دماءُ الفجر وحِنّاءُ الأجنحة - هلال الفارع

يا صغيري:
 
أسعدَ اللهُ مساءَكْ
 
أسعدَ اللهُ لياليكَ الحزينَهْ
 
وحَماكَ اللهُ مِنْ أَظْفارِ أيدينا الأمينَهْ
 
واشْتِهاءاتِ نوايانا الدَّفينَهْ
 
أَيُّهذا اللاّبِسُ الصَّخْرَ على الجِلْدِ..
 
فَما أَبْهى رِداءَكْ!
 
أَيُّهذا العابِرُ الجرحَ إلى الجرحِ..
 
فَما أَشْهَى بَلاءَكْ!
 
يا صغيري:
 
أَشْكَلَ الأَمْرُ علينا،
 
وَأُلو الأَمْرِ لدينا في صراعٍ؛
 
أَيُّهُمْ يَكْفُلُ في التِّيهِ إباءَكْ
 
أَيُّهُمْ يَمْهَرُ في الجَدْبِ شِتاءَكْ
 
وَيُواري خَلَلَ السَّوْأَةِ
 
مِنْ تَحْتِ السَّماواتِ العِجافِ المُسْتَكينَهْ!!
 
أَسْعَدَ اللهُ مساءَكْ
 
أَيُّها السَّاكِنُ في أَشباحِنا
 
تَبْغي مَضاءَكْ
 
أَيُّها الدَّارِجُ في أَرواحِنا مثْلَ الحِكايَهْ
 
أَيُّها الطَّالِعُ فينا كالغِوايَهْ
 
تَتَهَجَّى لُغَةً غيرَ التي نَعرِفُ،
 
إِنَّا – يا صغيري –
 
نَتَهَجَّى لُغَةً واحِدَةً مُنْذُ البِدايَهْ
 
ليسَ تعني – كيفما قَلَّبْتَها – إلاَّ انْتِهاءَكْ!!!
 
نَحْنُ – أَبناءَ السَّكينَهْ –
 
نَحْنُ مِنْ فَوْقِ مَطايانا البَدينَهْ
 
نحنُ – أعني الملايينَ اللعينَهْ –
 
نحبِسُ الرِّيحَ، ونبتاعُ انْطِفاءَكْ
 
وَنُباريكَ إِلى ضِدٍّ لِنَغْتالَ غِناءَكْ
 
وَنُعِدُّ اللغَةَ الوُسطى،
 
وَنبني مِنْ أَحاجِيِّ قَوافيها رِثاءَكْ!
 
يا صغيري..
 
لَمْلِمِ الآنَ سَماءَكْ
 
ليسَ في الأرضِ سوى الصَّخْرِ،
 
فَرَتِّبْ في ثنايا الأُفْقِ بالصَّخْرِ علاءَكْ
 
ليسَ في الأرْضِ سِوى مِقلاعِكَ الوَحْيِ،
 
فَرَتِّلْ – كيفَما تَهْوى – فِداءَكْ
 
ليسَ في الأَرْضِ سِوى الأَرْضِ،
 
وما نحْنُ عليها غيرُ أَكباشٍ سمينَهْ
 
في مَراعيها سَجينَهْ
 
تَلْهَثُ السِّكِّينُ في أَوْداجِها الصُّفْرِ المتينَهْ..
 
لَمْلِمِ الآنَ سَماءَكْ
 
قَبْلَ أَنْ تَسْقُطَ في أَيدي بَوادينا رَهينَهْ
 
لَمْلِمِ الآنَ ضِياءَكْ
 
إِنَّهُ الليلُ المُسَجَّى في توابيتِ المَدينَهْ
 
إِنَّهُ البَحْرُ.. وَقدْ أَعْمَلَ كُلٌّ أَلفَ فَأْسٍ في السَّفينَهْ
 
يا صغيري:
 
عَبَرَ الرُّبْعُ إلى الكُلِّ، فهذا وطنٌ خالٍ،
 
فلا تنظُرْ وراءَكْ
 
كُلُّهُمْ أَذْعَنَ،
 
فارْفَعْ في زَمانِ الخَفْضِ لاءَكْ
 
وَتَيَقَّظْ..
 
إِنَّكَ الآنَ على أَبْوابِ واديكَ المُقَدَّسْ
 
وعلى مَرْمى المُسَدَّسْ
 
والخُلاصَهْ:
 
سَتُوافيكَ على مَفْرِقِ عَيْنَيْكَ رَصاصَهْ
 
وَسَتَنْهالُ على ظَهْرِكَ زَخَّاتُ الرَّصاصْ
 
لا مَناصْ..
 
فامْضِ لا تَرْتَدَّ للخَلْفِ ولا تُرْهِقْ دِماءَكْ
 
سوفَ يَأْتي في غَدٍ يوْمُ القِصاصْ
 
سوفَ يأتي...
 
فَتَقَدَّمْ..
 
إِنَّكَ الآنَ على بابِ الخَلاصْ
 
وامْضِ عَنَّا..
 
لا تُصَعِّر خَدَّكَ الشاحِبَ للنَّاسِ،
 
وَصَعِّرْ كَفَّكَ الضَّارِبَ بالفاسِ،
 
وَسِرْ في الأرضِ مُخْتالاً،
 
وَلَمِّعْ كِبْرِياءَكْ
 
أَنْتَ في حِلٍّ إذا ما جَنَحَتْ كَفُّكَ للسَّيْفِ،
 
لِتَسْتَأْصِلَ داءَكْ
 
أَنْتَ في حِلٍّ إِذا أَنْفَذْتَ في الرّيحِ لِواءَكْ
 
امضِ عَنَّا..
 
