محراب الشعر من ديوان شاعرية الغروب - برادة البشير عبدالرحمان

إهداء
 
إلى كل عين ترى في الأمل حلما قابلا للتحقيق ... إلى روح الأستاذ "زكريا ابراهيم بُقْطُر" الذي علمني اشتقاق « désespoir » (
اللاأمل) من « l’espoir » (
الأمل) مع العلم أن فلسفة اللغة العربية ، أو ما يسميه البعض بروح اللغة ، كلغة اشتقاقية ، غير "محقنية" لا تعرف "اللا" في صرفها وإعرابها ، والفلسفة الكامنة فيها ، فليس هناك في العربية "لا أمل" بل يأس مقابل أمل ، وليس هناك "أسد" و "أسدة" بل ، أسد ولبؤة ، ونفس الشيء ينسحب على مفهوم "إنساني" و "لا إنساني" ... والسياق لا يسمح بإعطاء الأبعاد لهذا الإشكال اللغوي...
أقول : بالنسبة للإنسان - في نظري - قبل أن يكون هناك في الأول "كلمة" ... وقبل أن يكون هناك في الأول "فعل"... كان هناك "أمل" ...
إن شاعرية الإنسان سابقة على "ثرثرة" اللغة ... وحذلقة المنطق ... فقد خلد الإنسان بالكهوف منذ أكثر من 30 ألف سنة ... روعة الطبيعة وعمق الإحساس بالجمال في رسوم الكهوف ... قبل أن يُخلِد بالكتابة سحر التواصل ...
منذ آلاف السنين ... منذ عانقت لغة "أكد" لغة "سومر" وشكلتا بوثقة حضارية غير قابلة للانفصام ... منذ ذلك الزمن الجميل نحتت اللغة "الأكدية" - وهي أم للبابلية والآشورية، وأحد الجذور الأصلية للغة العربية - من مقطعين سومريين هما : "شو" و "مي" ، حيث "شو" من بين ما تعنيه ، ولها دلالات عديدة - تدل على "القوة" و "السلطة" ، و "مي" من بين ما تعنيه هي الأخرى - تدل على "ناموس الكون" ... والجمع بينهما يعطي معنى "سلطة القانون المحدد" لخواص الأشياء. فحصل أن ربطت اللغة الأكدية بين المقطعين ، ونحتت كلمة "أزلية" ذات دلالة حضارية هامة وهي كلمة "شومي" وتنطق في الأكدية : "شِمَتو" ، وبتضايف "ش" مع "س" أنطقتها اللغة العربية "سمة" بمعنى "خاصية جوهرية" ...
 
