لا تفاخر بمجد أضعناهُ - محمد حسام الدين العوادي

مالي و للحزنِ يهواني و أهواهُ
أمسى كِلانا تُحبُّ الدّمعَ عيناهُ

لي فيكَ يا دهرُ أحزانٌ تسامِرُنِي
و الجرحُ في جوف قلبي كنتُ أحياهُ

لا تحسَبَنَّ بأني عاشقٌ وَجِلٌ
أهْوِن بِمَا في سبيل العشقِ ألقاهُ

إنّي تذكّرتُ و الآلامُ تعصرُنِي
مجدا تولّى و نحن الآن ننساهُ

ناجيتُ أمجادنا المَوْتى و بي حَزَنٌ
كما يُناجي كسيرًا قيسُ ليلاهُ

أمجادُ آباءِنا تشكو مذلّتَنا
في عالمٍ كانَ عُرْبٌ فيهِ قد تاهُوا

الذلّ رُمْناهُ بل قد صارَ ميزَتَنَا
و الهُونُ من كأسِ ذلٍّ قد شرِبناهُ

و الجهل قد صار خِلاّ لا نفارِقهُ
و الحمقُ خيلٌ و كنّا قد ركبناهُ

العالم اليومَ صرنا تحتَ مسرحِهِ
والضعف دورٌ و قد كنّا لعبناهُ

الفقر حلّ بنا ما عاد يترُكنا
كذا التخلّفُ ثوبٌ قد لبسناهُ

فالحال تبكيه أجفانٌ و تندبهُ
ليلا نهارا على مجدٍ أضعناهُ

و الغربُ أضحى كنجمٍ ليسَ ندرِكُهُ
بل نحن نحيى لنكوى من شظاياهُ

غزا السّماء و ما كانت لِتُعجزَهُ
أبحاث علمٍ و كنّا قد جهلناهُ

فاليومَ قد ضحِكَتْ من جهلِنا أمَمٌ
وقادنا عالمٌ بالأمسِ قدناهُ

بغدادُ دمعًا من الأجفان قد سُكِبَتْ
كَبيتِ مقدسٍ الأزمانُ تنعاهُ

بغدادُ عذرًا فاني كنت منهزمًا
أمام هولاكُ و كنا ما رددناهُ

يا دجلة الخير أحشائي ممزّقة
من فرط حزني على قدسٍ فقدناهُ

أيا أبا جعفر بغدادُ مُحْرَقةٌ
أيا صلاحًا فإنّ القدسَ ننعاهُ

أيا بني العبّاس جئتُ مشتكِيًا
فاليوم ما عاد لي علمٌ و لا جاهُ

كذالك اليومَ أحيى حالما أسِفًا
أمامَ أطلالِ تاريخٍ بكيناهُ

أخَيَّ عُذرًا فإنّي عشتُ مقتبِسًا
من نورِ أمسيَ يومًا ما أنرْناهُ

دَعْ عنكَ لَوْمِيَ و اترُكنِي لأنتحبَ
فاليومَ نبكي على مجدٍ فقدناهُ

يا لائِمِي في بُكائي و البُكَا قدرٌ
على عبادٍ تُلاقي ما لقيناهُ

قد عشتُ دهريَ وقّافًا على طَلَلٍ
لأستمدّ القوَى من وحْيٍ ذِكراهُ

تالله ما زادني هذا سوى وَهَنٍ
صِرْتُ كقرطاسٍ التاريخُ أفناهُ

وصرتُ أحيَى أسيفا صرتُ مُغترِبًا
و صرتُ كالطيرِ مقصوصًا جناحاهُ

هاذي حياتي و إن كنتَ امرءًا فَطِنًا
فلا تُفاخرْ بِمجْدٍ قدْ أضعناهُ

© 2024 - موقع الشعر