لم يهدم الموت الا هيكل الطين - إيليا أبو ماضي

لم يبرح الروض فيه الماء و الزهر
و لم يزل في السماء الشمس و القمر

لكنها الآن في أذهاننا صور
شوهاء لا القلب يهواها و لا النظر

قد انطوى حسنها لمّا انطوى الشاعر
قل للمغنّي الذي قد غصّ بالنغم

إنّي نظيرك قد خان الكلام فمي
و مثل ما بك بي من شدّة الألم

أما العزاء فشيء زال كالحلم
كيف السبيل إلى خمر و لا عاصر !

مضى الذي كان في البلوى يعزّينا
و كان يحيي ، إذا ماتت ، أمانينا

و يسكب السّحر أنغاما و يسقينا
مضى " نسيب " النبيّ المصطفى فينا

و صار جسما رميما في يد القابر
كم جاءنا في اللّيالي السود بالألق

و بالندى من حواشي القفر و العبق
و بالأغاني و ما من صادح لبق

و إنّما هو سحر الحبر و الورق
السحر باق و لكن قد مضى الساحر !

كالشمس يسترها عند المسا الغسق
و نورها في رحاب الأرض منطلق

تذوي الورود و يبقى بعدها العبق
حتى لمن قطفوا منها و من سرقوا

كم عالم غابر في عالم حاضر
إن كان مات " نسيب " كالملايين

من العبيد الموالي و السلاطين
فالحيّ في هذه الدنيا إلى حين

لكن نسيب إلى كلّ الأحايين
و إن نأى و سما للعالم الطاهر

لسوف يرجع عطرا في الرياحين
أو نسمة تتهادى في البساتين

أو بسمة في ثغور الخرّد العين
فالموت ما هدّ إلاّ هيكل الطين

لا تحزنوا فنسيب غائب حاضر
© 2024 - موقع الشعر