اهنأ بموتك يا محمد - محمود محمد الشلبي

آلفت باسمك بين هذا الموت ،
 
والعشق الذي يسعى ،
 
إلى قمر الشهادة يا محمد
 
يا درة الأقصى ،
 
فها شمس البلاد ،
 
تلوح ثكلى فوق غزة .
 
إذ قضيت على الرصيف ،
 
وعالم ( التهريج ) يشهد
 
هل كنت تعرف كيف يقتل ،
 
في الضحى طفل ،
 
وتنثر فوق جثته ،
 
دماء أبيه في الحضن الممهد ؟!
 
 
 
هذا قميص أبيك ،
 
رايتك الوحيدة في الحصار ،
 
فهل سيحميك القميص من الرصاص ،
 
وهل سيسلمك الصهيل إلى الخلاص ،
 
وأنت في الحالين تشهد ؟!
 
دمك المدى ...
 
والبحر مرتبك الخطى ...
 
والشارع الدامي تلعثم ،
 
إذ رآك مسربلا بالموت ،
 
كالعصفور رف . وما تنهد
 
وأبوك يرفع ساعد الأمل القتيل ،
 
وصوته بوح البلد :
 
- مات الولد !
 
-عاش الولد !
 
وأبوك شل .. فلا حراك ،
 
وكيف ينهض إذ رآك علي يديه ،
 
ضحية ...
 
والقاتل الشرس أستبد .
 
دمك الحقيقة والأمد ...
 
دمك الرحيق المستفيق ،
 
بقلب هذي الأرض .
 
ماطال الأبد .
 
وسواه ياولدي زبد .
 
وسواه يا ولدي زبد .
 
 
هذا الجدار تصدعت جنباته ،
 
خلف احتمالك ،
 
والرصيف ، على صلابته ، انحنى ...
 
ها أنت تصرخ :
 
- يا أبي ...
 
هل ينفع ( البرميل ) متراساً لروحينا ؟!
 
و هل يحمي من الموت المؤكد ؟!
 
كنا على لهب ،
 
وهذا الموت ثالثنا ،
 
كعادته أتى ...
 
ينحاز للشهداء مبتسماً ....
 
وإني أصطفيه كما يشاء ،
 
وأفتديه بما تبقى من محمد !!
 
 
 
فاقرأ كتابك يا محمد .
 
وأسلك مدارك في السما.
 
واكتب نشيدك في علاك ،
 
وقل : سلاماً يا ضيوف الأرض ،
 
إني وردة البحرية الحمراء ،
 
في الوطن المصفد .
 
واسمح لأمك يا محمد ،
 
أن تسأل الأطفال عنك ،
 
وعن شهادتك التي اهتزت لها الأرجاء ،
 
كيف مضيت تركض ،
 
والدم العاري وراءك ،
 
مثل شلال تمرد ؟!
 
واسمح لأمك يا محمد ..
 
أن توقظ الجيران – إن ناموا –
 
على طيف الحبيب إذا أتى ..
 
واسمح لأمك أن تزغرد .
 
وأسمح لسربك أن يغرد .
 
أن يمعن التحليق ،
 
فوق منازل الوطن الجميل ،
 
غداً .. ويسجد
 
ويقول للعرب :
 
- استفيقوا ، طال نومكم ،
 
فرب مذلة هجعت على جمر الهوان ،
 
تفيق من رمضاء وحشتها ،
 
وتصعد .
 
ودعوا الطفولة كي تضيء سماءنا
 
بحجارة لاتستكين ، ولاتلين ولا يكذبها أحد
 
فالأفق أربد .
 
الأفق أربد
 
واسمح لقلبك يا محمد .
 
أن يستريح – ولو قليلاً –
 
فوق عرشك في فلسطين الحبيبة ،
 
قبل أن تمضي ،
 
إلى البيت المخلد .
 
 
 
هذا هو الدرس ،
 
الذي يتلى على مرأى الأنام
 
وقد يجدد .
 
فاترك على جمر الرصيف ،
 
دماً يصيح على الجموع ،
 
وأنت مفرد
 
أنى لعرسك أن يقلد .
 
يا سيد الشهداء ،
 
يا قوس الندى ،
 
في فجر موكبك الموحد
 
فاهنأ بموتك يا محمد !
 
اهنأ بموتك يا محمد !

مناسبة القصيدة

إلى روح الطفل الشهيد محمد الذرة ، استشهد الطفل محمد جمال الذرة ( 12) عاماً في الثلاثين من سبتمبر / أيلول 2000 م ، برصاص جنود الأحتلال الصهيوني على رصيف أحد شوارع مدينة غزة بفلسطين إثر انتفاضة الأقصى ، وقد حاول أبوه دون جدوى أن يحميه من رصاص الأحتلال فاحتمى ببرميل من الأسمنت ، وغطاه بجسمه ويديه ، وقد تشبث الطفل بقميص أبيه ، وفي إحدى اللحظات رفع الأب رأسه ولوح بيده طالباُ وقف إطلاق الرصاص صائحاً : مات الولد ... مات الولد ... لكن جنود الاحتلال واصلوا جريمتهم و أصيب فشل عن الحركة وارتمى محمد في حضن أبيه شهيداً ..
© 2024 - موقع الشعر