لُزوميَّاتي - حمد حميد الرشيدي

عُذْرَاً، فَمَا لِي بِهَذا السُّوقِ مِنْ حَاجَهْ
حَتَّى أُزاحِمَ في الحَاجاتِ أفْوَاجَهْ

هذا يَبيعُ وَذَا يَشْرِي وذاكَ بِلا
شيءٍ سِوى مُكْثرٍ للنِّاسِ إزْعَاجَهْ

وَذَا يَلجُّ بتَحْريجٍ لسِلْعَتِهِ
مُسْتَنْفِراً نافِخاً للنَّاسِ أوْدَاجَهْ

صُخْبٌ يُصَدِّعُ رَأْسِي في مَعَاولِه
لوْ كُنْتُ أوْدَعْتُ أعْصَابِي بثَلاَّجَهْ

ما أكْرَهَ السُّوقَ فِي عَيْنِي وفي أُذُنِي
إنْ لَمْ يَكُنْ لي بِه ما يُبْلِغُ الحَاجَهْ

دخَلْتُهُ وبودِّي لَوْ أُغَادِرُهُ
لِمَنْزِلي كَغَرِيبٍ عَادَ أدْرَاجَهْ

اللزومية الثانية: في الأرض
تَعِبْتُ وهَذِي الأَرْضُ ما هَدَّها التَّعَبْ

ولا هَمَّهَا مَاءٌ وَلا دَمٌ انْثَعَبْ
تَشَعَّبْتُ مِنْهَا فِي ثلاثينَ شُعْبَةً

كأنْ لمْ يَكنْ غَيْرِي بِها انْبَتَّ وانْشَعَبْ
فَمَا لِي وللدُّنْيَا وشَدْوِ طُيُورِهَا

إذا كُنْتُ أَشْقَى مِنْ غُرَابٍ بِهَا نَعَبْ!!
اللزومية الثالثة: العيد

عُدْتَ يا عِيدُ كُلَّ عَامٍ بِخَيْرٍ
وكَسَتْنِي لُقْيَاكَ ثَوْباً جَديدا

وحَمِدْتُ الَّذِي أمَدَّ وأَبْقَى
لِي حَياةً مِنْهُ وعُمْرا مَديدا

وَأَرَانِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
مِنَّةً لا تُحْصَى وَفَضْلاً عَدِيدا

اللزومية الرابعة: العَقاراتُ والتَّجاراتُ
للهِ ما فَعَلَتْ فِيْنَا العَقَاراتُ

وما ابْتَلَتْنَا بِبَلْواه التَِّجاراتُ
حَتَّى شُغِلْنَا وأَلْهَتْنَا مَطَامِعُنَا

بِما اقْتَضَى الرِّبْحُ مِنَّا والخَساراتُ
وَقَلَّ بَيْنَ ذَوِي القُرْبَى تَواصُلُهُمْ

ما عَادَ يَدْرُونَ: ما تَعْنى الزِّياراتُ؟
كأنَّنَا غُربَاءٌ لَيْسَ فيهِ لَنا

جِيْرَانُ جَنْبٍ وَلا أهْلٌ وجاراتُ
صِرْنا جُيُوباً تَمَادى نَهْمُهَا وَنَمَتْ

بُطونُنَا مِثْلَمَا تَنْمُو (العِماراتُ)
كُلٌ عَنِ البَعْضِ فِي لَهْوٍ وَفِي شُغُلٍ

مَا أمْكَنَتْنا الليَالِي والنَّهاراتُ
سَلامُنا صَارَ في هَزِّ الرُّؤوسِ وَمَا

كَلامُنا بَيْنَنا إلا إشَاراتُ
عَصْرٌ تُعَلِّمُنا أمْثَالُهُ جَشَعاً

أنَّ التَِّجاراتِ فِي الدُّنْيا شَطَاراتُ
اللزومية الخامسة: في الشَّيْب

(مُحَمَّدُ) لا عَدمْتُكَ يا ابْنَ عَمِّي
وَيا مَنْ أَنْتَ لِي أَوْفَى صَديقِ

تَقولُ: بأنَّ رَأْسي فيهِ شَيْباً
أتمزحُ أمْ هُوَ القَولُ الحَقِيقي؟!

أُفَتِّشُ فِي المرايا كُلَّ يَومٍ
عَنِ الشُّبُهَاتِ بالنَّظَرِ الدَّقِيقِ

فَكَمْ صَدَّقْتُ أَبْيَضَ كُلِّ شيءٍ
سِوَى مَا ابْيَضَّ مِنْ رَأْسي العَتِيقِ!!

وكَمْ كَرِهَتْ عُيونِي مِنْ سَوَادٍ
سِوَى مَا اسْوَدَّ مِنْ شَعْرٍ طَلِيقِ!!

