القصيدة تطرح أسئلتها.. - نزار قباني

يسرني جدًا..
بأن ترعبكم قصائدي
وعندكم، من يقطع الأعناق..
يسعدني جداً.. بأن ترتعشوا
من قطرة الحبر..
ومن خشخشة الأوراق..
يا دولة.. تخيفها أغنية
وكلمة من شاعر خلاق..
يا سلطة..
تخشى على سلطتها
من عبق الورد.. ومن رائحة الدراق
يا دولة..
تطلب من قواتها المسلحة
أن تلقي القبض على الأشواق..
يطربني...
أن تقفلوا أبوابكم
وتطلقوا كلابكم
خوفاً على نسائكم
من ملك العشاق..
يسعدني
أن تجعلوا من كتبي مذبحة
وتنحروا قصائدي
كأنها النياق..
فسوف يغدو جسدي
تكية.. يزورها العشاق
يقرؤني رقيبكم..
وهو يسن شفرة الحلاقة..
كأنما رقيبكم
-في أصله- حلاق...
ليس هناك سلطة
يمكنها أن تمنع الخيول من صهيلها
وتمنع العصفور أن يكتشف الآفاق
فالكلمات وحدها..
ستربح السباق..
ستقتلون كاتبًا..
لكنكم لن تقتلوا الكتابة..
وتذبحون، ربما، مغنيًا..
لكنكم لن تذبحوا الربابة..
تسع وتسعون امرأة ..
تقبع في حريمكم
فالنهد قرب النهد
والساق قرب الساق..
وكل شيء جاهز
وثيقة النكاح.. أو وثيقة الطلاق..
والخمر في كؤوسكم
والنار في الأحداق
وتمنعون دائمًا قصائدي
حرصًا على مكارم الأخلاق!!
إنتظروا زيارتي..
فسوف آتيكم بدون موعدٍ
كأنني المهدي..
أو كأنني البراق..
إنتظروا زيارتي..
فلست محتاجًا إلى تأشيرة
ولست محتاجًا إلى معرفٍ
فالناس في بيوتهم يعلقون صورتي..
لا صورة السلطان..
والناس، لو مررت في أحلامهم
وظنوا بأني (قمر الزمان)...
حين يمر موكب الخليفه
في زحمة الأسواق
يبشر الأطفال أمهاتهم
لقد رأينا..
(طائر اللقلاق)...
إنتظروني.. أيها الصيارفه
يا من بنيتم من فلوس النفط..
أهرامًا من النفاق..
يا من جعلتم شعرنا.. ونثرنا..
دكانة ارتزاق..
إنتظروا زيارتي..
فالشعر يأتي دائمًا
من عرق الشعب، ومن أرغفة الخبز،
ومن أقبية القمع..
ومن زلازل الأعماق..
مهما رفعتم عاليًا أسواركم
لن تمنعوا الشمس من الإشراق..
30/1/1989
© 2024 - موقع الشعر