 
كان أعذب لحن أهدته وركاء جلجميش للإنسانية ما صدحت به آلة الهارب
 
فسمة الإنسان - عندي - هي الإحساس بالجمال ، والقدرة على التواصل ... ف "سمة" الكينونة هي "طبعها" و "جبلتها" و "كنهها" و "ماهيتها"
ومعلوم أن "سمة" أظافت للإنسان - عبر اللغة العربية - ألفاظ : "شيم" على المستوى القيمي ، و "شامة" كعلامة على جمال الأنثى ، و "شيماء" كإسم يكرس حواء كبوثقة للقيم الجميلة ... وكمعيارا للروعة ...
ولم تكن لفظة "بصمة" في العربية ، سوى "ابنة شرعية" لكلمة "سمة" ... فالصاد - حسب نظريتي في التضايف - يتضايف مع "السين" فينتج عن ذلك نفس المعنى أو معنى بالاشتراك ، أو معنى معجمي مهجور ... فحلول "ص" محل "س" مع إضافة "ب" وهي من أصل سومري"آب" الدالة على "بيت" أو "عش" أو "حضن" فينتج لدينا "بصمة" الدالة على المعنى الأصلي الكامن في "سمة" ، وتعني "حضن سمة الشيء، وطبعه ، وما يخصه"...
ومن ثم كان للإنسان أكثر من "بصمة" : فتوقيعه بصمة ، ونبرة صوته "بصمة" ، وكذا : عينه ، وإيقاع خطواته ، وأسلوب كتابته ... وضحكته ... كلها "بصمات" ... وأعظمها والتي توحد الإنسان هي "الحساسية" العميقة بالروعة والجمال ...
ولأن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعرف "الضحك" و "البسمة" كوسيلة للتواصل، وطريقة في التعبير ... فكانت - إلى جانب "الإحساس بالجمال" - البسمة تعبيرا عن السعادة الحاصلة بمتعة الجمال ... وأجمل "بسمة" ما فاضت من ثغر حواء ... ومعلوم أن بسمة المرأة أوسع من بسمة الرجل ، كقلبها ، وروحها ، وعاطفتها ...
إن المرأة لم تخترع "أحمر الشفاء" إلا لوضع "خط أحمر" تحت "سطر البسمة" الجميلة لإثارة انتباه "آدم" ... كأنها تقول : يا خليل العمر إنني "هنا" ... وإن الجمال ينبع من "خوخة ثغري" ... وتردد أني "غور الجمال"، ولن تنال متعة الجميل ما لم تغص في أعماقي... أيها الإنسان أنت مني ، وعليك أن ترجع إلي ... ما أحلى الرجوع إلى الحضن الأول ... إنها "شاعرية" بصيغة المؤنث .
في محراب "شاعرية الجمال" يغتني "التواصل" الإنساني ، وتتفتح مشاعر "التعاطف" حيث "لا قاتل" و "لا مقتول" ...
فشاعرية الجمال هي تواصل مبدع ، وتعاطف مبهج ... إن التعاطف ليس "ضعفا" لأنه ليس "طموح طمع" كمجانين السلطة مثل "ماكييث" وذوي الخلل العقلي أمثال "هاملت" في التراجيديات الشيكسبيرية ... إن العنف والطمع والسلطة تفقد الإنسان "الحساسية الجمالية" ، وتحرمه من (سمة) التعاطف ...
والسؤال "شبه ميتافيزيقي" الذي يطرح نفسه ... إذا كان "التعاطف " سمة إنسانية ! أليس هناك "أفراد" بدون عواطف ؟؟ ، وهل يمكن "التعاطف" مع ذوي القلوب الفارغة ، والأرواح الجوفاء ... ؟؟
أخبرتني "ماما" أن داخل كل "وحش آدمي" ينام "طفل بريء" ... والإنسان ذو الأبعاد ... هو من يستطيع "إيقاظ" ذلك الطفل ، فيحول "الوحش" إلى "كتلة من العواطف الحية" ...
في هذا السياق ، ذكرتني "ماما" بمثل مغربي غاية في "التسامح" الذي يسميه "هربرت ماركوز" بالتسامح المطلق ... والذي يتجاوز حتى تصور "فلاسفة عصر التنوير" للتسامح ... يقول المثل المغربي : "إعمل الخير في أهله ، وفي غير أهله، حتى يجي لي يستهله" ... أي لا تمييز بين "الأفراد" في عمل الخير كمرآة تعكس التعاطف ... كلمتي هاته كانت من وحي اليوم العالمي المحتفي ب "الابتسامة" .
أقول لا شاعرية دون "أنثى" ... لأن المرأة لا يهمها "السلطة" كسلطة الحجاج بن يوسف الثقفي "طاغية العراق" ... وصاحب "الرؤوس التي أينعت ..." ولا يهمها المال كالذي بعثه الحجاج مع خادمه مصحوبا ببيان طلاقها وقدره كبير آنئذ : 200 ألف درهم ...
المرأة تريد "مشاعر ... حب ... ولم لا عشق ..." إنها تريد "إنسان" وتحلم ب "وردة" ... من أجل ذلك أسوق لكل ذي مشاعر إنسانية وإحساس بالجمال وبالشاعرية التي "تسكن" المرأة ... أسوق قصتين لعاشقتين ناذرتين من قصص العشق العربي الشاعري ... الأولى خاصة ب "هند بنت النعمان" سليلة بلدة أبو العلاء المعري وما أدراك ما المعري ... معرة النعمان ، والثانية للعاشقة "بثينة" ساحرة الشاعر والعاشق "جميل" .
أما "هند بنت النعمان" فقد زفت للحجاج الثقفي دون رضاها ، فأنشدت أبياتا شعرية - وهي رائعة الجمال والأدب وموهوبة شعرا- تقطر مرارة ... وتبوح بعذاب الأنثى ... حيث قالت عند سماع بصمة خطوات الحجاج تقترب منها .
 