ومَا ظَنِّي بَأنِّي شِبْتُ لَكِنْ
سَأُخْبِرُكَ الحَقيقَةَ يا رَفِيقي

لَقَدْ طَالَتْ دُرُوبُ العُمْرِ حتَّى
غَشَى رَأسِي الغُبارُ مَعَ الطَّرِيقِ

اللزومية السادسة: (السِّجارة)
أتُرَاني مُكلَّفَاً ب(السِّجَارهْ)

أمْ تُرَاها لِي صَفْقَةً مِنْ تِجَارَه؟
ما الّذ، أَبْتَغِيهِ مِنْهَا وَصَدْرِي

فيهِ مِنْهَا صَالٍ يَشُبُّ وِجارَهْ؟
وَسُعالٌ وَحَشْرَجاتٌ كَأنَّي

لمْ أكُنْ غَيْرَ (وَرْشَةٍ) لنِجَارَهْ
كَذبَ الوَاهِمُ الذِي ظنَّ فِيهَا

خَيْرَ قُرْبٍ عَنْ كُلََِّ جَارٍ وَجَارَهْ
لَيْسَ مَنْ يَنْزِفُونَ آبارَ رُوحِي

مِثْلَ مَنْ يَقْذِفُونَ فِيها الحِجَارَهْ
وَعَجِيْبٌ أنْ يَسْتَجِيرَ مِنْ الرَّمْضَاءِ

بالنَّارِ مَنْ أرَادَ اسْتجَارَهْ!!
اللزومية السابعة: الصَّديق

صَدِيْقِي مَا عَهِدْتُ الهَجْرَ مِنْكَا
ولا أنَا مَنْ يُحِقُّ الصَّدَّ عَنْكا

فَمِثْلِي لا تُغَيِّرُه الليَالِي
أطَابَ العَيْشُ لِي أمْ كانَ ضَنْكا

أُبَادِلُكَ المَحبَّةَ والتَّفَانِي
ولَمْ أنْسَ الوَفَاءَ وَلمْ أخُنْكا

رَصِيدِي أنْتَ مَا لِي مِنْ رَصِيدٍ
سِواكَ ولا ادَّخَرْتُ سِواكَ (بَنْكا)

وما اسْتَنْكَرْتُ مَنْ يَجْفُو وَلَكِن
جَفَاؤكَ كانَ لِي أدْهَى وأنْكَا

اللزومية الثامنة: مُداعبة *
ألا سَامَحَ اللهُ (غازي القُصَيْبي)

وبَرَّأَهُ مِنْ ظُنُونِي ورَيْبِي
أَخَا (المُتَنَبِّي) رسُولَ القَوافِي

تَسَامَتْ مَعَانِيه عَن كُلِّ عَيْبِ
فقَدْ ضَاعَ دِيوَانُ شِعْري لَدَيهِ

وكانَ كَمَا قِيلَ: (فِي عِلْمِ غَيْبِ)
اللزومية التاسعة: ليْلُ المَقَاهي

بِلَيْلِ المَقَاهي يَطُولُ الأرَقْ
عَلَى مَعْشَرٍ يَلْعَبُونَ (الوَرَقْ)

ويَشْتَعِلُونَ (جُراكاً) وَتَبْغاً
كأنَّ المَقَاهي بِهمْ تَحْتَرِقْ

وَما بَيْنَ مَشْرُوبِ شَايٍ وَبُنّ
يَطِيبُ التَّنَادُمُ بَيْنَ الفِرَقْ

يَطُوفُ عَليْهِمْ بِها نَادِلٌ
بِعَيْنَيه يَحْمَرُّ لَيلُ الأرَقْ

وَتُرْعِدُهُمْ نَشْوَةُ القَهْقَهاتِ
فَتُمْطِرُ أجْسَادُهُمْ بالعَرَقْ

إلى أنْ يَبِيْنَ مِنَ الفَجْرِ خَيْطٌ
يَخِيْطُ وُجُوهَاً غَدَتْ كالخِرَقْ

اللزومية العاشرة: ابْتِهال
يَا رَبُّ إنِّي مِنْ عِبادِكَ حَائِرُ

بِكَ يِهْتَدي إنْ ضَيَّعَتْهُ بَصَائِرُ
فالطُفْ بِعَبْدِكَ يا لَطِيفُ وَنَجِّهِ

إنْ رَاعَهُ أمْرٌ وَخَطْبٌ جَائِرُ
واغْفِرْ لَهُ مَا كانَ مِنْ هَفَواتِهِ

يا مَنْ يَصِيْرُ بِنَا إليْك َالصَّائِرُ
فالعَفْوُ والغُفْرَانُ مِنْكَ مُؤَمَّلٌ

إنْ أثْقَلَتْهُ كَبَائِرٌ وَصَغَائِرُ
يا شَافِياً جُرْحيَ ومُؤْنِسَ وَحْشَتِي

إنْ هَدَّنِي سَقَمٌ وَغَابَ الزَّائِرُ
مَنْ لِي سِوَاكَ إذا دَهَتْني كُرْبَةٌ

وتَنَكَّرَتْ لي صُحْبةٌ وَعَشَائِرُ
فالخَلْقُ مَرجِعُهُمْ إليكَ جَمِيعُهُمْ

مَا سَارَ سَائِرُهُمْ وَطَارَ الطَّائِرُ
© 2024 - موقع الشعر