لو جئتَ نارَ الهُدى من جانبِ الطُّوْرِ - الرصافي البلنسي

لو جئتَ نارَ الهُدى من جانبِ الطُّوْرِ
قبستَ ما شئتَ منْ علمٍ ومن نورِ

من كلِّ زهراءَ لم تُرْفَعْ ذُؤَابَتُها
ليلاً لسارٍ ولم تشببْ لمقرورِ

قيضية ُ القدحِ من نورِ النبوَّة ِ
أَو نورِ الهداية ِ تَجْلُو ظُلْمَة َ الزُّورِ

ما زال يقضمها التقوى بموقدِها
صوامُ هاجرة ٍ قوامُ ديجورِ

حتى أَضَاءَتْ من الإيمانِ عَنْ قَبَسٍ
قد كان تحتَ رمادِ الكفرِ، مكفورِ

نورٌ طوَى اللهُ زندض الكونِ منه على
سقطٍ إِلى زمنِ المهديِّ مذخور

وآية ٌ كإِياة ِ الشمسِ بين يديْ
غزوٍ على المَلكِ القيسيِّ مَنْذُورِ

يا دارُ دارَ أميرِ المؤمنينَ بسفْ
حِ الطودِ، طودِ الهدَى ، بورِكتِ في الدورِ

ذاتَ العمادينِ من عزٍّ ومملكة ٍ
على الأَساسين من قُدْسٍ وَتَطْهِير

ما كانَ بانيكِ بالواني الكرامة ِ عن
قَصْرٍ على مَجْمَعِ البَحْرَيْنِ مَقْصُوْرِ

مواطىء من نبيٍّ طال ما وصلتْ
فيها الخطَى بين تسبيحٍ وتكبيرِ

حيثُ استقلتْ به نعلاهُ بوركتاَ
فَطَيَّبَتْ كلَّ مَوْطُوءٍ وَمَعْبُورِ

وحيثُ قامت قناة ُ الدين تَرْفُلُ في
لواءِ نصرٍ على البرينِ منشورِ

في كفِّ منشمرِ البردينِ ذي ورعٍ
على التُّقَى وَصَفاءِ النَّفْسِ مَفْطُورِ

يلقاكَ في حالِ غيبٍ من سريرتهِ
بعالمِ القدسِ مشهورٍ ومحضور

تسنمَ الفلكَ من شطِّ المجازِ وقد
نُوْدِينَ ياخَيْرَ أَفْلاكِ العُلا سِيْري

فسرنَ يحملنَ أمرَ اللهِ من ملكٍ
بالله مُسْتَنْصِرٍ في اللهِ مَنْصُوْرِ

يومي له بسجودٍ كلُّ محركة ٍ
منها ويوليه حمداً كلُّ تصدير

لما تسابقنَ في بحرِ الزقاقِ به
تركْنَ شطَّيْهِ في شكٍّ وتجيير

أهزَّ من موجه أثناءَ مسرورِ
أم خاضَ من لجِّهِ أحشاء مذعورِ

كأنه سالكٌ منه على وَشَلٍ
في الأرْضِ مِنْ مُهَجِ الأسْيَافِ مقطورِ

من السيوفِ التي ذابتْ لِسَطْوَتِهِ
وقد رمى نارَ هَيْجَانا بِتَسْعِير

ذو المُنْشَآتِ الجَواري في أَجِرَّتِها
شَكْلُ الغدائِر في سَدْلٍ وَتَضْفيرِ

أغرَى المياهَ وأنفاسَ الرياحِ بها
ما في سجاياهُ من لينٍ وتعطير

من كلِّ عذراءَ حبلى في ترائبها
ردعانِ من عنبرٍ وردٍ وكافُور

تخالُهَا بينَ أيدٍ من مجاذفها
يَغْرَقْنَ في مِثْلِ ماءِ الوَرْدِ مِنْ جُوْرِ

وربَّما خاضَتِ التيَّارَ طائرة ً
بمثلِ أَجْنِحَة ِ الفُتْخِ الكَوَاسِيرِ

كأنما عبرتْ تختالُ عائمة ً
في زاخرٍ منْ نَدَى يُمْناهُ مَعْصُور

حتى رَمَتْ جَبَلَ الفَتْحَينِ مِنْ كَثَبِ
بساطعٍ من سَناهُ غَيْرَ مبهور

للهِ ما جبلُ الفتحينِ من جبلِ
مُعَظَّمِ القَدْرِ في الأحْبالِ مَذْكُورِ

