لزوم ما لا يلزم ( 44- 53 ) - نجيب سرور

( 44 )
 
المسيح واللصوص !
 
...
 
- أباه !
 
- تصرخ في العراء على الصليب ،
 
والآب مشغول بعيدا لا يجيب .
 
عبثا تنادى ( لاحياة لمن تنادى ) ..
 
أنت منذ الآن وحدك ، أنت فى البلوى يتيم ،
 
فايأس .. أبعد الصلب ثمة من رجاء ؟ !
 
الكأس لم تعبر ، وكم صليت ..
 
يا أبتاه فلتعبر !
 
لماذا الآب شاء ..
 
ما كنت دوما لاتشاء ! ؟
 
لا أنت تدرى ، لا أنا أدرى ، ولا يدرى أحد .
 
لكنَّ شيئاً واحداً ندريه : أنت الآن شاة سمروها للخشب .
 
- من هم ؟ !
 
- وما الجدوى ؟ انحيا يا قتيل ..
 
لو قلت من هم قاتلوك ؟ !
 
- ( هذا جناه أبى على )
 
- والآب .. مظلوم أبوك !
 
لكن رويدك ، بعد لم تصلب ،
 
ستصلب أنت منذ الآن ألفا كل يوم !
 
بقلادة في صدر كاهن ،
 
أو رُقْيَةٍ ما بين ثديي عاهرة ،
 
أيقونة في بيت قواد ، كتاب أو حجاب ..
 
في جيب لوطنى ، ستحمل كل أوساخ البشر ،
 
سنصير منشفة بماخور لتمسح فيك أيدى الداخلين ،
 
والخارجين !
 
- يا للهلاك !
 
- أنصت وكف عن الصراخ .
 
- الشوك غاص إلى عظام الجمجمة !
 
- ستكون أوشاك تغوص إلى نخاعك كل يوم :
 
سيباح منذ الآن باسمك كل شىء .
 
سيباح قتل الأبرياء ..
 
باسم المسيح !
 
سيراق بحر من دماء ..
 
باسم المسيح !
 
ستقام أبراج ، قصور من جماجم ..
 
باسم المسيح !
 
سيكون عهر ، خسة ، زيف ، رياء ، أى شىء ..
 
باسم المسيح !
 
أنت الضحية ..
 
حقا ، ولكن أنت مذنب ،
 
القاتل المقتول أنت !
 
- يا للهلاك !
 
- أنصت وكف عن الصراخ ،
 
ذاك المساء ..
 
لما جلست إلى العَشَاء
 
كانوا جميعاً جالسين ،
 
حتى يهوذا كان يجلس بينهم ،
 
ما أكثر الأتباع حين يُوَزَّعُ الخُبْزَ المعلم !
 
مَدُّوا اليك أكفهم - يا
 
غابة الأيدى - فغطوا المائدة ،
 
ومضيت تعطي باليمين وبالشمال ..
 
خبزا (كلوا خبزى !) وراحوا يأكلون ،
 
كانوا جميعاً يمضغون ويبلعون ويقسمون :
 
( لا .. لن نخونك يا معلم ) !
 
والآن من منهم معك ؟
 
يا أيها المصلوب من منهم هنا ؟
 
لاذوا جميعاً بالجحور ،
 
واذاك وحدك والصليب .
 
لا .. بل هنا لصان كل دُقَّ مثلك في صليب ،
 
شكراً لهم .. قد ميزوك عن اللصوص بتاج شوك !
 
- يا للهلاك !
 
- مهلا .. فما هذان باللصين .. لكن اللصوص ..
 
يأتون باسمك ، ثم باسمك يحكمون ،
 
في أرضنا أرض اللصوص !
 
فغداً نراهم يخرجون من الجحور ..
 
جيشا من الكهان : ( خذ ما تستطيع ،
 
إصعد على جثث الجميع ،
 
دُسْ فوق أعناق القطيع )
 
باسم المسيح !
 
وسيحفظون - جميعهم - عن ظهر قلب ..
 
ما خطه الأتباع عنك .
 
لو جئت أنت تجادل الكهان سوف يدوخونك :
 
سيقول لوقا : قال مرقص :
 
إن متى قال : يوحنا يقول :
 
( في البدء كان الأمر أخرس ! )
 
حتما ستخرس .
 
- يا للهلاك !
 
- سيكون آلاف اللصوص ..
 
