لزوم ما يلزم ( 18 - 24 ) - نجيب سرور

( 18 )
 
إلى آرتور شوبنهاور
 
...
 
أنت يا آرتور حر !
 
فامسخ العالم ما دام " إرادة .. وتصور "
 
وتصور بعد هذا ما تريد ..
 
أنت حر !
 
قل بأن العقل محدود وقاصر ،
 
وبأن الشر في العالم خالد ،
 
وبأن الخير شر .. وبأن الشر خير ،
 
واقْلِبِ الأبيضَ أسود ..
 
واجعل الأسودَ يزدادُ سوادا .. أنت حر !
 
قل بحرب الكل ضد الكل .. حارب .. أنت حر !
 
قل بأن الناس قطعان بهائم ..
 
أو دُمىً عمياءُ .. قل ان الحياة ..
 
شبهُ كابوس رهيب ،
 
وكما شئت تشاءم .. أنت حر !
 
أنا أيضاً أتصور ..
 
ما أريد ..
 
أنا حر !
 
فأرى أنك خنزير قذر ..
 
حين تدعونا إلى أن ننتحر ،
 
ثم تحيا أنت سبعين سنة ..
 
واثنتين !
 
ياخبيث !
 
أو تكون ابنا ( لبانكير ) وتُغَنىَّ بالشقاء ،
 
قدراً للكل .. حتى الأغنياء ..
 
ايه يا أرتور كم أنت منافق
 
ما الذى يبقى سوى الزهد لنا .. للفقراء ؟ !
 
أنا أيضاً أتصور ..
 
ما أريد ..
 
أنا حر .. !
 
فأرى " البنك " هو الشر بذاته ،
 
وأرى " الشر " هو البنك بذاته ،
 
وهو " الشىء بذاته "
 
ولذاته ..
 
الذى يجعل من هذى الحياة ،
 
شبه كابوس رهيب
 
قد ترى العكس .. وطبعاً أنت حر !
 
( 19 )
 
الحق قال الأولون :
 
( مات الذين .. يختشون ) !
 
ماتوا .. وعاش الداعرون ..
 
الفاجرون .
 
انظر اليهم يعرضون ..
 
عوراتهم .. مثل البغايا في المعابد !
 
ومثقفون ..
 
فيما يقال .. مثقفون !
 
الحق قال الأولون :
 
( مات الذين يختشون ) !
 
( 20 )
 
المهرج
 
...
 
ها شلة الفرسان قد ملت تعاويذ الملل ..
 
النرد والشطرنج والشيشه واللغو المبعثر للصباح ..
 
كمثل شعر العاهرة !
 
" كيخوت أضحكنا ! " .. وينتظرون آخر نادرة
 
هم وزعوا الأدوار فأهنأ بالمهرج !
 
وأهرع إلى المكياج خط ها هنا .. خط هناك ..
 
ها أنت مثل القرد .. فابدأ فى المرح ،
 
قص النوادر والملح .
 
أسرع .. فقد ملوا طويل الانتظار ،
 
ورفع الستار ..
 
وليرقص الفرخ الذبيح ليضحكوا ..
 
هم يضحكون ..
 
ما بالها الضحكات تخرج باهته ..
 
وتكاد تقذف في وجوههم المثل ،
 
يا بئس حظ اثنين : ( عيان ) .. يضاجع ميته !
 
( 21 )
 
ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان !
 
ورأيت قديسين فى عرض الطريق ،
 
لا في الصوامع والجوامع والكنائس ..
 
والأديرة !
 
كانوا عرايا .. لاثياب ولا مسوح ولا عمائم .
 
كانوا جياعاً كاليتامى فى الولائم.
 
كانوا عطاشا .. كالمسيح ،
 
لاشىء غير الخل ممزوجاً بمر ..
 
أعطوه .. وهو على الصليب !
 
كانوا ألوفا في الطريق ..
 
والسيف مشدود على أعناقهم دوماً بشعرة .
 
يا قلب " ديموقليس " من أين الشجاعة ..
 
ما سرها .. ما مصلها .. ماذا لديهم من تمائم ؟ !
 
يا للبسالة .. لارقى .. لا أحجبة !
 
كلماتهم سحر ولكن لم يكن سحر الكِهَانَة ،
 
الغاز دجالين ترسل في الدخان وفي البخور ،
 
مصفرة مثل اللَّحَى ..
 
حكماء كانوا مثلما البسطاء فى أخطاب .. أو بسطاء مثل الحكماء !
 
الصدق يقطر والوضوح ..
 
من همسهم .. كانوا جميعاً يهمسون ،
 
إن حدثوك .. لأن للجدران آذاناً كآذان الحمار ،
 
والليل مزروع عيوناً والنهار .
 
ما الشمس .. ما نور القمر ،
 
ما ضوء آلاف النجوم ،
 
فى قريتى أحلى بهاء ..
 
من هذه الهمسات فى ليل المدينة !
 
