أنه الحزن يأتي - محمود محمد الشلبي

من كل ثقوب الليل الزاحف نحوي
 
يأتيني حزني .
 
من كل الأصوات المجهولة حولي .
 
يأتيني حزني .
 
ويعود الموجع هذا
 
كالعادة يرشح كل مساء مني .
 
فألوذ بصمتي ...
 
يكبر حزني .
 
وأعد الأعوام المحروقة من عمري
 
يكبر حزني .
 
وأعود لطفلي ...
 
أقرأ في عينيه عذابي ، نزفي ،
 
موتا،ً وجعا يتوزع ما بين محطات
 
الوطن العربي وباحة سجني .
 
يكبر حزني
 
***
 
 
 
هذا الحزن رفيقي النائم ،
 
ما بين العينين وبين القصبة .
 
والعالم من حولي يتلهى في لعبة ،
 
موت وحياة .
 
ويرش على وجهي حفنة ماء
 
ويحز بسيف القدرة ،
 
مني الرقبة .
 
سألوني عن سر وجومي يوما...
 
فبكيت ... بكيت .. بهيئة طفل ..
 
حالوا بين ذراعيه
 
وثدي الأم
 
وعدت اجمع أطفال العالم .
 
كي اسألهم :
 
من منكم يعرف سر وجومي ؟
 
فأنتفض الأطفال بوجهي حزناً ،
 
وتباكوا .. وبكيت .
 
من منكم يعرف حجم عذابي ؟
 
فارتجف الأطفال بقلبي ذعرا،
 
وتنادوا ..
 
قلت لهم :
 
ضيعني طفلي ، وطني ، سجني ،
 
جوعي ..
 
فتباكوا ... وبكيت .
 
 
 
***
 
يا صوتي الراحل عبر محطات
 
الحزن توقف ..
 
" فالعالم يبكي " .
 
والوطن الغالي ، يندب كل الأسماء
 
المشهورة في التاريخ ،
 
وكل الأسياف المسلولة ،
 
كل خيول الصحراء .
 
ويذبح عند ختام الأمر ،
 
على أسم الله .
 
يا حزني الغاضب .
 
دق جميع الأبواب الموصودة ،
 
في وجه كرامتنا .
 
وامنح شجر الزيتون الثمر الرافض ،
 
غير خارطة يرسمها صهيوني ،
 
بالخوذة والحربة ،
 
فوق سطوح منازلنا .
 
طهر بالمطر العربي ،
 
الجوع ، الخوف ، الجثث الملقاة
 
على كل مداخلنا ..
 
أنت الحزن الغامر أحداق الأطفال ،
 
بماء الفرح الآتي
 
من عين الثورة ،
 
والطالع بيرق نصر
 
فوق جواد محاربنا .
 
أنت الحزن الماسح كل الوجع العربي ،
 
المزمن فوق خريطة أنفسنا .
 
***
 
سافر فينا ...
 
وانزع من داخلنا خوفا
 
يتمطى في الصلب .
 
وازرع شجراً يثمر برقا ورعودا ،
 
ويحول صحراء العمر ،
 
حقولا من أنجم ليلتنا ،
 
ودماء تقطر من شريان شهيد ،
 
آب إلى وطن الحب .
 
فالعمر قصير .
 
ظل فوق سطوح الزمن القاسي
 
والمرء أسير .
 
" ما أبعد هذا الصبح بعالمنا !!"
 
ما أصعب أن يبقى الإنسان شريدا،
 
خلف شبابيك الغربة ،
 
والتيار يقاومنا !!
 
فلتحزن ...
 
هذا العمر قصير .
 
ماء يتبخر مع وهج الصيف ،
 
ووقع السيف ،
 
وسقطة آخر أعرابي عن ظهر بعير .
 
***
 
فلتحزن ..
 
إذ حين يصير الوقت رصاصا
 
فوق الصدر .
 
أو يصبح حجم الوطن المذبوح ،
 
بحجم القبر .
 
أو يغدو الإنسان طريداً
 
عبر سراب القفر
 
لا نملك ألا أن نرفع أيدينا في وجه
 
الشمس ، ننادي :
 
يا سكان المعمورة ،
 
أن العالم مقبرة .
 
والحزن الغاضب ،
 
شاهد هذا العصر .
© 2024 - موقع الشعر