فوق العروش أباطرة ،
 
باسم المسيح !
 
تيجانهم ذهب ، ثيابهم حرير ،
 
وفراشهم ريش النعام ،
 
وطعامهم لحم المسيح !
 
- لكننى سأعود يوما ..
 
- هل تصدق ما تقول ؟ !
 
- الآب قال بأننى حتما أعود ،
 
ملكا على أرض البشر ،
 
لتسود في الناس المسرة والسلام !
 
- لو عدت منذا يعرفك ؟
 
- سأقول جئت أنا المسيح .
 
- سيطالبونك بالدليل ؟
 
- ستكون في جيبى البطاقة والجواز!
 
- هذا قليل ..
 
ما أسهل التزوير للأوراق في عصر اللصوص ،
 
ولديهم ( الخبراء ) سوف يؤكدون ..
 
أن الهوية زائفة !
 
- لكن عليها الخَتْمُ - خَتْمُ الأب -
 
- يا بئس الدليل !
 
سيؤكد الخبراء أن الختم برهان على زيف الهوية .
 
- سأريهم هذي الثقوب ..
 
في جبهتى - أنظر - وفي الكفين ، في الرجلين .. جئت
 
أنا المسيح ..
 
سأقول جئت أنا المسيح !
 
- سيقول لوقا : قال مرقص :
 
إن متى قال : يوحنا يقول :
 
" فى البدء كان الأمر اصلب ،
 
والآن صار الصلب أوجب !"
 
حتما ستصلب من جديد .
 
هم في انتظارك - كل أتباعك ، قطعان اللصوص -
 
هم في انتظارك بالصليب .
 
ماذا ؟ أتبكى ؟ كل شىء مضحك حتى الدموع !
 
العصر يضحك من دموعك ، من دموعى ، عصرنا عصر
 
اللصوص
 
بل أنت .. حتى أنت لص ،
 
لو لم تكن ما كان في الأرض اللصوص
 
حتى أنا لص .. ألم أخدع طويلاً باللصوص ؟ !
 
( 45 )
 
- سيقال يا كيخوت فيك ..
 
ما قاله في الخمر مالك !
 
أبشر .. ففى القاموس آلاف الصفات ..
 
- إلاَّ صفه ..
 
لن يذكروها الآن في حمى الشماتة ،
 
( 46 )
 
السنديانة أسقطتها عاصفة ..
 
يا جيش حطابين هيا بالبلط
 
ويل لمنكود سقط !
 
- تخشى الشماتة يا قتيل ؟
 
أى الأنوف يسيغ رائحة العدو ..
 
ميتا ، وما للميت أعداء ، ولا حتى لميت أصدقاء ؟
 
- لكن بعض الناس كلبىّ الغريزة ،
 
لا يستطيب سوى الجِيَف ،
 
- ماذا يضير الشاة سلخ بعد ذبح ؟
 
الكلب مات .. فمن تقاليد اللصوص ،
 
قتل الكلاب ..
 
قبل الولوج إلى الغنيمة !
 
( 47 )
 
قالوا بأن الشر مرحلة انتقال ،
 
فإلاَمَ كان الانتقال ؟
 
أَمِنَ اللصوصِ إلى لصوص ؟ !
 
مرحى ( أبا زيد ) كأنك ما غزوت !
 
( 48 )
 
كانت عصابات اللصوص ..
 
من قبل تنظيم ( الهواة ) ،
 
واليوم ساد ( الاحتراف ) ،
 
ما أبشع النهب الممنطق في مذاهب !
 
( 49 )
 
رباعيتان
 
...
 
إن كان حقا قد أتى طوفان
 
من قبل أن نأتى لأن العصر كان
 
فظا خسيسا .. أبشرى يا أرضنا
 
حتما سيأتى عصرنا طوفان !
 
* * *
 
قالوا : لقد مرت عصور من جليد
 
بالأرض فانتحرت وعادت من جديد
 
أسفا لتحيا .. ما لها لا تنتحر
 
في عصرنا ؟ كم ذا تطيق من الجليد ؟ !
 
( 50 )
 
لا .. لا مفر من الخطيئة ،
 
(أوديب) تتبعك النبوءة ،
 
يا وَيْحَه قَدَرٌ تفر اليه منه !
 
ها قد قتلت أباك ، فاطرق باب طيبه ..
 