• وما هند إلا مُهرة عربية
سليلة أفراس تحللها بغل
• فإذا ولدت فحلا فلله ذرها
وإن ولدت بغلا فجاء به بغل
 
سمعها الحجاج ، ورجع - منتشيا بسلطته ، وغاضبا من زوجته هند - دون أن يكلمها، فبعث لها ب "مهرها 200 ألف درهم" مع بيان طلاقها في كلمتين : "كُنْت فَبنْت" أي كنا زوجين ، فأصبحت "بائنة" مبعدة بطلاقك ... فردت المهر، حيث وهبته لخادم الحجاج لبشرى طلاقها ، وأوصته بإبلاغ الحجاج بجوابها : "كنا فما حمدنا ، وبنا فما ندمنا" ...
سمع الخليفة "عبد الملك بن مروان" الأموي بالقصة وكانت شهرة "هند بنت النعمان" بجمالها وشاعريتها ... واقترانها المقرف بالحجاج.... أشهر من نار على جبل ... فطلبها للزواج ، فأجابت الخليفة : "لقد ولغ في الإناء كلب !" فأجابها "عبد الملك بن مروان" - وكان ذو ثقافة وحساسية شعرية عميقة - أجاب هند : "إن ولغ الكلب في إناء أحدهم فليغسله سبع مرات إحداها بالتراب !" ... فقبلت الزواج من الخليفة الأموي بشرطين - عندما تسكن الكرامة حساسية الجمال عند الشاعر يسلك مع الآخر بشروط تعزز كرامة الشاعر - هما :
1- أن يقود الحجاج الثقفي - الذي طلقها - محملها من المعرة إلى دمشق العاصمة.
2- أن يمشي "حافي القدمين" بحليته الأولى قبل أن يصبح واليا على العراق .
ضحك عبد الملك ملء مشاعره ... وقبل شروط "الفاتنة هند" وأمر الحجاج بتنفيذ شروطها ، فكان ما أرادت ، وقطع الحجاج من الكوفة إلى المعرة ، ومن المعرة إلى دمشق مئات الكيلومترات حافيا ذليلا ...
أما قصة (بثينة) فاتنة جميل - وكانا معاصران لعبد الملك بن مروان - فقد سمع الخليفة بما قاله "جميل" من شعر في حبيبته "بثينة" ، فطلب منها الحضور بمجلسه ، ولما رآها - بعين الخبير ونظرة الشاعر الثاقبة - قال لها : "ما رأيت فيه ما ذكره جميل في شعره !" موحيا لها أنها ليست بالجمال الفاتن الذي يصفه الفنان الساحر، فأجابت : "لقد كان - يا مولاي - ينظر إلي بعينين ليسا في محجريهما !!" أي بنظرة الفنان والشاعر العاشق الذي لا يرى إلا الجمال فيما ينظر إليه ...
لقد كانت المرأة - وستبقى - صنوا للورد ... وما جمال "هند بنت النعمان وشاعريتها إلا إحدى هدايا بيئتها الثقافية وطبيعة بلدتها بلدة "النعمان" سليلة شقائق النعمان .
الورود الحمراء التي ترتبط بأسطورة "عشتار وأدونيس" في ربوع الحضارة العريقة بسوريا الشقيقة ... فشقائق النعمان لا تلد "بغلا" بل أفراسا مثل "هند" وخيولا مثل "المعري" .
 
