خُــذْ مــا تشــاءُ ولا تُصــالِحْ - هلال الفارع

إلى أن أراكَ، بعيدًا عن النَّفْيِ والسَّبْيِ،
 
أو خَلْفَ أُنْشوطَةِ المذْبَحَهْ
 
إِلى أن أراكَ تَجيءُ على غَيمَةٍ لا تَرُشُّ دَمًا،
 
أو تُرَشْرِشُ حُزنًا، وَتُقْنِعَني
 
أَنَّ هذا النَّجيعَ دُموعُ الغُيومِ الثَّكالى،
 
تَفَلَّتَ مِنْ فائِضِ الأَجنِحَهْ
 
إلى أنْ نَرى بَعضَنا - بَعْد عُمْرٍ طَويلٍ -
 
وَمِنْ بَعدِ سَبْيَيْنِ حُرَّيْنِ،
 
في دَكَّةِ المشْرَحَهْ
 
سَأَكتُبُ يا صاحِبي بادِئًا مِنْ هَديلِ الحمامْ
 
ومُنْطَلِقًا في جُذورِ السُّقوطِ التي لم تَعُدْ مثلَ حُلْمي،
 
مُسافِرَةً في حنايا الظَّلامْ
 
فَعُدَّ مَعي إِنْ يَكُنْ في أَصابِعِكِ العَشْرِ مُتَّسَعٌ،
 
أو أصابِعِكَ الأُخْرَياتْ
 
وَعُدَّ -كما شِئْتَ-
 
ما شِئْتَ مِنْ ظَمَإٍ باتَ في حَلْقِ يافا،
 
وَماتَ لدى دَنِّ بَغْدادَ في غَفْلَةٍ مِنْ كُؤوسِ الفُراتْ
 
وَفي نَهْنَهاتِ القُلوبِ على زَوْرَقِ الأَضْرِحَهْ
 
فَكَمْ - يا صديقي- أَنا طَيِّبٌ في قصيدي ،
 
وكم أَنْتَ مُلْتَهِبٌ كالقَصائِدِ،
 
حينَ تَصُبُّ أَحاسيسَها في جِرابِ الصَّبايا،
 
لِتَنبُتَ أَشرِعَةً في الخُدودِ،
 
وَأَورِدَةً لِلصُّدودِ،
 
وَأُنْموذَجًا لِلهدايا!
 
وكَمْ – يا صديقي - أَنا طَيِّبٌ !!
 
لم أَزَلْ في انْتِظارِ الرِّياحِ لِتَحْمِلَني خارِجَ العُرْيِ،
 
أَوْ عَلَّها أَنْ تَهُبَّ عَليَّ،
 
لِتَدْفَعَ عَنِّي القليلَ مِنَ الخَوْفِ مِنْ خَطَإِ الأَسْلِحَهْ!!
 
