دعوتك للجفن القريح المسهد - أبي فراس الحمداني

- دعوتك للجفن القريح المسهد
لدي، وللنوم القليل المشرد

2- وما ذاك بخلا بالحياة؛ وإنها
لأول مبذول لأول مجتد

3- وما الأسر مما ضقت ذرعًا بحمله؛
وما الخطب مما أن أقول له: قد

4- وما زل عني أن شخصًا، معرضًا
لنبل الغدى؛ إن لم يصب؛ فكأن قد

5- ولست أبالي إن ظفرت بمطلب
يكون رخيصًا، أو بوسم مزود

6- ولكنني اختار موت بني أبي
على صهوات الخيل، غير موسد

7- وتأبى وآبى أن أموت، موسدًا
بأيدي النصارى، موت أكمد، أكبد

8- نضوت على الأيام ثوب جلادتي؛
ولكنني لم أنض ثوب التجلد

9- وما أنا إلا بين أمر، وضده
يجدد لي، في كل يوم مجدد

10- فمن حسن صبرٍ، بالسلامة، وأعدي
ومن ريب دهر بالردى، متوعدي

11- أقلب طرفي بين خلٍ مكبلٍ
وبين صفيٍ بالحديد مصفد

12- دعوتك، والأبواب ترتج دوننا؛
فكن خير مدعو؛ وأكرم منجد

13- فمثلك من يدعى لكل عظيمة
ومثلي من يفدى بكل مسود

14- أناديك لا أني أخاف من الردى
ولا أرتجي تأخير يوم إلى غد

15- وقد حطم الخطى واخترم العدى
وفلل حد المشرفي المهند

16- ولكن أنفت الموت في دار غربةٍ
بأيدي النصارى الغلف ميتة أكمد

17- فلا تترك الأعداء حولي ليفرحوا
ولا تقطع التسآل عني، وتقعد

18- ولا تقعدن عني – وقد سيم فديتي-
فلست، عن الفع الكريم، بمقعد

19- فكم لك عندي من أياد وأنعم؟
رفعت بها قدري وأكثرت حسدي

20- تشبث بها أكرومة، قبل فوتها،
وقم في خلاصي، صادق العزم، واقعد

21- فإن مت –بعد اليوم- عابك مهلكي،
معاب الزراريين، مهلك معبد

22- هم عضلوا عنه الفداء؛ فأصبحوا
يهدون أطراف القريض المقصد

23- ولم يك بدعا هلكه؛ غير أنهم
يعابون، إذ سيم الفداء، وما فدي

24- فلا كان كلب الروم أرأف منكم
وأرغب في كسب الثناء المخلد

25- ولا يبلغ الأعداء أن يتناهضوا
وتقعد عن هذا العلاء المشيد

26- أأضحوا، على أسراهم، بي عودا
وأنتم على أسراكم غير عود؟!

27- متى تخلف الأيام، مثلي، لكم فتى
طويل نجاد السيف، رحب المقلد؟

28- متى تلد الأيام، مثلي، لكم فتى
شديدًا على البأساء، غير ملهد؟

29- فإن تفتدوني تفتدوا شرف العلا،
وأسرع عواد إليها، معود

30- وإن تفتدوني تفتدوا لعلاكم
فتى غير مردود اللسان أو اليد

31- يطاعن عن أعراضكم؛ بلسانه
ويضرب عنكم، بالحسام المهند

32- وما كل وقا، له مثل موقفي
ولا كل وراد له مثل موردي

33- فما كل من شاء المعالي ينالها
ولا كل سيار إلى المجد يهتدي

34- أقلني! أقلني! عثرة الدهر إنه
رماني بسهم، صائب النصل، مقصد

35- ولو لم تنل نفسي ولاءك، لم أكن
لأوردها، في نصره كل مورد

36- ولا كنت ألقي الألف، زرقًا عيونها،
بسبعين، فيهم كل أشام أنكد

37- فلا، وأبي، ما ساعدان كساعد،
ولا، وأبي، ما سيدان كسيد

38- ولا، وأبي، ما يفتق الدهر جانبًا
فيرتقه، إلا بأمر مسدد

39- وإنك للمولى، الذي بك اقتدي،
وإنك للنجم الذي بك أهتدي

40- وأنت الذي عرفتني طرق العلا؛
وأنت الذي أهديتني كل مقصد

41- وأنت الذي بلغتني كل رتبة،
مشيت إليها، فوق أعناق حسدي

42- فيا ملبسي النعمى التي جل قدرها
لقد أخلقت تلك الثياب، فجدد

43- ألم تر أني، فيك صافحت حدها
وفيك شربت الموت، غير مصرد؟

44- يقولون: "جنب"! عادة ما عرفتها؟
شديد على الإنسان ما لم يعود

45- فقلت: أما والله لا قال قائل:
شهدت له في الحرب ألام مشهد

46- ولكن سألقاها، فإما منية
هي الظن، أو بنيان عز موطد

47- ولم أدر أن الدهر في عدد العدا؛
وأن المنايا السود يرمين عن يد

48- بقيت "ابن عبد الله" تحمي من الردى،
ويفديك منا سيد بعد سيد

49- بقيت "ابن عبد الله" ما ذر شارق
تروح إلى العز المبين، وتغتدي

50- بعيشة مسعود؛ وأيام سالمٍ
ونعمة مغبوط؛ وحال محسد

51- فلا يحرمني الله رؤياك! - إنها
نهاية آمالي؛ وغاية مقصدي

52- ولا يحرمني الله قربك! - إنه
مرادي من الدنيا؛ وحظي؛ وسؤددي

© 2024 - موقع الشعر