برادة البشير
فاس في : 08/05/2018
 
 
اليوم العالمي للبسمة
يوم عالمي لحواء
 
 
عند الغروب كل شيء في الكون يغمض عينه عدا
عيون العشاق والورود تبقى شاخصة متفتحة
 
استهلال
 
"أنت لست قطرة في محيط، بل أنت المحيط كله في قطرة"
إنها نطفة حدس لجلال الدين الرومي... إنها الوحدة التي تحبو صوب الاختلاف... إنها حدس طفل يدرك لغة العين قبل النطق... إنها حدس ما هو إنساني في حضن الكائن الإنساني...
لقد أخطأ (أفلاطون) حين أحرق أوراق شعره... ولم يكن نسقه الفلسفي ... سوى حلمه الشعري تمت إعادة إنتاجه بجدله الصاعد وجدله النازل...
ولم تكن محاورة سقراط التي "وثقت" المايوتيقا السقراطية سوى "حدوس الكائن الشاعر" الذي يحسن الاستماع لشلال الذات العميقة ...
ولم يكن توهم فريديريك هيجل ل"موت الشعر" سوى إحدى شطحاته التي جعلت "نابليون بونابارت" روح العالم وقد امتطت جوادا ... لقد كان "هيجل" شاعرا حتى النخاع، الأمر الذي تجلى في ثنايا كتابه "فينومينولوجيا الروح" الذي كان اقرب إلى فواصل شعرية منه إلى مقاربة فلسفية "منطقية" ...
لقد كان "فريديرك نيتشه" صادقا مع نفسه حين هجر "النثر المرسل" ونطقت حدوسه العميقة بوصلة الشعر... في خطاب عميق يفوح ب "قطرات" لا ب " ثرثرة" مرسلة ...
إنه الشعر الفلسفي والفلسفة الشعرية... إنه دوار وادي عبقر الشعري يعانق باستمرار إيقاع الإنسان، ولحن الوجود. إنه الموسيقى حين تبتسم من ثغر حواء، وتنطق من عين براءة الطفولة...
الشعر رقصة الروح المرحة والبهيجة بحدوسها... من أجل ذلك وقع (نيتشه) رسالة هيامه بزوجة "فاجنر" باسم (ديونيسوس) وليس باسم أبولون...
منذ رنين الحياة بأجراس شعراء "أورروك" (
الوركاء) مع تطلع جلجاميش للخلود... منذ تراتيل "أخناتون" ، وإيقاعات الهارب والعود والرباب على ضفاف دجلة، والفرات، والنيل... كفت أصناف الخطاب عن مجادلة "وحي الشعر"... فلا يدخل محرابه إلا ذوي الأفئدة المرهفة، والعيون والأنوف والحدوس العميقة... لا يتذوق لونا إلا شاعر، ولا تسمع عين إلا في محراب الشعر، ولا ترى أذن إلا في أفق مبدع كأفق الشاعر، ولا يستطيع "ناطق" أن يهز أركان الإنسان إلا لسان شاعر يقرأ أبياتا بلحن "لساني" يصعد وينزل ويصرخ ويهمس... في تناسب مع رؤيته للكون والإنسان والحياة والمجتمع... إنه الشعر، ناي الخلود، رباب الأفلاك و (عود الذات) حين تبوح بكنهها... كنه ما هو إنساني... الشعر "هارب" الحضارة، و"القانون" الذي يديم توازن الإنسان ككائن متفرد... متميز.... عبقري... في الكون اللامتناهي ...
(نون) ينبوع "ماء الحياة" تلمع له عين الشاعر فلا تجف له عواطف... ويجعله يشاهد ما لا تراه عيون كالحة... أو تسمعه آذان الزيف...
الخطاب الشعري حضن الكينونة الإنسانية... نبع الوجود الخصب، ومصدر الطفرة في "جينة" التعبير ... والتشكيل... والتواصل...