دُسْ على الأَخْضَرِ واليابِسِ مِنَّا
 
دُسْ علينا.. وعلى كُلِّ خَطايانا،
 
ولا تَخْلَعْ حِذاءَكْ
 
هكذا تُنْتَزَعُ الحُرِّيَّةُ الحَمْرا...
 
أَطالَ اللهُ للحُرِّيَّةِ الحَمْرا بَقاءَكْ!!
 
***
 
يا صَغيري:
 
أَسْعَدَ اللهُ صَباحَكْ
 
أَسْعَدَ اللهُ دِماءَ الأبرياءِ
 
إِذْ يَفِرُّونَ إِلى الفَجْرِ، وفي آثارِهِمْ تَهْوي
 
خَفافيشُ المساءْ
 
وَعلى تَوْقيعِ نَبَّاطاتِهِمْ تَشْدو قَواميسُ الإباءِ
 
وَتَذوبُ النَّشْوَةُ الكُبرى على ثَغْرِ الفضاءِ!!
 
أَسْعَدَ اللهُ صَباحَكْ
 
أَيُّها الساري إلى هَوْلِ الصَّحاري،
 
وَدَمُ الفَجْرِ يُحَنِّي بِالجِراحاتِ جَناحَكْ
 
أَيُّها الساري إِلى عُقْمِ الصَّحاري:
 
هذهِ الصَّحراءُ وَكْرُ الأِشقياءِ
 
هذهِ الصَّحْراءُ لم تُطْلِقْ سباياها،
 
ولم تَرْفُلْ بِأَثْوابِ الجَلاءِ
 
وهي منذُ اغتالَها الصَّمْتُ بِسِكِّينِ الغَباءِ
 
لم تَمُتْ..
 
لكنَّها لم تَحْيَ إلاَّ في الخَفاءِ
 
فإذا ما صَمَتَتْ كالمومِياءِ
 
وَإذا ما نَطَقَتْ كالبَبَّغاءِ!!
 
***
 
يا صَغيري.. يا أَميرَ الشُّهَداءِ
 
أَسْعَدَ اللهُ صَباحَكْ
 
هذه الصَّحْراءُ لنْ تَرْضى فَلاحَكْ
 
لو تَفَجَّرْتَ على أَبوابِ عَيْنَيْها أَنينا
 
لو تَقَطَّرْتَ على أَعتابِ واليها حنينا
 
وَتساقَطْتَ شَظايا
 
لو نَثََرْتَ الوَرْدَ والمِسْكَ على بابِ دهاليزِ الخَطايا
 
لو تَهالَكْتَ وَأَخْلَصتَ النَّوايا
 
لو حَمَلْتَ الهِنْدَ والسِّنْدَ على كَفَّيْكَ..
 
وازْدَدْتَ هَدايا
 
لو تَشَكَّلْتَ كما تَبْغي المَرايا
 
هذهِ الصَّحراءُ لا ترْغَبُ في كلِّ العطايا
 
هي لا تَطْمَحُ إلا أَنْ ترى فيكَ السَّبايا...
 
والضَّحايا
 
وهي منذُ البَدْءِ.. مُنْذُ الحجَرِ الأَوَّلِ تَسْتَجْدي اجْتِياحَكْ
 
هي ما يُقْلِقُها أَنْ تَرى أَصفادَها تلهَثُ في إِثْرِكَ
 
لكنْ.. لا تَرى فيها سَراحَكْ
 
يا صغيري:
 
هذه الصحراءُ عادَتْ للوراءِ
 
رَكَنَتْ إِذْ خُتِمَتْ قائِمَةُ الرُّسْلِ، فلمَّا
 
قُرِعَتْ عِنْدَكَ أَجْراسُ السَّماءِ
 
هالَها أَنْ بَرْعَمَتْ بالرُّسْلِ أَرضُ الأَنْبياءِ!!
 
***
 
يا صغيري:
 
كلُّ شيءٍ قابِلٌ للإِحْتِواءِ
 
كلُّ شيءٍ قابِلٌ للإِنْحناءِ
 
غيرَ حدِّ العَزْمِ إِنْ جاوَزَ حدَّ الإبْتِداءِ
 
ولقد جاوزتَ في عَزْمِكَ حدَّ الإِنْتِهاءِ
 
وَتَصَدَّرْتَ الصَّدارَهْ
 
دَعْكَ مِنْ وَهْمٍ لدى أَحْرُفِهِ أَلْفُ اسْتِعارَهْ
 
وامْضِ في دَرْبِكَ،
 
لَنْ تَرْبَحَ مِنْ دونِ المَقاليعِ تِجارَهْ
 
ها هي الأثْوابُ تَسْتَوْعِبُ في ثوبِ الدَّهاءِ
 
كُلَّ أَبْعادِ الشَّرارَهْ
 
فَمَتى تُدْرِكُ أَبْعادَ المَرارهْ؟!
 
وَمَتى تَفْهَمُ،
 
أَنَّ الرَّمْلَ مِنْ طينٍ عَدُوٍّ للحِجارَهْ ؟!!
© 2024 - موقع الشعر