تحيّة الدستور العثماني - إيليا أبو ماضي

إلى حيث ألقت يا يا زمان المظالم
و لا عدت يا عهد الشّقا المتقادم

ذهبت فلا باك و أنّي بكى العمى
كفيف رأى الأضواء ملء العوالم ؟

و ما عجبت أن ليس في القوم نادب
و لكن عجيب أن أرى غير باسم

نزلت على الشّرقيّ فانحطّ شأنه
و قد كان غصّ الفخر غضّ المكارم

ففرقّت حتّى ليس غير مفرّق
و خاصمت حتّى ليس غير التخاصم

أقمت فخلّى أهله و بلاده
إلى كلّ فجّ من خصيب و قاحم

نأى كاظما للغيظ خوف شماتة
و لم يطلب الإنصاف خفيّة لائم

و لو شاء لم يختر سوى الشرّ مركبا
فقد كانت الأحقاد ملء الحيازم

صحبناك لا خوفا ثلاثين حجّة
و لكنّها الدّنيا و ضعف العزائم

و ما ذاك عن حب فما فيك شيمة
تحبّ و لسنا من غواة المآثم

فكنت و كان الجهل أحسن خلّة
لنا و نجاة الحقّ إحدى الغنائم

و كنت و ما فينا غير ناقم
عليك ، و لا ذو سلطة سلطة غير غاشم

ثلاثون عاما و النّوائب فوقنا
مخيمة مثل الغيوم القوائم

فلا العلم مرموق و لا الحقّ نافذ
و لا حرمة ترعى لغير الدراهم

و ما تمّ غير البغي و الظلم و
الأذى فقبّحت من عصر كثير السخائم

فاغرب شقيت الدهر غير مودّع
من القوم إلاّ بالظّبى و الصوارم

فوالله ما ترضى قيودك أمّة
من الناس إلاّ أصبحت في البهائم

و يا أيّها الدستور أهلا و مرحبا
( على الطائر الميمون يا خير قادم )

طلعت علينا كوكبا غير آفل
على حين أنّ الشّرق مقلة هائم

فقرّت عيون قبل كانت حسيرة
و جادت سرورا بالدموع السواجم

وضجّ الورى و الشرق و الغرب ضجّة
أفاق لها مستيقظا كلّ نائم

أهبت ففرّ الظلم بالأرض هاربا
و نكّس خزيا رأسه كلّ ظالم

و فاضت على ثغر الحزين ابتسامة
تخبر أنّ الحزن ليس بدائم

و أطلقت الأقلام بعد اعتقالها
فأسمعت الأكوان سجع الحمائم

و لم يبق عان لم يفكّ إسارة
و لم يبق جان لم يفز بالمراحم

و كنّا نرى الأحزان ضربة لازب
فصرنا نرى الأفراح ضربة لازم

توهّم قوم أنّما الشّرق واهم
و أنّك يا دستور أضغاث حالم

ورجّم قوم أنّما تلك خدعة
فعدنا بربّ الناس من كلّ راجم

تجلّيت فاسودّت وجوه و أسفرت
وجوه ، و أمسى غانما كلّ غارم

و ما عدت حتىّ كاد يشتجر القنا
لأجلك و الخطى أعدل حاكم

و أوشك أن يهتزّ في كلّ ساعد
لكلّ أبيّ كلّ سيف و صارم

أبى الجيش إلاّ أن تكون مؤبدا
و تأبى سوى تأييد جيش سالم

فبوركتما من ساعد و مهنّد
برغم خؤون مارق متشائم

و لا برح الأحرار يشدو بذكرهم
بنو الشرق فخرا في القرى و العوام

رجال لهم زيّ الرّجال و إنّما
جسومهم فيها نفوس ضراغم

هم قيّدونا بالعوارف و النّدى
وهم أطلقونا من عقال المغارم

فلم يبق فينا حاكم غير عادل
و لم يبق فينا عادل غير حاكم

© 2024 - موقع الشعر