المتسكّع

لـ عبدالستار العبروقي، ، في الملاحم، آخر تحديث

المتسكّع - عبدالستار العبروقي

المتسكّع
 
لانَّ المدينةَ موصدةُُ
و الدروب شظايا فصول من الإنكسارِ
تسكَّعت بحثا عن الذَّات ِ
او ربَّما ،لانْتِشالِ الخُطى
من شِعَابِ الكذبْ
 
تسكّعتُ أكثر منْ جثَّتي
من يتامَى القبيلةِ
من بائعِ الياسمين ، من الليل و الرّيحِ
و الشعراء جميعا، و من جنَّدوهمْ لرَصْدِ الغضبْ
 
تسكَّعت في كلّ زاويَّة من ثُغُورِ البلادِ
و في كلّ ثانيَّة من فصول العذابِ
غداة انفجر الرّمالِ بريح الشَّغبْ
 
توغّّلتُ في صَمْتِها
في تَجاويفِ آلآمِها
لمْ أَرَ النّور بدْءًََ، و لكنْ فقطْ
عنْدما آشتعل البحْرُ غيْظا
و ضحَّت بأطفالهنَّ النساءُ
رأيتُ الذي لم تقلْه الخُطبْ
 
لأنَّ القوافي مضرَّجةٌ بالدموعِ
وعِطْر الخُزامى غريب
و ما عاد هَمْس الجمالِ
يهزّ القصبْ
 
تسكَّعت في لُغتي
في شِعاب القصيدةِ
سِرْتُ على وَقْع منْ خضَّبوا الكلماتِ
بأشواقهم، و استمرّوا بأعماقنا سابحينَ
مواويل عشق، تهزَّ مداراتنا حين نَخْبو
وتدفعنا, حين يجتاحنا الإنطواءْ
لآمتطاء السحبْ
 
وجدت كلامي الذي لَفَضَتْهُ الجَوارِحُ
لَحْنا شَفيفَ التَحَدّي
و عاصِفَة منْ صَهيل الكبدْ
جريحا بمَرْكَزِ أْمْنِ الكتابِ
عِضَاميَ دُكَّت مِرارََا
و دَمْعي لأنّي وحيدٌ
تَناثَرَ مِثلي عواءًََ غريبا
بليل الأَدبْ
 
لأنَّ الحدائق مُرْهَقَة بالضجيجِ
و عِطْرُالزهور عليلُُ
و لا فلَّة بنوادي الصَّخَبْ
 
تسكعت بحثا عن الورد في شرفات المدينةِ
عن شاطئ دافئ، لضياء الحبيبةِ
عن خَيْمة بضفاف الهديل
لأحلا منا
عن سفائِنَ تَرْفعنا للنجوم،
بعيدا عن الوقتِ ،أصْلُ التعبْ
 
وجدت القصيدة حَيْرى
يحاصرها الخوف و الإغترابُ
وإن أوْرَقَتْ مرَّة، أو تغَنَّت بألوانها
و صفاء ينابيعها، ندمتْ
إذْ يداهمها الغدْرُ من كلّ فجّ
و تجتاحها لَدَغَاتُ الكذب
 
لأنَّ "الفُراتَ" بعيدٌ
و فَصْلُ الشتاء طويلُُ
و لا خَمْرَةُُ بجرار العربْ
 
تسكّعت بحثا عن الشمس بين الأزقَّةِ
عن أُفُقِِ للقوافلِ
عنْ وَاحَةٍِِ بصحاري الزجاجِ
لمنْ لم يروْا من وُجُوه الحياةِ
سِوى ظَمَإ أوْ َسغبْ
 
وَجَدْتُ الدروبَ سرابا
و فصل الربيع رمادا
يُحاصر خطْو البراعمِ
و الجَدْبُ منتصبا كالعنادِ
يهدّد بلإنفجار، و نسْف القصبْ
 
تسكّعت أكثر مما يجبْ
ولجت المغاوِرَ
أَرْوِقَةُ الصَّمْتِ و العَنْكَبُوتِ ، سَبَرْتُ لَظاها
فِجاجُ الصَّدى جُبْتُها مُفْرَدا
و جريحا
و لمْ أنحني للجليدِ، و لا أفْزَعَتْني صُقورُ الصّخبْ
 
صعدْت إلى قمَّة الإنهيارِ
صعدت دخانا
صعدت بهارا، ونارا
صعدت ...صعدت...صعدت
و لم أتباهى بوشمِِ
ولم أتغنَّى بمالِِ
فقطْ حبّها العربيَّةُ
أجَّ آستعاري وألقى على جَسَدي
صِفَة الإنتساب إليها
فكان التَسَكُّعُ بعْضَ انْتمائي
و رَفْضُ التخشّب أصْل التعبْ
 
لأنَّي أحبّ الطفولة كالاولين
و لا أستطيع مجاراة َعَصْرِِ بهيمِِ
يضيء الرداءَةَ صُبْحا
و عند المساء، يُراوِغُ كلَّ الطُقوسِ
ليغْتالَ طِفْلا، و يَخْنُقَ نافورةََ
من ضياء الشُهبْ
 
نَفَتْني القبيلة قبل آشتعالي
لئلاَّ أُفَحِّمَ شمْس الذين تباهوا
بذَبْح الحبيبة أُمّي
و ناموا كأنْ لمْ تكنْ أرْضُنا ذاتَ يومٍ
لأحْقادِهم مَوْقِدا
و الجِيادُ حَطَبْ
 
تسكعت أكثر ممَّا يجبْ
فهل يا ترى قد أتوب؟
و أنسى البلاد، و قَنْص الجمال
و من شرَّدوني، و من أثُّثوا وِحْدَتي
وآسْتَبَدُّوا بكأس العِنَبْ
 
عبد الستار العبروقي
حمام الانف جوان 1995
 
 
تعليق:
نشرت هذه القصيدة بجريدة الشعب التونسيّة

مناسبة القصيدة

كتبت أثر اعتداء بالعنف على الشاعر من طرف عون مرتزق و سكوت الأصدقاء على ذلك قصيد التفعيلة الواحدة .. شعر حرّ
© 2024 - موقع الشعر