كانوا كما الفرسان لكن عزلا مثل الحمام .
 
بالأمس عاد السرب تنقصه حمامة ،
 
واليوم عاد السرب تنقصه حمامة ،
 
وغدا ستنقصه حمامة ..
 
لكنه لاينتهى سرب الحمام !
 
ما زالت الأفراخ تخرج بالألوف ،
 
ما زالت الأبراج ملأى والهديل ..
 
كالنبض في قلب المدينة ..
 
وافرحتاه !
 
- ما كنت ياكيخوت تدرى يومها ..
 
أن القداسة ربما تلد اللواطة ..
 
- واحسرتاه !
 
( 22 )
 
يا سيداتى .. يا أميراتى الحسان ..
 
ودرست في الكلية القانون .. قانونا لغابة ،
 
يُتْلى علينا من عصابة !
 
يا ألف نص .. كل نص ألف بند ،
 
في كل بند ألف حرف ،
 
في كل حرف ناب أفعى !
 
كم يبلغ المجموع ؟ لا أدرى .. فدوماً كان حظى في الحساب ..
 
صفرا .. وتحت الصفر بالبنط العريض
 
خُطّت " بليد " !
 
كان الحمام هناك أسرابا بصحن الجامعة ،
 
وبكل زاوية وصف
 
بالأمس كان الصف تنقصه حمامة ،
 
واليوم تنقصه حمامة ،
 
وغدا ستنقصه حمامة ،
 
بينا تدور ..
 
في قاعة الدرس اسطوانة ،
 
بالنص بعد النص .. تتلوها اسطوانة ،
 
حتى تدوخ !
 
وتدق في الدهليز أحذية الحرس ،
 
ثم الجرس !
 
ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان ..
 
ونقلت من صف لصف ..
 
باللّه لاتسألن كيف ..
 
وبأى تقدير .. فقد كنت " الضعيف ..
 
جداً " .. كما لو كان عندي فقر دم !
 
ياسيداتى .. ما علينا .. فالمهم ،
 
أنى تركت الجامعة ..
 
يوماً .. وفي الصف الأخير لغير عود ،
 
كى لا أُهان على هوان !
 
صدقننى ما خِفْتُ يوم الامتحان ،
 
بل خفت من جُحْرٍ هنالك للأفاعى ..
 
كان يصطاد الحمام ..
 
ماذا تقلن ..
 
أأنا جبان ؟ !
 
قلن الذي يحلو لكن !!
 
( 23 )
 
وشغفت بالتمثيل .. لم أعشق من الأدوار إلا دور هملت :
 
" العصر موبوء .. وسوء الحظ هوراشيو أناط البرء بى " !
 
يا سيداتى .. كنت فلاح الملامح لا تلائم سحنتى دور " الأمير " ،
 
لكن تلائم دور " حفار القبور "
 
كم كنت أكره ذلك الدور اللعين ،
 
أخشاه .. أهرب منه ..
 
" اعفونى .. فما أقوى على نبش القبور ،
 
وعلى التلاعب بالجماجم ! "
 
فأفوز من بعد الضراعة " بالشبح ! "
 
ما أتعس الأشباح في كل العصور
 
ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان ..
 
لاتُسندُ الأدوارُ فى المسرح وَفْقاً للقلوب !
 
لو لم يقلها شكسبير ..
 
قبلى .. لقلت الأرض مسرح
 
والناس فوق الأرض محض ممثلين ،
 
فُتِحَ الستارُ على البداية ،
 
ضُمَّ الستار على النهاية ،
 
لم يبق غير الصمت من بعد الرواية ،
 
ما أشبه المسرح خلوا بالضريح !!
 
( 24 )
 
وهويت فن الرسم .. كنت أريده دوماً نَمِر ،
 
فيجىء دوماً مَحْضَ قِطّ !
 
العيبُ في الألوانِ أم صنفِ الورق ؟
 
أم في النَّمِر ؟
 
أم ياتري في مقلتي ? !
 
وهويت من بَعْدُ القَصَص .
 
وكتبت آلافاً بأبطال كأدهم ..
 
لكنهم لايُقتلون مع النهاية ،
 
كالعادة الشمطاء في كل القَصَص !
 
من ثم ظلوا نائمين ..
 
في ظلمة الأدراج .. يا هول النهاية ،
 
من لم يمت بالسيف من أبطالنا لابد حتماً أن يموت ..
 
شنقاً .. ولكن في حبال العُنْكبوت !
 
ياسيداتى .. يا أميراتى الحسان ..
 
ونظمت أشعاراً على كل البحور ،
 
منها المقفى وفق ما قال " الخليل " ..
 
فانهالت الأيدى وما كانت من الوزن " الخفيف " ..
 
في الحالتين على قفاى .
 
العيب فيهن ياترى .. في الماشطات ؟ !
 
أم أن كل العيب في الوجه العكر ؟ .
© 2024 - موقع الشعر