تأملات - عبد القادر الأسود

تَأَمُّلات
قلبي لعِزِّكَ يخشَعُ

وَلَك الجوارحُ تَخضَعُ
يا مَن وَعَتْهُ مَسامِعي

في كلِّ صَوْتٍ يُسْمَعُ
يا مَنْ رأَتْهُ بَصيرتي

في كلِّ نُورٍ يَسْطعُ
في الشمْسِ إمّا أَشرَقتْ

والبدرِ إمّا يَطْلعُ
في كلِّ وَجْهٍ مُشْرقٍ

نَضِرٍ تَجَلّى المُبْدِعُ
في الزَهرِ يَبْسِم للنَدى

وأَريجُهُ يَتَضوَّعُ
في كلِّ غُصْنٍ مُزْهِرٍ

فوق الرُبا يَتَرَعْرعُ
في الطَيرِ يَغْدو جائعاً

ويَروحُ إمّا يَشْبَعُ
فَتراهُ يَشْدو داعياً

فوق الغُصونِ يُرَجِّعُ
كلٌّ دَرى تَسْبيحَهُ

ولِربِّهِ يَتَضَرَّعُ
* * *

يا رَبُّ هذي الكَهْرُباءُ فمَنْ تُراهُ المَنْبَعُ؟
ما سِرُّ أَمواجِ الأَثيرِ وكيف صارتْ تُسْمَعُ

ما المَغْنَطيسُ ، إلهَنا؟
أَنّى يَشُدُّ ويَدفَعُ؟

والنَفسُ،ما هو كُنْهُها؟
أَنّى تُحِبُّ وتَجْزَعُ؟

والرُوحُ ،عندَك سِرُّها
أَنّى تَموتُ وتُصرَعُ؟

وتُسَرُّ في أَسفارِها
في الحُلمِ أو تَتَوجَّعُ

والقلبُ ،هذا عاشقٌ
دَنِفٌ ، وهذا مُوجَعُ

والنَبْضُ مَبْدأُ أَمْرِهِ
أَنّى ... وأَنّى يُقْطَعُ؟

وحَقيقةُ الأَنفاسِ ،مَنْ
يُعْطي الحياةَ ويَمنَعُ؟

والعينُ أَنّى أَبْصرَتْ؟
وعَلامَ ، ربّي ، تَدْمعُ؟

أَنّى تَشُمُّ أُنوفُنا؟
والأُذْنُ كيف تَسَمَّعُ؟

والطَعْمُ،كيف يَميزُهُ
هذا اللّسانُ المُبْدِعُ؟

والعَقْلُ؛أَعْجَبُ خُلقَةٍ
في الكونِ،جلَّ المُودِعُ

يا رَبِّ كونُكَ واسعٌ
لكنَّ عِلْمَكَ أَوْسَعُ

أَيْقَنْتُ أَنَّكَ قادرٌ
وإلى عُلاكَ المَرْجِعُ

* * *
يا رَبُّ ما هذي النُجومُ السابحاتُ إلى أجَلْ؟

يا رَبِّ ما تَعدادُها؟
حَيَّرْتَ فيها مَن عَقَلْ

كم في المَجَرَّةِ أَنْجُمٌ
عِقْدُ الجَمَالِ بِها اكْتمَلْ

يا رَبِّ ما أَبْعادُهُ
هذا الفَضاءُ،وكم حَمَلْ

كم زَيَّنَتْهُ كواكبٌ
كم في الكواكبِ مِن جَدَلْ

كلٌّ جَرَى بِمَدارِهِ
مُذْ كان فيه ولم يَزَلْ

وَقَّدْتَها فَتَلأْلأَتْ
في الليلِ ، أَبْهَرَتِ المُقَلْ

هذا تَغنّى بالسُها
وسِواهُ أَذْهَلهُ زُحَلْ

كم ضَلَّ فِكِّيرٌ بها
فدَعا بِها ولها ابْتَهلْ

عُبِدَتْ وأَنتَ بَديعُها
جلَّ الإلهُ بما فَعَلْ

* * *
مَولايَ أَلْهَمْتَ الكَنارْ

والحُوتَ في قاعِ البِحارْ
وأَجَبْتَ كلاًّ بالذي

يدعوكَ من حيثُ اسْتجارْ
كم من بِحارٍ ماؤها

مِلحٌ وحُلْوٌ في جِوارْ
وسَمِعْتَ في أحشائها

شكوى الصِغارِ من الكبارْ
أَبصرْتَ في ظُلُمَاتِها

فالليلُ عندَك كالنَهارْ
ورَعَيْتَ فيها أَنفُساً

عَدَّ الرمالِ من القِفارْ
أَبْدعْتَ أَلواناً بها

تفكيرُ أَهلِ الفِكرِ حارْ
لم يُحْصِها إلاكَ يا

مَن علمُهُ،أحْصى الغُبارْ
* * *

والنحْلُ قد عَلَّمْتَهُ
جَنى الرحيقِ من الزُهورْ

والنَمْلُ أَنْتَ رَفَدْتَهُ
بالرِزْقِ في عُمْقِ الجُحورْ

سِيّانِ عندكَ رِزْقُها
رَبّي ، وأَرْزاقُ النُسورْ

هذي الخَلائقُ بَعْضُها
يَبْغي على بَعْضٍ،يَجورْ

لكن بِعِلْمِكَ دونما
شَكٍّ فأنتَ بِها بَصيرْ

ما سِرُّ هذا ،رَبَّنا ؟
أَنَّى وأَنتَ لها النَصيرْ

قد حُيِّرتْ أَلْبابُنا
في ذلِكَ السِرِّ الخَطيرْ

ضَلَّتْ عُقُولُ ذوي النُهى
أَنتَ العَليمُ بِنا الخَبيرْ

رُوحٌ على روحٍ بَغَتْ!
هذا لَعَمْري ما يُثيرْ

مَوْلايَ أَمْرُ ك بالغٌ
أَنْتَ المُهَيْمِنُ والقَديرْ

يا رَبِّ حِكْمَتَك التي
أَوْدَعْتَها طَيَّ الصُدورْ

وامْنٌنْ علينا بالهُدى
واغْفِرْ لنا يومَ النُشورْ

* * * * *
© 2024 - موقع الشعر