الشعر محراب القراءة وإعادة التشكيل... إنه دلو الأنا العميق لاغتراف الماء من جب الإبداع، حيث "نون" الوجود ... الماء الأولى... ماء الزمن الجميل... أصل الحياة، تأصيل الكيان الإنساني بعيدا عن ماء "البرك" الراكدة النثنة، الملوثة ... للذوق والتذوق.
الخطاب الشعري بما هو خطاب للتواصل ليس بديلا عن الميتافيزيقا، بل هو عين "الميتافيزيقا" بما هي "ميتا" أي ما بعد لحظة زيف الكلام و "واقع الزيف"... ليس الشعر كلاما "زائفا" ، بل إن الواقع هو "الزائف"... وكل محاولة لإخضاع الشعر ل "لغو الكلام" هو بمثابة تشييء له... إن تشييء اللغة الشعرية بمثابة وضع "فتحة" بصدر حواء، لا للعشق والتأمل الجمالي، وتعميق الحساسية الفنية، في ذوق الإنسان، بل كملصق إشهاري لزيادة ريع النخاسين . "اللغة الشعرية" مَايْسترُو التاريخ ... والشعر سُوبْرَانُو الحضارة...
إن امتلاك الشاعرية : ذوقا وإبداعا لا يتم بغياب "الأنثى" ... لا يبدع في وادي الشعر إلا من رافق أنثى ... كعبلة ، كبثينة ... ك"الخنساء" ... فولادة ... كبيسون ، أم جلجام أرضعته نشيد الشعر مع "حليب الآلهة" ...ك "سيدوري" - باعتبارها أول معلمة في تاريخ الحضارة الإنسانية - حكيمة الوركاء التي علمت جلجاميش "سر الحياة" ، الأنثى ك "جيمي" أنكيدو رفيق جلجام في ملحمته الخالدة ، هي من علمته "فن المرأة" وانتشلته من عالم "الوحوش" وأدخلته إلى حضن الحضارة نهد "بيسون" ، لقن جلجاميش "حكمة الحياة" و "نهد جيمي" ساق "انكيدو" إلى درب الحضارة ... كذلك - في العصر الإغريقي ، وبعد آلاف السنين من تحفة العراق القديم ، أبدع الشاعر "بندار" المعاصر للاسكندر المقضوني ، بما أوحته أستاذته بوادي الشعر ، وادي القداسة ... الحكيمة والشاعرة "كورينا" ... إن "دوار" دانتي في العالم الآخر ب "الانياذة" لم يتم تهدئة روعه ... إلا بفضل حبيبته "بياتريس" مرشدته - كالإناث الخالدات السالفات" في العالم الآخر ... وضامنته ... والتي شفعت للشعراء الوثنيين فأدخلتهم الجنة - كالمعري في رسالة الغفران - لنظمهم "بيتا شعريا" ...
إن عناق الأنوثة يفجر في أعماقنا شاعرية سارية في : الكون والحياة والإنسان والطفولة ... شاعرية مفعمة بآيات الجمال ...
من تطاوعه الكلمة ينظمها فيذكر في سجل الخالدين ... ومن "تخونه " - عند سماع فن الشعر - ينطق "الله ! الله ! " الجمال يسكننا كالأنوثة "توحدنا" ...
إذا قال "ديكارت" إن أعدل قسمة بين الناس هي الأفكار البديهية ... فكل شاعر يعانق شاعرية عميقة يقول : إن أروع قسمة بين الناس هي الإحساس بالجمال ، هذه الحساسية تدفعنا للصلاة في محراب كل جميل ... لا يحرك الشعر وجداننا إلا إذا كسر رتابة "العقل" و "سذاجة" البداهة ، و "ابتذال" المعطى ...
من أجل ذلك قال الشاعر الألماني "هلدريلن" : " لا يدوم إلا ما يؤسسه الشعراء" ، نفس الشيء عبر عنه الفيلسوف الألماني "مارتن هايدجر" حين أكد "أن الشعر وعد بالكشف..." وأن "الشاعر الحقيقي هو من يُهدي أذنه لنداء الوجود !".
لقد كان ، وسيبقى - ما بقي الإنسان - الشعر خوخة الإنسان لتنفس رحيق الجمال ، ولتذوق طعم الكرامة ...
 
