صدى الجهات - محمود محمد الشلبي

حين ودعني في المساء الأخير .
 
كان يحفظ سطراً من الشوق ،
 
والشعر
 
يرفع ساعده كي يطير .
 
كان يفتح كفيه للريح ،
 
للمطر الموسمي ،
 
لقُبّرة مارست عشقها ...
 
في حقول الأثير .
 
كان يسترجع المُرَّ في دمه ،
 
حيث رف على شفة الجرح مواله
 
ذاهباً في الهجير .
 
كان يأوي إلى جذع صفصافة ،
 
يشرب الماء بالراحتين ،
 
يهز الجهات بحبل الضمير .
 
كان يلقي على شجر الموز ،
 
والبرتقال التحية ،
 
للغور بهجته ..
 
للجبال محجته ..
 
في المزار القصير .
 
كان يمحو النعاس ببعض الرصاص ،
 
ويشعل من شاطئ النهر ،
 
نار المسير .
 
***
 
كان في لغة الصمت يهجس ...
 
يرسم خارطة مجَّدتها يداه .
 
كان يزرع قبضته في دمي ..
 
كان يرخي كسلسلة من عبير هواه .
 
كان يدخل كعبته ثم يخرج ..
 
متشحاً بطيور المياه
 
كان يمشي .. يعذبه الوطن الحلو ،
 
ينهض من حلمه أخضر القلب ،
 
قد أنضجته الصلاة
 
كان في وجهه القروي الأليف
 
امتداد الحقول ،
 
وفي ناظريه انتباه .
 
كان أكبر من وقته إذ سعى ..
 
كان أصغر من صمته ..
 
إذ رنا في سجل الإله .
 
كان يصحو مراراً ..
 
يمرن أعصابه في الصباح ،
 
على طلقة خبأتها رؤاه .
 
***
 
حين ودعني وارتحل
 
كان أو لم يزل .
 
مر من ساحل الجرح ،
 
متسماً بالقبل .
 
كانت الأرض شرفته للنشيد الشهي
 
الذي ما أكتمل .
 
والصبايا يزغردن ملء النهار ،
 
يفجرن ينبوعه في الجبل .
 
رف ثم أنتقل .
 
قال : أمي تهدهد أفراخها في البلاد
 
التي ترتوي من سواد المُقل .
 
قال : أمي وزواج بين اختلاج العذاب
 
وخفق الأمل .
 
قال : أمي وخبأ في النار أعراسه ،
 
وأشتعل .
 
 
 
 
 
و اختفى في المدى المحتمل .
 
آه ، يا دمه ، يا رسائله ،
 
يا رصاص الأزل ،
 
كن زنبقهُ ...
 
موجه ..
 
صحوة الشمس في المعتقل .
© 2024 - موقع الشعر