سأَكتُبُ عَنّي وَعَنْكَ،
 
فلا تَبْتَئِسْ لو تَراني أُخالِفُكَ الحَرْفَ في المعْمَعَهْ
 
ولا تَحْتَرِسْ مِنْ حُروفي،
 
لأَني سَأُرسِلُها دونما أَقنِعَهْ
 
وَلا يَتَوَجَّسُ إلا الذي هابَ أن يَتَهَجَّى
 
على سَيْفِ قاتِلِهِ مَصْرَعَهْ
 
فَدَعْ لي حُروفي،
 
كما – ذاتَ يومٍ – تَرَكتَ دمي غارِقًا في دِمائي،
 
على مَذبَحِ المَصلَحَهْ
 
وَدَعْني أُتَأْتِئُ،
 
عَلِّي أُهَجِّي بَقايايَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ،
 
ولا تَسْتَبِقْ - قبلَ موتي- مِنَ الدَّمْعِ
 
لا تَسْتَرِقْ – دونَ صوتي- مِنَ السَّمْعِ ما تشتهي،
 
لا تَقِفْ دونَ سَيْفٍ يُصَلِّي على رَمْلِ خارِطَةٍ كالِحَهْ
 
لقد قلتَ لي: أَعْطِني بَعْضَ عَيْنَيْكَ،
 
أَو بعضَ صَبْرِكَ،
 
كي لا أَضِلَّ الطريقَ إلى بيدَري
 
قلتَ لي ذاتَ يومٍ: تَحَمَّلْ معي،
 
أو تَلَطَّفْ إذا صِرْتَ يومًا على حافَةِ الدَّمْعِ منِّي،
 
فقُلْتُ: امتَشِقْ مَدْمَعي
 
لا تُصالِحْ إذا لم تَفُزْ بالدَّمِ المُسْتَباحِ لدى العَسْكَرِ
 
قُلْتَ لي: أنتَ غيري،
 
وَطَوَّعْتُ جُرْحي لِيَنْزِفَ ماءً بِلا نَرْجِسٍ في دروبي التي
 
ضَيَّعَتْها بَساطِيرُ غيري
 
وَقُمْتُ أَلُمُّ بَقايا عِظامي، وأَحْزِمُها باقَةً باقَةً
 
مِنْ رَدَاكَ الذي لَفَّني في المَنافي ونامْ
 
وما كنتُ يومًا به نَرْجِسِيَّ المَواويلِ حينَ افْتَرَقْنا
 
على بابِ مَوْتي المُرَصَّعِ بالنازِعاتْ
 
وما كنتُ غَيْرَ الذي شِئْتَ أَنْتَ،
 
وما شاءَ لي عِشْقُ هذا المَواتْ
 
وقد قيلَ لي: كُنْ.. فَكُنْتُ،
 
ولم أَسْتَفِقْ مِنْ ذُهولي على مُفْرداتِ السلامْ
 
وقد قيلَ لي: كُنْ إِذا شِئْتَ شيْئًا مِنَ الحُلْمِ والْمُنْتَهى
 
قُلْتُ: لا، سوفَ أَدنو قليلا مِنَ الوَهْمِ والمُشْتَهى
 
عِنْدَ خَمْرِ اللُّغاتِ الجَديدَةِ في الذّاكِرَهْ
 
إذا ما اسْتَقالَتْ عُروقي مِنَ النَّبْضِ في الذُّرْوَةِ السَّاحِرَهْ
 
وَقُلْتُ: سَأَدْنو لِلَثْمِ الحُروقِ التي
 
شَبَّها الخَفْقُ في لَمْعَةِ الخاصِرَهْ
 
هُناكَ دَفَنَّا الصُّراخَ معًا ثمَّ عُدْنا بِأَشلائِنا
 
كَي نُزَيِّنَ مِنْها صُدورَ العَذارى عَلى شُرْفَةِ النَّاصِرَِهْ
 
وقُلْتُ: أَما آنَ للسابِقينَ الخُيولَ اعتِلاءُ الخُيولْ
 
بِلا رَجْفَةٍ، أَو ذُهولْ ؟!
 
وما كانَ لي في يَدي مَهْرُ صَوْتي،
 
ولم أَعْتَنِقْ – مِثْلما قُلتَ لي – لَوْنَ موتي
 
وما في يدي غيرُ شِبْرِيَّةٍ شَرَّشَتْ في الحِزامْ
 
عليها يَدٌ.. لم تَكُنْ لي
 
فقلْ لي:
 
لماذا تَنَصَّلْتَ مِني لدى المِقْصَلَهْ،
 
وكانَ علَيَّ ارتِداؤُكَ في زَفَّةِ القُنْبُلَهْ؟!
 
أَلا فاعْطِني الآنَ أنتَ الذي ماتَ في خاطِري
 
منذُ أَنْ أُخْصِبَتْ فِكْرَةُ المَهْزَلَهْ
 
أَلا فاعطِني فِكْرَتي قبلَ أَنْ تَسْتَقيلَ العُروقُ مِنَ الدَّفْقِ
 
أَو تَسْتحيلَ الحُروقُ على الخَفْقِِ
 
في غَفْلَةٍ مِنْ شُعوري
 
وهاتِ الذي بيننا مِنْ بَقايا الوَرَمْ
 
لعلِّي أَصُبُّ مِنَ القَلْبِ شَيْئًا يسيرًا على مُفرَداتِ العَدَمْ
 
فنحنُ بِما في شِعابِ القَصائِدِ أَدرى،
 
إِذا حَشْرَجَتْ في الصُّدورِ
 
فَكلُّ الذي صَبَّ في بَرْزَخِ الظَّهْرِ يكفي
 
لوِ احْتَضَنَتْ خُطْوَتي، أَو خُطاكَ ظِلالَ النَّدَمْ
 
لقد كانَ يَكْفي نِدائي،
 
لو اسْتَمَعَتْ رِدَّتي عَنْ يَدي للنِّداءْ
 
لقد كانَ يكفي الهواءْ
 
لكي تستَحمَّ على خَدِّهِ قُبْلَتي
 
كانَ يكفيكَ أَنْ تَبْذُرَ الليلَ واللوزَ في خُطوتي
 
كانَ يَكفيكَ أَنْ تزرعَ الوردَ
 
إِنْ لم يَكُنْ لي ... فَلَكْ
 
فَمَنْ أَخَّرَكْ ؟!
 