برادة البشير
فاس في : 08-05-2018
 
**********
لوحة :
 
كان العود أحلى مصدر للحن الوجود الذي تردد صداه
في أذان العرب مند عهد "أكد" سرجون
 
*******
 
محراب الشعر من ديوان شاعرية الغروب
 
*******
 
لوحة :
 
عين البدر في الليلة الظلماء كعين حواء في لجة العشق
 
******
 
يضخ بعرش قلبي ...
شلال القوافي !
كلما رن جرس ... حدسي !
تناسلت ... بلحن طروبْ !!
******
توقع بأذني العميقة ...
مقامات ...
الزمن الجميل !
حيث الأصيل يبوح !
رافضا للزيف ...
أن ينوبْ !!
******
روي الشعر ...
بحدسي مفتون ...
بسماع نبض الفؤاد !
يفور ... دافقا !!
كنهدي حبيبتي بالشوق ...
حلوبْ !!
******
كلما رنوت لعين صبيتي ...
سكنت جوارحي ...
كسكون الجمال !
بلوحة رسام ...
أمسى ... الزمان بشباكه ...
مصلوبْ !!
******
لولا الشعر ... لولا الرسم ...
لولا الإيقاع ...
لبخر الزمان ...
بين طيات النسيان ...
كل جميل ... مرغوبْ !!
******
في الشعر لآنات الزمان ...
تحد ...
التحدي يعمد الذاكرة ...
أمينة ...
تصد مِمْحَاة النسيان ...
كقدر ... مكتوبْ !!
******
ولولا عين الحبيب ...
بالفؤاد تميمة !
كلما أذرف دمع الشوق !
انساب نهر شعري ...
يعلو الضفاف ...
بارتفاع ... المنسوبْ !!
*****
فلا يغور ... منسوب نهري !
إلا إذا ...
عَانقتْ بعين الشوق ...
رموش ... الشمال ...
صنوها ... سحرا ...
بالجنوبْ !!
******
وإن كان ...
عناق الرموش ... سحر
يذيب القلوب !
ففتح العيون ... فاتح
لحدس العاشق ...
بشعر ... موهوبْ !!
******
ولمحة ...
من عناق الرموش ...
في ثانية !
عند العاشقين ...
صبر... دهر ...
لا يطيقه ... أيوبْ !!
******
كذلك حال ... السالكين !
في درب العشق ...
عذوبةُ ... ثوان
يعانقها عذاب ...
مره ... بالحلاوة ...
مصحوبْ !!
******
هوى العشق ... أهواء !
لونه ... كأطياف قزح ...
عواطف ... ذوقها ...
كإحساس ... الفن ...
كشعر النسيب ...
للعشاق ... منسوبْ !!
******
لا يفهم منطق ...
العشق ...
سوى مجرب !
فمد البحر ... كمد القلوب ...
يراقص الروح ...
بلحن ... محبوبْ !!
******
فرقصة القلب ...
في خضم المد ...
كرقصة ... الروح ... في الجزر !
إيقاع ...
كراح الروح ...
ألذ ... مشروبْ !!
******
وسكرة الشوق ...
في العشق ...
أمر معروف !
تديم تماوج العواطف ...
بالعمق ... تجوبْ !!
******
لا عشق ... دون شعر !
والحضرة !!
في الشوق ... بالشعر ناطقة !!
من أجل ذلك ...
أدخل المَعَري ... فردوسه ...
من نظم بيتا ...
دون ... ذنوبْ !!
******
كذلك ! أعفت ...
"بياتريس" ...
شعراء "دانتي" ...
من عذاب الجحيم ...
في عرف "يسوع" ...
كان حظهم فيها ...
محسوبْ !!
******
عليك بالشعر ...
شعر العاشقين ...
ان طلبت النجاة ...
فالنجوى ... بالقوافي ...
للنجاة من سَقَر ...
وده ... مخطوبْ !!
******
ألم ... تر ... أن "عجز"
بيت ... "المعتمد" ...
بحدس "اعتماد" ...
عمدها على عرش العشق ...
أميرة ... وجدة ...
لشانشو ... دون جدال ...
أو حروبْ !!
******
ثَرْثِرْ ... ما شئت ... !!
فإلهام الشعر ... جديد ...
فريد ... عنيد ... مديد ...
ماء حدسه ... دافق ...
من عين العشق ...
دفؤه بالفؤاد ... مصبوبْ !!
******
لوحة :
 
