عَلَىْ غير ما أتذكر - محمد مظلوم

للمرَّةِ الأخيْرةِ
 
مجالساتٌ
 
وَعِرَةٌ
 
أجْعَلُها خَلْفِيْ
 
وأتكئُ عَلَىْ كَتِفِ النَّهار،
 
وأعوْدُ مُضمَّداً بنيْرانيْ إلى المقْهىْ
 
وأرويْ
 
قصةَ عنْ شُعُوبٍ
 
تتقاتلُ في الطِّيْنِ عَلَىْ نجمةٍ تائهة.
 
للمرَّة الأخيْرةِ
 
والباصاتُ أمامَ عينيْ
 
خيباتُ نسوةٍ لمْ يَعُدْنَ مِنَ الأساطيْر،
 
وبينَ التائهِ والعائدِ من أسْرِه!
 
أرتابُ بقبَّعاتٍ سُوْدٍ تَتَطَاْيَرُ عِنْدَ الأضْرِحَةِ
 
كالْغِرْبَاْنِ، مُنْتَصَفَ النَّهَاْرِ
 
أقُوُلُ:
 
هَذِهِ حَيَاْةٌ مُلَوَّنةٌ فْي مَنَاْم
 
وأحَدُهُمْ يُعِيْشُ فيْ الِمِذْيَاْعِ
 
وَيَمْشِيْ فْي الطُّرُقَاْتِ بِلاْ وَجْهٍ
 
ويقولُ: هذهِ حَيَاْتِيْ.
 
*
 
ليْستْ بهذهِ الأنحاءِ، فَدَعُوُهُمْ
 
يُحْرِقُوُنَ تَرِكَاْتِ الأسَاْطِيْرِ
 
فْي مَدِيْنَةِ (الثَّوْرَةِ)
 
كَوَبَاْءٍ يَتَقَلَّبُ فْي آبَاْرِهِ
 
وَمِنْ حَوْلَهُ غِزْلانٌ
 
مِنْ شُعُوبٌ تُشْوَىْ صَرَخَاْتُهَاْ
 
إنَّهَاْ قَوُاْفِلُ مِنْ دِيَاْنَاْتٍ حَاْفِيَةٍ
 
هَاْجَمَتْهَاْ الطَّاْئِرَاْتُ فِيْ الصَّحْرَاْءِ
 
أضْوَاءٌ مُرَّةٌ فِيْ الوادِيْ
 
تَجْتَاْزُهَا الفَرَاْشَاْتُ إلَىْ الطِّفْلِ
 
حيث عري تام يصهل في السماءِ
 
ليستْ بهذه الأنْحاءِ
 
فلا أحدٌ عَلَىْ جسدٍ ولا جناحَ للنهار
 
*
 
للمرة الأخيرةِ
 
والمدارس لا تصلحُ بساتينَ للهذيان
 
ولا مَرَابطَ لِخَيلِ التوحيدي
 
والمعلمُ لمْ يقشِّرْ عَلَىْ أيدينا تفاحةً
 
فكيفَ نطردُ من النهار
 
إلى عطلة الحلاقينَ؟
 
عاطلونَ بالتظاهراتِ،
 
ومستاءونَ في المستشفياتِ
 
وفي اليوم الثالث،
 
أراجيح عاليةٌ
 
نطير فيها فوق الأعياد.
 
*
 
حتى أساتذتي
 
الذين تركوني عَلَىْ مقعد الدرس،
 
أراقبُ، من سور الحديقة المهدوم،
 
جنازاتهم المنتحبة،
 
رأيْتُهم في المنفى
 
وقد نشروا جلودهم عَلَىْ الجبال،
 
وحلقوا شواربَهم في عواصمَ هجريةٍ
 
حتى أصدقائي،
 
الذين هجرتهم في القبو،
 
أنجبوا أشقاء لميراثهم في المنفى,
 
*
 
حتى أنني نسيتُ
 
أن أستيقظ من إجازتي،
 
حتى أنني وقفتُ
 
وقفتُ بين الأسْلحةِ مائلاً
 
حتى أنني وأشجاري
 
ومعاطفي وأجراسي المنهكة أيضاً
 
صعدنا متدافعينِ، إلى الحافلة.
 
حتى أنني
 
ألَّفتُ أخباراً لمستقبلي المشبوه
 
وبذرتها لطيور ساحة الميدان،
 
حتى أن اللغةَ
 
لم تكمل الطيرانَ فوق الجبهاتِ،
 
بينما أعشاشها مستعمرات ومنافٍ،
 
حتى أنني سندسَ
 
لم تكفَّ عن التحليق أيضاً
 
لولا دُميتانِ في المكتبة!
 
……..
 
لقد كنتُ أزاولُ الحَيَاْةَ حقاً.
 
*
 
أما الطبيعةُ،
 
فعندما ينطفئُ السياجُ بيننا
 
أنا وهذهِ المشاغباتُ التي تتشبّهُ بالتاريخِ،
 
أما الحقيبةُ،
 
فمعلقةٌ عَلَىْ دموعٍ تتعبُ بالتدريجِ،
 
أما الجوازاتُ،
 
فلا أحدٌ يعودُ
 
ليستعيدَها منْ طروادةَ.
 
وكلُّ هذا
 
إسرافٌ فيْ مُعانقةِ الفُوضىْ،
 
ولولاْ ذلكَ
 
لم تلتقط الشمْسُ
 
صورةً لجنَّةٍ فيْ المنْزلِ،
 
أما الشعاراتُ
 
فعميانٌ يلعبون النردَ في المنفىْ
 
كما لو أن قبضةً غامضةً
 
تلوحُ في قطار ينعسُ أمامَ مُنْتَظريْه.
© 2024 - موقع الشعر