من شامخِ الأنْفِ في سَحْنائِهِ طَلَسٌ
له من الغيمِ جيبٌ غيرُ مزورِ

مُعَبِّراً بذَرَاهُ عن ذَرَى مَلِكٍ
مُسْتَمْطَرِ الكفِّ والأكْنافِ مَمْطور

تمسي النجومُ على إكليلِ مفرقِهِ
في الجوِّ حائمة ً مثلَ الدَّنانير

وربما مسحتهُ من ذوائبِها
بكلِّ فضلٍ على فوديهِ مجرورِ

وأدردٍ من ثناياهُ بما أخذتْ
منه معاجمُ أَعْوَادِ الدَّهارير

محنكٌ حلبَ الأيامَ أشطُرهَا
وساقها سوقَ حادي العيرِ للعيرِ

مُقَيَّدُ الخَطْوِ جَوَّالُ الخواطرِ في
في عجيبِ أَمْرَيْهِ من ماضٍ ومنظور

قد واصلَ الصمتَ والإطراقَ مفتكراً
بادي السكينة ِ مُغْفَرِّ الأسارير

كأنه مكمدٌ مما تعبدهُ
خَوْفُ الوعيدينِ من دكٍّ وتسيير

أَخْلِقْ به وجبالُ الأرضِ راجفة
أنْ يطمئنَّ غداً من كلِّ محذورِ

كفاهُ فضلاً أنِ انتابتْ مواطئهُ
نَعْلا مليكٍ كريمِ السَّعْيِ مشكور

مُسْتَنْشِئاً بهما ريحَ الشَّفاعة ِ مِنْ
ثرَى إِمامٍ بأقصَى الغربش مقبورِ

ما انفكَّ آملَ أَمرٍ منه بينَ يديْ
يومِ القيامة ِ محتومٍ وقدورِ

حتى تصدَّى منَ الدنيا على رمقٍ
يستنجزُ الوعدَ قبلَ النفخِ في الصورِ

مستقبلَ الجانبِ الغربيِّ مرتقباً
كأنَّه بائتٌ في جو أسميرِ

لبارقٍ من حُسامٍ سَلَّهُ قَدَراً
بالغربِ من أُفُقِ البيضِ المشاهيرِ

إذا تأَلَّقَ قَيْسِيَّاً أَهابَ به
إلى شَفَا من مُضاعِ الدين مَوْتُور

ملكٌ أتى عظماً فوق الزمانِ فما
يمرُّ فيه بشيءِ غيرِ محقورِ

ما عنَّ في الدين والدنيا له أربٌ
إِلا تأَتَّى له مِنْ غَيْرِ تَعْذِير

ولارَمَى من أَمانِيْهِ إلى غَرَضٍ
إِلا هَدَى سَهْمَهُ نُجْحُ المقادير

حتى كأنَّ له في كلِّ آونة
سلطانَ رقٍّ على الدُّنيا وتسخيرِ

مميزُ الجيشِ ملتفَّاً مواكبهُ
مِنْ كلِّ مثلولِ عرشِ المُلْكِ مَقْهُور

من الأُوْلى خَضَعُوا قَسْراً له وَعَنَوْا
لأمرِهِ بينَ منهيٍّ ومأْمُورِ

من بعدِ ما عاندوا أمراً فما تركوا
إِذْ أمكنَ العفوُ ميسوراً لمعسورِ

بَقِيَّة ُ الحربِ فاتوها وما بِهِمْ
في الضربِ والطعنِ سيماءٌ لتقصيرِ

لا ينكرُ القومُ مما في أكفهمُ
بيضِ مفاليلَ أو سمرٍ مكاسيرِ

إذا صَدَعْتَ بأمْرِ الله مُجْتَهِداً
ضربتَ وحدكَ أعناقَ الجماهيرِ

لا يذهلنَّ لتقليلِ أَخُو سببٍ
من الأُمورِ ولا يَرْكَنْ لِتَكْثِيرِ

فالبحرُ قد عادَ منْ ضربِ العصا يبساً
والأَرْضُ قد غَرِقَتْ من فَوْرِ تَنُّور

وإِنَّما هو سَيْفُ اللهِ قَلَّدَهُ
أَقْوَى الهُداة يَداً في دَفْعِ مَحْذُور

فان يكنْ بيدِ المهديِّ قائِمُهُ
فموضعُ الحدِّ منه جدُّ مَشْهور

والشمسُ إِنْ ذكرتْ موسى فما نسيتْ
فتاه يوشعَ قماعَ الجبابيرِ

© 2024 - موقع الشعر