روي الشعر فاتح لعيون العشق عند إرخاء الليل سدوله بأصناف البهجة ليروي عطش الروح
 
*******
حذار !! حذار !!
من الخطأ ... في الإشارة ...
في الرمز ... في التعبير ...!
والتأويل !!
فما بين الإبداع ... والموت ...
سوى ... "إبهام سيزار" ...
بلون البن ...
مقلوبْ !!
******
ذكرى العشق ...
في أناي ... العميق !
كبيت القصيد ...
كحلم صبية ... بالأبيض والأسود !!
تُشِيح بوجهها ...
عن تلوين ... يبيض قناعا ....
ذوقه ... عند العشاق ...
بالعيب ... مشوبْ !!
******
حذار !! حذار !!
أن يتجلط دم الشوق ...
في عروقك ...
لا تأبه بغير نور عين العشق ...
حيث ... الكينونة تستوطن ...
الخلد ...
دون ... حاسب ... أو محسوبْ !!
******
موطن ... الخلد ...
مشيد بطوب ... من طينة ...
وفية لِأُمِنا الأرض !!
تمج التصنع ...
حيث أنفاس ... العشاق ...
بالشعر ... تذوبْ !!
******
صلاة العشق ...
لا تصح في غير محراب ...
"ثموز"
حيث "آذار" ...
يورق براعم ... الشوق
بماء الحياة ...
في العيون ... بالخلايا ...
وسائر القلوبْ !!
******
ماء الحياة ... دافق ...
في أعماق الطهارة !
من عيون الأرض ...
يحاكي وشل العشق
مطل ...
من عيون العشاق ...
دون ... صَمام ... أو أنبوبْ !!
******
الفجر ... الفجر ... ثم الفجر !
الغسق ... الغسقْ ...
زمان الخلقْ !
آنات الحدس تبوح ...
بتراتيل الأصالة ... عارية ...
دون ... قشور ... أو عيوبْ !!
******
عند إطلالة "راع"...
بخيوط حريرية ...
تتفتح ورود الدهشة ...
ويبتسم محراب الشعر ...
كالفراشات ... تطل
من شرنقة الجمال ...
تنثر ... من مشيمة ...
الخلد ... طيف الروعة ...
مجلوبْ !!
******
رَوِض الأذن ...
في حضن الطبيعة ...
لترشف ... ثمالة الإيقاع !
إيقاع الجمال يتمدد ...
عبر الأثير... دون رقيب
مكشر ... بأنياب غول ...
مرهوبْ !!
******
آه ... آه !
من "بُوبُو" و "بَعُو" ...
و "هَابُو" ...
كائنات تسكن القلوب ... غَضَةً ...
فتبني بعمق البراءة ...
دهاليز الخوف ...
الذعر ... لا يتسلل لحدس ...
العاشقين ... و الشعراء ...
إلا في غفوة ...
كقلب صبية بكابوس مرعوبْ !!
******
عمى ... الألوان ...
يصيب الذكور ... أكثر من الإناث ..
لذلك ...
كانت أحلام النساء ...
وفية ... لقزح ...
قزح ... رابض في الأعالي ...
إن عمى الالوان يطوف ...
بحلم اليقظة !
شريطه ... من النوم ... مسحوب !!
******
 
