابِ محفظتي

الكونُ هذا بريءٌ من مقابرِنا
يا كلّ قابيلَ من يغتالُ أسئلتي؟

سينجبُ الصُبحُ أضواءً معتقةً
ومن شراعِ الأماني في مخيلتي

غدًا.. ولا زالَ تحتِ الهدمِ أربعةٌ
أيتعبُ الصّوتُ من إيقاظِ حنجرتي!

غدًا.. وأشلاءُ طفلٍ حين بعثرَها
قصفٌ تنادي: بقائي كلُ مشكلتي؟!

غدًا وعكّازُ شيخٍ ما اسْتطاعَ إلى
أنقاضِ طفلٍ عبورًا بعدَ قاذفةِ

غدًا.. وفي بُرقعِ المقصوفِ منزلُها
إبهامُ قابيلَ.. يا قابيلُ لم تَمُتِ؟!

غدًا ويأتي غرابٌ أحمرٌ هرمٌ
ليخنقَ الموتَ من دهليزِ جمجمتي

أرتاحُ أنّي قَتلتُ الموتَ ثانيةً
في نصّ شعرٍ.. أمُتَّ بغيرِ معركةِ؟؟

***
الموجُ يمحو خطوةَ الماضي بخطوةِ حاضرٍ؛

كي يغسلَ الأيامَ والطّرقاتِ من أدرانها
أو يستعيدَ طلاءَها منها لتبدوَ

دونَ ماكياجٍ ولا تبدو مكابرةً إذا ما هاجسٌ قد مرّ
في ذهْن ِالقناعِ ليكملَ النّاموسْ

***
قراءةُ الغيبِ تُعيي كلّ من قَرَأَ

إذْ كلُّ سطرٍ به قد لاحَ مُجتَزَأَ
مَنْ ضمّ سطرًا إلى سطرٍ يقولُ: متى

أشكلُّ النّصَّ؟ يعمى كلّما بدَأَ!
الغيبُ لا غيرَ في سطرينِ يكتبنا

إذا بدا واحدٌ فالآخرُ انكفَأَ
فالصّحوُ يثملُ في أحشائهِ مطرٌ

والطّينُ يصحو إذا ما عاقرَ الحَمَأَ
ننسلُّ.. لكنّنا أسرى عباءتِهِ!

ندورُ في فُلْكِهِ.. لكنْ بنا اختَبَأ!
لو أنّنا ما مَدَدْنا للسّرابِ يدًا

تقدُّ كتْفيهِ.. ما صرْنا له هُزُؤَا
وإنْ غزلنا ثيابًا للسّرابِ على

مقاسِهِ حين لاحَ الثّوبُ مُهترَأَ
أقدارُنا في ثيابِ الصّبحِ مبصرةٌ

وبعضُها فوق حبلِ اللّيلِ ما نُكِأَ
بنصفِ عينيهِ هذا الصّبحُ يبغتُنا

هل يحسنُ اللّيلُ إذْ للنّصفِ كم فَقَأَ؟!
لا لحيةٌ عند هذا الغيبِ نمشُطُها

أو يُصبغُ اللونُ إذْ عن شَعْرهِ صَبَأَ
فكم هنا نحسبُ الأنباءَ صادقةً

ولم تلامسْ شفاهًا تصدُقُ النّبَأَ
كمْ يكمنُ الماءُ في ضرعِ الشّموسِ وكم

نرى سرابًا بخدّ الأرضِ ما نَشَأَ؟
تكاثفتْ موجةُ التّخريصِ واندلقتْ

في ضفةٍ لمْ تكنْ للغيبِ مُتّكَأَ
يا شفرةً عند سرّ السّرّ سحنتها

لقارئٍ مطلقٍ ما زاغَ حيثُ رأَى
كم يخرقُ المندلُ الباهوتُ شفرتَهُ؟

قراءةُ الغيبِ تُعيي كلَّ مَنْ قَرَأَ
© 2024 - موقع الشعر