مهزلة حياة! - سليم صابر

مهزلة حياة!
 
غريب هذا الشعور بالوحدة
غربة تتأرجح على خاصرة الوقت
تنسيني الهمّ والبسمة والأحباب
تسير بي نحو عزلة موحشة
نصلها ناجز والجراح!
غريب هذا الشعور بالبعاد
أتراه الخريف يومئ؟
أواه من نعاس الخريف!
تهدهد العمر شيخوخة متثاقلة
معاندة هي….
مبَكِّرة لا محال
تعدني صفوة وصفاء
تعدني ببياض المشيب
تعدني نورًا وضياء
ينبلج معها الفجر انشراحًا
ويزحف العمر نحو الرجاء
رجاؤه المحبة كالشمس الساطعة
والشمس في احمرارها الدامغ
تنادي ظمأ المغيب
ألتقط منها قبسًا منسيًّا
ويتحوّل الشعاع دمعًا غاويًا
يتحوّل ندًا في طراوة المساء
وأتحوّل رمادًا يرويني الضياع
أيّ مهزلة هذه المهزلة؟
أيّ ترهات هذه الحياة!
عجيب هذا الشعور بالاغتراب
تباعد أم هجرة لا أدري
أهو تباعد النفس عن الجسد؟
أم هجرة الذات عن الذات؟
أم أنني مضيت إلى الغيب
سكرتي في أحضان المستحيل
أهذي وأنا ثمل بالأحلام!
أعارك معها بحار الخوف
أعانق الغيم
أضم مواكب وأعراس الشفق
أطارد ظلي ويلاحقني
والروح في زمهرير الخريف
تمازح الريح والغسق والسحاب!
أتعلمون ما في هذا البيت؟
مجموعة أشلاء تزداد اعتدادًا
ملّتْ مني فأسقطتني!
قاسيتُ منها وما اهتمّتْ
وتنادتْ تؤلّب يمّ ارتحالي
داستْ على مبادئي…
قوّضتْ تطلعاتي...
جرّحتْ تظراتي...
زلزلتْ الثقة والعزم...
غابتْ ونحرتني...
بعثرتني...
بعثرتْ وسادة البهاء...
خانتْ النبض وخطى السلام
تناثر معها جسر الشوق
انهيار بأس في ممرات الذات
بعدها القلب استراح!
أهو الجنون يسير بي...
أم أنه الدمع على ضفاف الربيع؟
إنها دمعة مشاغبة...
تناورني للحظة وتختفي
أترونها؟
قولوا لي...
تأتي في عرس
تحضر في موكب كالبدو الرحّل
تطوّق الوجنة والعين والكلام
وتأخذني وترحل في مأتم!
أهو الجنون يسير بي...
أم أنه الدمع ولا أدري؟
أتى يكابر ويرويني انهمارًا
أترونه؟
قولوا لي...
إنّه الدمع المشاكس...
فاجأ الأمس فهرب مني!
كل الدموع إن سافرت تراني
أنا الطير الهارب من رحم الهزيمة
ومن يسأل الطريدة عن السفّاح!
أتدركون مغزى الحرف النازف؟
دمعاتي تراوح مكانها
دمعة فرح تغازل الريح
دمعة متوجّسة على أهبة الجفن
دمعة أسى على الماضي البعيد
ودمعة راقت للحبّ القديم
طال انتظارها على مشارف الصبر
رحَلتْ وألغتْ كلّ التجاذبات!
ألغتْ الآهة الحالمة
ألغتْ الفكرة والصفحة واليراع
ألغتْ التنهيدة المنازعة
وألغتني بلا إنذار
بسمة البارحة تراود شحوب الأنين
أي مهزلة هذه المهزلة؟
أي ترهات هذه الحياة!
وأخرج من خضم ترهاتي...
كنزهة على حافة القبر
أجابه بها عقم أفكاري
يصفعني الجنون العابر
أقارع معه أشلائي
أنازع لبرهة...
أثابر في خضم معاناتي
أصمم معاندة الدمع
وأعود إلى نفسي...
أأعود؟
قولوا لي... أأعود؟
أم أن المخيّلة تاهتْ
حملتني بعيدًا والأسفار...
رسَتْ بي في غربتي...
حمّلتني أثقالها وأهملتني...
أعادتني إلى صلب المغيب...
جنّدتْ مشاعري وتخلّت عني...
أوصلتني إلى مهزلة الآخرة...
مهزلة الآخرة من مهزلة الحياة
أقحمتني تناقضات فكري...
والفكر يصارع أضداده
أسقطتني في قلب الضوء...
والضوء مخادع لا يرحم!
طير ذبيح أنا... أتدرون؟
طير ذبيح أنا...
أوترحمون الطير المهاجر؟
وأحاول ولوج عمري المهرول
حلم أم كابوس لا أدري
كأمواج الصقيع الغاربة
أختلي بذاتي مفكّرًا
وأستلقي على وحدتي لأنسى...
أأنسى؟
قولوا لي... قولوا!
أأنسى؟
© 2024 - موقع الشعر