فها أَنا من بعدِ خمسينَ ذَبْحًا، وسبعٍ
 
أَرى مَقْتَلَكْ
 
وها أَنذا أَحْمِلُ الآنَ في رايَتي
 
ما استقالَ مِنَ النَّزْعِ في رايَتِكْ
 
كذا، فاتْلُ لي بعضَ ما نَزَّ مِنْ آيَتِكْ
 
ودَعْني،
 
سَأَدْنو قليلا مِنَ الوَهمِ والمُشْتَهى
 
فادْنُ منِّي قليلا، وقلْ لي
 
إذا ما رَأَيْتَ يدي، وهي تَمْتَدُّ في غَفْلَةٍ،
 
كي تُواري يدي في يَدَيْكْ ؟!
 
ألا فادْنُ مِني، وَقُلْ..لا عَلَيْكْ
 
فقد كانَ قبلي امتِلاءٌ بِكُلِّ السُّؤال
 
وقَبْلي وبَعْديَ كانَ احْتِراقُ المآقي
 
بِما فَرَّ مِنْ كَبَواتِ الجِيادْ
 
وكانَ عَلَيَّ اقْتِرافُ الحِيادْ ؟!
 
أَما كانَتِ القَفْزَةُ الواقِفَهْ
 
بها تَستريحُ على حَفْنَةٍ مِنْ دَمي،
 
كانتِ السَّقْطَةُ الرَّاعِفَهْ
 
على حينَ نامَتْ بِبَغدادَ كُلُّ الخُيولِِ،
 
وَأَغْفى العَسَسْ
 
وَمِنْ يَوْمِها قيلَ لي:
 
أَنْتَ مَنْ هَزَّ جِذْعَ الهَواءِ،
 
فلم يتساقَطْ علينا سِواكْ
 
وقيلَ ادْخُلِ الوَهْمَ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ معَ الدّاخِلين
 
وما كانَ غيري وغيرُكَ فَوْقَ الصِّراطِ،
 
على غَفْلَةٍ مِنْ صُراخِ الْحَرَسْ
 
وسِرْنا إلى كُوَّةٍ في جِدارِ الْهَوَسْ
 
فكيفَ سَتَطْرُدُني الآنَ – يا صاحِبي-
 
مِنْكَ أَو تَسْتَقيلْ ؟!
 
وكيفَ ستَمضي بِدونِ اشْتِعالي أَمامَكَ،
 
مَنْ ذا يُشَيِّعُ بَعْدي جَنازَةَ هذا العويلْ ؟!
 
أَتَعْرِفُ اُغْنِيَّةًً لم يَكُنْ لَحْنُها مِنْ نَجيعي،
 
ولمْ تَمتَلِئْ مِنُ رُعافي الطَّويلْ ؟!
 
وَهَلْ كانَ فَصْلٌ مِنَ الأَرْضِ لم نَسْتَبِقْ فيهِ
 
بينَ الذَّخيرَةِ والمُنحَنى المُسْتَحيلْ ؟!
 
وَما نِمْتُ..
 
كانَ عَلَيَّ اخْتِلاقُ المشاويرِ،
 
كيما أُبَرِّرَ هذا الأَرَقْ
 
وكانَ عليَّ السباحَةُ في لُجَّةٍ مِنْ دَمٍ طَازَجٍ،
 
كي أُبدِّدَ هذا الغَرَقْ
 
ألا فادْنُ مِني،
 
وَلو بَعْدَ خمسينَ نَفيًا، وسبعٍ عِجافْ
 
فها أَنَذا أَلْتَقيكَ على حافَةٍ مِنْ تَوازي الضِّفافْ
 
ووَجهي إلى قِبْلَةٍ مِنْ شُموخٍ عَتيقْ
 
فكيفَ تُصافِحُ مَنْ أَوْغَلُوا في الْحَريقْ،
 
ولا شيءَ غيرَ الدُّموعِ،
 
على وَجْهِ خارِطَةٍ للطريقْ ؟!
 
فَخُذْ مِنْ دَمي ما تَشاءُ،
 
ولا..لا تُصالِحْ،
 
فَإِنَّكَ ماضٍ إِلى لُجَّةٍ في مَضيقْ !!!
© 2024 - موقع الشعر