لتلوغ في أحضان أمك .
 
* * *
 
ما أتعس الانسان يَعْمَى حين يبصر !
 
ما أتعس الانسان يبصر حين يعمى !
 
يا أيها الظلام مرحبا .. يا أيها الظلام !
 
يا دربى الذي بلا اتجاه ،
 
يا أوسع الدروب للانسان .
 
لم تفقدوا الضياء يا عميان ..
 
فيها دروب المبصرين زيف !
 
يا طيبة الوداع ..
 
يا موطن الطاعون والزنا والخوف ،
 
يا ملعب الأصنام والكهان !
 
ما الزيف يا أوديب ما الحقيقة ؟
 
ما النصر ، ما الهزيمة ؟
 
ما الجبن ، ما البطولة ،
 
ما العهر ، ما الفضيلة ؟
 
ما أى شىء .. ما نقيض أى شىء ؟ !
 
كم تستوى الأبقار في الظلام ..
 
فكلها باللون كالغربان !
 
بنيتى - يا أختى الوفية -
 
خذى يدى إلى بعيد ..
 
إلى بعيد !
 
أن تكذب الدروب في الظهيرة .
 
فأفضل الدروب درب ليل .
 
يا أيها الظلام .. يا ضيائى الوحيد .
 
( 51 )
 
سيقال أفلس برجوازى صغير !
 
أو ربما اختلفوا فقالوا : برجوازى وسط !
 
وسيهرعون إلى المراجع ،
 
كقطيع جرذان يفر من القطط ،
 
ليقول لوقا : قال مرقص :
 
إن متى قال : يوحنا يقول :
 
( البرجوازى الصغير
 
كالبرجوازى الوسط
 
محض انتهازى حقير ! ) .
 
الكأس دارت ، جاء دورك يا ذبيح ،
 
فاشرب ، لكم جرعتها للآخرين !
 
كم كنت تلقى بالتهم ..
 
ذات اليمين
 
ذات الشمال
 
ما أبشع الأختام في لحم الذبائح .
 
قد جهزوا الخانات والأقلام والحبر الزفر !
 
فابصق عليهم .. ليس ثمة عنك نص ،
 
ما كنت يا كيخوت لص ،
 
بل كنت دوماً محض كلب !
 
ما أبغض الكلب الوفى إلى اللصوص ..
 
( 52 )
 
كما جئت بلا أكفان
 
لقى للشمس والغربان والذؤبان ،
 
خطايانا بلا غفران !
 
وممن نسأل الغفران
 
وكل يسأل الغفران ؟ !
 
خطايانا على أكتافنا صلبان .
 
ولكن فيم أذنبنا ؟
 
لماذا دونما ذنب تعذبنا ؟
 
تعذبنا .. تعذبنا .. تعذبنا ..
 
لأنا حين أحببنا
 
رأينا الناسَ والدنيا بعين الحب
 
فرتلنا نشيد الوجد للمحبوب :
 
( فداك الروح والأكباد
 
كنوز الأرض يا محبوب ! )
 
وأمنا بلا برهان ،
 
وصدقنا بلا منطق .
 
قديما قيل : أعمى القلب والعينين من يعشق .
 
خطايانا - ويا للعار - أنا من بنى الانسان .
 
الينا أيها النسيان ..
 
فليس لخاطئين بغير ما ذنب سوى النسيان ! .
 
( 53 )
 
بالأمس يا كيخوت خمر
 
واليوم يا كيخوت خمر
 
وغدا وبعد غد وبعد البعد خمر ..
 
يا عالم الزيف المزوق مثل وجه العاهرة !
 
ماذا تبقى للعطاش ..
 
غير الغرق ؟
 
هيا إلى الأعماق .. يا غوصا يلوح بلا نهاية !
 
الكأس .. حتى الكأس يا كيخوت زيف ..
 
مرحى .. أمن زيف لزيف ؟ !
 
لو تصدق الأحلام - أحلام الكئوس ،
 
والنوم ، والصحو الكريه -
 
هل كانت الأحلام دارت في الرؤوس ؟ !
 
يا عالم الزيف المزوق مثل وجه العاهرة !
 
بالأمس يا كيخوت خمر
 
واليوم ياكيخوت خمر
 
وغدا ؟ وبعد غد ؟ وبعد البعد .. خمر ؟
 
كيف المفر ؟ !
© 2024 - موقع الشعر