العثور عَلَىْ حَيَاْة - محمد مظلوم

البطلُ
 
بعدَ عدةِ قُرونٍ منْ مقتلهِ
 
إثرَ مشاحناتِ نبلاْ،
 
يستيقظُ في الفنْدقِ،
 
عَلَىْ ستائرَ مذعورةٍ.
 
وبعينيهِ اللتينِ لم تتذكَّراْ أعداءهُ،
 
يرى ضجةً لمحاربينَ في العشْريْناتِ
 
يقطعونَ الشارعَ نحْوَ شرْفتهِ،
 
مُكوِّمِيْنَ أعْضاءهم الناقصةَ
 
في عرباتٍ.
 
ويتبادلونَ العناوينَ معَ المارةِ.
 
بينما أمَّهاتٌ عذراواتٌ،
 
يكْشفْنَ عنْ رُكبهنَّ
 
ويستعدنَ للتصوير.
 
*
 
يقولُ… وأكتُبُ
 
ينامُ… وأحلمُ.
 
أيُّنا هو؟
 
يحلمُ بيْ مُهرَّباً فيْ سفنِ القراصنةِ
 
وأنامُ وعَلَىْ رأسهِ عصابةٌ حمْراءُ
 
وعَلَىْ ثياب واحدِ منا ندوبٌ
 
وآثارُ خجلٍ منْ صورِ العاريات!
 
*
 
أقرأْ يديكَ،
 
أنا سيوفٌ حافيةُ الظلالِ، تخبطُ فيْ كلِّ الجهات
 
ولا حاجة بي لعداواتٍ بالمراسلة.
 
لملمْ عينيكَ من نوافذِ الباب، للعائدِ من ترابهِ
 
أنا أشجارٌ معصوبة العينينِ
 
تمشي عَلَىْ آثار صرخاتها
 
وليس ليْ شأنٌ
 
باللهبِ الذي يتعقبني.
 
*
 
سوِّ ثيابكَ في مواجهةِ الشبابيك التي
 
تناديك منها القرودُ
 
وفي أيديها ساعتُكَ القديمةُ.
 
أنا مراهناتٌ قديمةٌ
 
عَلَىْ انتظارِ أعدائي فيْ الصحْراء
 
وليس لي أسمٌ
 
عَلَىْ اللافتاتِ في الطابور.
 
*
 
يكثرُ الطيرانُ من حولي
 
ولا أنحني لالتقاط حجارةٍ من فمِ الأرضِ،
 
كأنما كلُّ زئبقٍ،
 
يُخَثِّرُ صورَتهُ ليهربَ من مآلهِ،
 
وكلُّ إغماضةٍ تهدمُ لمعانَ حشائشها
 
وتأوي إلى الطينِ
 
فأيُّ فجرٍ يقودني
 
إلى الموسيقى التي ألقتْ بنفسها من النافذة؟
 
في أيَّةِ جنَّةٍ أدفنُ أخْشابي المْحترقة؟
 
وأنا خليطٌ من أجراس شتى
 
ندهت ذكرياتها عَلَىْ قهقهة ماردٍ
 
رمى بنفسهِ من قطار المحاربين.
 
*
 
يدُ الخيال الملوَّثةُ بالحَيَاْةِ،
 
تمتدُّ من وراءِ ضماداتها
 
لتجرني في النهاراتِ كمشبوهٍ قديم
 
يضحكُ مما يرى
 
وعَلَىْ لسانه قفلٌ مالحٌ.
 
*
 
لم يكن الماضي بيتي، لأشعلَ مكتبتي،
 
وأسعلَ حبراً ينسى.
 
وليس حاضري معطفاً
 
أتنزه فيه بين أمطارٍ مشبوهةٍ.
 
أنا أيامٌ مذعورة من رواتها
 
أستطيعُ، فقط، أن أنبه جسدي من
 
أبواق مجذومة،
 
تعودُ من عناقها مع الأمواتِ،
 
أنا فقط،
 
أغسل أسناني كي أقبلَ الله دون كلام بائتٍ في فمي.
 
*
 
وحتى لو تعثَّرتُ بإيقونةٍ نائمةٍ
 
أنا عاشر النائمينَ في الحانةِ
 
وهم أقل مني في المشاغباتِ
 
إنهم يقرأونَ أشعاراً
 
عن الكراسي التي صُفَّت بلا خرائط
 
في مأتم بصحراء!.
 
الكراسي التي تتثاءبُ
 
وعليها معاطف غامضةٌ
 
تُركتْ بانتظار جلودهم،
 
ليس المظليينَ الضالين
 
ولا الفارين من حروب أهليةٍ في السماء،
 
يقرأونَ خلوداً في حَيَاْةٍ ليست لأحد،
 
مصادفاتٌ تنام في الماضي
 
وهي ليست من خطأٍ أكيد.
 
*
 
ومثلهم
 
يرتجف النائمون وهم قتلى في الشاحنة.
 
الجسد يصطدمُ بنارِ سطور كلما اندلقَ الحبرُ
 
عَلَىْ غير قصد،
 
كأنما تخضبُ الملائكةُ أرواحها من لهجةِ الأرضِ،
 
وهي كلامٌ موصى به من الموت.
 
ومثلهم أيضاً
 
القتلى يرتجفون وهم يخرجون من نومهم في الشاحنة.
 
*
 
الحَيَاْةُ التي عشتُها قبل الحرب،
 
تُشبهُ الحَيَاْةَ التي عشتها قبل الحرب!
 
ما عدا مناديلَ زرقاء
 
تخفق فوق الباصات!
 
ما عدا مقاهيَ
 
شاخ روادها بآخر رمية نردٍ
 
ولم يبقَ سوى الله ينتظر المحاربين،
 
ما عدا مبارياتٍ
 
بين الأرضِ والعرق الملوَّنِ
 
من قمصان لاعبين هربوا إلى أوروبا،
 
ما عدا عاداتٍ علنيةً
 
لشبانٍ يقطنون حرمانهم
 
وهم فخورون بفحولتهم،
 
ما عدا دروسنا
 
تسجُننا كلّ يومٍ
 
وسجانونا آباؤنا ببدلاتٍ قصيرة!
 
وربطاتِ عُنقٍ لمقاومة الصيف!
 
ما عدا عائلةً بتنور واحد ونيران متعددة،
 
تخبز زجاج حياتها،
 
ليتسلل منها أبناء يستحقون النسيان،
 
يستبدلون بنادقهم وبساطيلهم
 
بجنةٍ تخبز لهم ندماً في المنفى
 
غيرَ أنَّ الحَيَاْةَ التي قُتلتْ في الحرب،
 
زوجتني من حَيَاْةٍ أخرى.
 
نافستُ عليها موتاً أشقرَ وطويلاً،
 
ما عدا ذلك،
 
أنا نائم ولي سيرة أخرى.
© 2024 - موقع الشعر