من يوميات حر في بلد العسكر

لـ رياض بوحجيلة، ، في غير مُحدد، آخر تحديث

من يوميات حر في بلد العسكر - رياض بوحجيلة

أن تحيا حرا في بلد العسكرْ
يعني أن تقضي نصف حياتك في المخفرْ
و النصف الآخر بين المخفر و المخفرْ
لا تتحرّز أو تترك عاداتكَ
كل الطرقات تؤدي للمخفرْ
إذهب للمقهى.. أطلب قهوتك المعتادةَ
لا تتعب نفسك و النادلَ.. لن تفلح في إخفاء مرارة روحكَ
حتى لو زاد لها عشر ملاعق سكرْ
إضحك.. غني.. دخن..
أطلق بضع نكاتٍ شائنة عن حفّاظ فخامته..
أَوغلْ في السخف و ثرثرْ..
..
بعد الظهر ستذهب للمخفر مختارا
في الباب ستلقى شرطيا مبتدئا ينظر نحوك في شزرٍ..
يشتم أهلك.. نصف الشعب..
و كل الأحرار فداء لفخامته و يزمجرْ..
في القاعة تلقى سحنات شتى منها المألوف و نصف المألوف و..
عجبٌ !! وجه لا تعرفه !
لابد غريب خانته الصدفة أو مألوف من كثر التعذيب تغيّرْ
مخمور شتم السلطة و الشعب و ما بينهما في الشارع جهرا و تبخترْ
و الآخر لم يأكل منذ ثلاثة أيام.. في لحظة غيظ شتم السلطة
و الكرسي و زوجه و الأطفال و لم يجهرْ
مسكين آخر لم ينطق من أسبوع
قالوا صمته مشبوه.. لابد يخطط للثورة..
مجنون الحارة أيضا يجلس مبتسما
قالوا متهم بالتحريض على العصيان
و قيل عميل بالخبْل تستّرْ !!
..
تستلقي في كرسي مهترئ في الركن الأقصى
تتسلى بقراءة بعض شعارات في جدران الغرفة لا تخدع حتى الأطفال
و ترجع للتقليب ببضع مجلات نثرت قدامك
تضحك.. هل يوجد حقا من يقرأها و يصدقها ؟
و تحدق في بعض رفاقك
مجنون الحارة مبتسما مازال يحدق في اللاشيءِ
و غير المألوف يطالع ساعته في قلق.. لا بد تأخرْ
و المخمور يدندن لحنا بدويا قذرا.. ينهره الصامت
فيجيبه أن المخفر أقذزْ
كان نشيد الوطن المنكوب هنالك أيضا محتجزا في برواز ذهبي
حيّيتَهُ منكسرا..
رد عليك و لم يعتب أنك جافيته من أيام الصف السادس و المئزرْ
..
و أخيرا يأتي دورك
ياااه نفس الشرطي المبتدئ ال..
كم يزعجك الشرطيون المبتدؤون
الحمقى ملتزمون بتطبيق القانون و بالإجراءات و بالصفع كذلك
تتأفّف.. قد تمضي الليل هنا.. لا بأسَ
و لكن تذكر أنك لم تحضر ما يكفي من تبغ كي تسهرْ
معتاد أنت على الخيبات ستصبرْ
حياك ببعض شتائم مخزية –وطني جدا إبن الخردة- و افتتح المحضرْ:
- إسمك ؟ عمرك ؟ شغلك ؟ عنوانك ؟
- إسمي ؟
يأسُ ابن القهر أنا
عمري عمر القهر بهذي الأرض الموبوءة بالإعلام و بالتلمود و بالعسكرْ
شغلي ؟
ليس يهمك.. بطال أو أكدح لا فرق هنا
فالكل سواء في دكان الحي مجرد رقم في دفتر
عنواني مقهى الحي و أرصفة الحارات المنسية
لكن في الأغلب تلقاني في المخفرْ
- من أين أتيت و أين ذهبت و من لاقيت و ماذا قال و ماذا قلت..
- لم يبق إلا أن تسأل عن..
همّ بصفعك لكن مهلا.. شيء يحدث في المخفر
ينفتح الباب و تدخل كرش
يقف الشرطي.. يعدّل بذلته في عجلٍ
بعد قليل يلتحق الضابط
ينظر نحوك في مللٍ
- من هذا ؟
- زنديق يكفر بالرب و يشتم دولاب الكرسي و يسخرْ
لكن لا تقلق سنؤدبه و نريه النجم القطبي بعز الظهرِ
كذلك لو شئت نريه الدب الأكبر و القرد الأصغرْ
يشتمك -بحكم الواجب طبعا- و يغادر.. فيعود التحقيق لمجراه..
يمر أمامك شرطي مازال قليلا إنسانا
يبدو أنه يذكر وجنتك المزرقّة من آخر تحقيق
يتظاهر بالتفتيش بدرج المكتب..
يترك قربك بضع سجائر.. يشتم أهلك –مضطرا- و يغادر
يطول الليل و يمتد التحقيق و مازلتَ أمامه تهذي و تثرثرْ
مازال (المفعول به) يرجو أن يُخرج من هذيانك شيئا يبدو كالتهمة
كي يرتاح و يغلق هذا المحضرْ
يتعب جدا جدا.. تسودّ جفونه.. مسكين..
و ترق له.. تلقي نحوه آخر سيجار و تساعده في رقن المحضرْ
يشتم أهلك ثانية –أو عاشرة لا تذكر- ليس بحكم الواجب لكن هذي المرة للمظهرْ
..
تخرج من مخفرهم كالأجرب ينكرك الأصحاب و يلعنك الأهل جميعا
فجميعهمُ سيزور المخفرْ
ستزور المخفر أمك و أبوك.. أخوك..
و جارك أيضا سيزور المخفرْ
صافحك اليوم صباحا بالأحضان و سلمك المسكين ثلاثة أوراق
كي تكتب مرسولا لحبيبته.. قد ترضى و تشاركه المنكرْ
و صديق جالسته في المقهى دسّ بجيبك بضع دنانيرٍ سيزور المخفرْ
بنت أربكها تحديقك فابتسمت في خجل ستزور المخفرْ
شحاذ أعياك بإلحاحه فدسست بجيبه شيئا كي تسكته مسكين سيزور المخفرْ
مجهول أخطأت برقمه في الهاتف أيضا سيزور المخفر
حتى بغي أمضيت الليل بغرفتها ستبيت الليلة في المخفرْ
لا تدري.. المخفر في الحارة أم كل الحارة صارت مخفرْ
..
تلمح شيئا خلفك
تذكر أنك شاهدته بالصدفة في زاوية في المخفر
كان هنالك أيضا في المقهى يتأمل وجهك في بله و يخربش في الدفترْ
يشبه ظلك ؟ !!
تذكر بالأمس مشيت بظلين و كان الليل حزينا
و الظل الآخر يمشي خلفك كالمخمور يثبت قبعة سوداء تشاكسها الريح و..
مهلا.. لكنك لم تلبس قبعة بالأمس و لم تسكر !!
تلتاث و تهذي..
هل كان المخبرُ ظلَّك أم كان الظلُّ هو المخبرْ ؟!!
© 2024 - موقع الشعر