لوحة :
 
لا يضاهي ريشة الغروب في رسم الروعة سوى بيت الشعر يرسم سحر رموش عاشقة في ضوء بدر
 
*******
 
وهاتف ... يهمس ...
في عيني ...
أن اخلع قناعك ...
"طُوى" !!
إنك ... بحَمام الروي ...
جوا ؟ !
فلا يبتسم الحدس ...
لخامل ... مشلول ...
بزوايا ... الدروبْ !!
******
الحُر ... من نثر القوافي ...
على ضفاف الحُلم !
الحر من حض البلابل ...
لتنظم ... لحن البهجة ...
بألف أسلوب ...
وأسلوبْ !!
******
حذار ... حذار !
أن تجهل ... أن تتجاهل !!
أناشيد ... البهجة ...
أناشيد ... التحرر ...
فالجاهل ... واهم ...
مكلوم ... مفلوج ...
بقرار .. مسلوبْ !!
******
تقول ماما !
من يرفض الرقص مع إيروس !
من يرفض الغناء مع فينوس !
يمسي ... بُحْتُرِي زمان عنين ...
للمنايا ... مطلوبْ ... !!
******
لا يعانق فن الشعر ...
عابسا ...
فاليائس أعشى !
واليرموق ... لا يرى ...
في الكوبِ ...
سوى ... فراغ مهزوم ...
منكوبْ !!
******
طباعي ...
طباع ... "آذار"
أُصَلي ... في "موكب الربيع" ...
مع "فيفالدي" !
فالغناء ... فرض ...
في حضرة العشاق ...
واجِبُ ... الوجوبْ !!
******
طباعي ...
طباع أبريل ...
شهري ... ظليل !
وأروع ظل ...
سكونٌ ... عند رموش ...
وسدُول شَعر ...
على خد حبيبتي ...
مسحوبْ !!
******
الجمال ... فطرة ...
رمز ... وذوق ...
يُنْطق "البراءة" ...
قبل النطق !!
فالروعة ... تهز
أركان الإنسان من أزل ..
بين الشعوبْ !!
******
يا روعة العشق ...
في ظلال "مارس" ...
بنزهة النفس ...
بنكهة الشوق ...لحضن صبية ...
كبُرْعُم ...
خلاب ... يَسْبِي المخلوبْ !!
******
كلما قرأت ...
أبجدية العشق !
تَعَرت ... ذاتي بِنَهَم ...
يُفَتح ... ثغرى ...
وُسْعه ...
لدهشة ... أسرار جمال ...
كامن ... بأعماق الجيوبْ !!
******
الكل ... في ذوق العاشقين ...
مُوح ...
والبَوح ... بِوَحْيِ الجميل ...
يرى لوحة الشروق ...
كبسمة الحبيبة ...
وعند المساء !!
كم لوحة ... في ظل الشعر ...
يرسمها ... الغروبْ !!
******
أيها الإنسان ... حلق ...
حَلق كي تطأ "سُهَيْلَى" ...
فالحلم ....
يمتطي صهوة السحابْ ...
الحلم ... لا يتمطى ...
على سرير السرابْ ...
أيها الإنسان ...
التحدي ... مفتاح
خوخة الشعر ...
للجديد ... مطلوبْ !!
******
لا ينافس حُلْم ...
"آذار" ...
بعين العاشقين ...
سوى "آب" !
بفاكهة الرمان ...
عينها إلى الأسفل ...
كعاسوقٍ حبيبتي ...
إلى "الحَي" ناظرة
بالمقلوبْ !!
******
 
لوحة :
 
أنامل الرقة تقطر من روح الكمان في حضن الأنثى عارية دون حرير أو نعال شفافة كبسمة الطفولة كفرحة أفروديت بتفاحة "باريس"

مناسبة القصيدة

من وحي الغروب كأفق للابداع الشعري
© 2024 - موقع الشعر