السيرة الذاتية لسياف عربي - نزار قباني

1
أيها الناس:
لقد أصبحت سلطانا عليكم
فأكسروا أصنامكم بعد ضلال،
واعبدوني..
إنني لا أتجلى دائما
فاجلسوا فوق رصيف الصبر،
حنى تبصروني
أتركوا أطفالكم من غير خبز..
وانركوا نسوانكم من عير بعل
واتبعوني..
إحمدوا الله على نعمته
فلقد أرسلني كي يكتب دوني
إنني يوسف في الحين،
ولم يخلق الخالق شعلرا ذهبيا مثل شعري
وجبينا نبويا كجبيني..
وعيوني..
غابة من شجر الزيتون واللوز،
فصلوا دائما.. كي يحفظ الله عيوني
أيها الناس:
أنا مجنون ليلى
فابعثوا زوجانكم يحملن مني
وابعثوا أزواجكم كي يشكروني...
شرف أن تأكلوا حنطة جسمي
شرف أن تقطفوا لوزي.. وتبيني
شرف أن تشبهوني..
فأنا حتدثة ما حدثت
منذ الاف القرون..
2
أيها الناس:
أنا الأول، والأعدل،
والأجمل، من بين جميع الحاكمين
وانا بدر الدجي، وبياض الياسمين
وأنا مخترع المشنقة الأولى..
وخير المرسلين..
كلما فكرت أن أعتزل السلطة،
ينهاني ضميري..
من ترى يحكم بعدي هؤلاء الطيبين؟
من سيشفي بعدي..
الأعرج..
والأبرص..
والأعمى..
ومن يحيي عظام الميتين؟
من ترى يخرج من معطفه
ضوء القمر؟
من ترى يرسل للناس المطر؟
من ترى؟
يجلدهم تسعين جلده..
من ترى؟
يصلبهم فوق الشجر..
منترى يرغمهم
أن يعيشوا كالبقر؟
ويموتوا كالبقر؟
كلما فكرت أن اترحهم
فاضت دموعي كغمامة
وتوكلت على الله..
وقررت بأن أركب الشعب..
من الآن.. إلى يوم القيامة..
أيها الناس:
أنا أملككم
مثلما أملك خيلي.. وعبيدي..
وانا أمشي على سجاد قصري ..
فاسجدوا لي في قيامي
واسجدوا لي في قعودي
أولم أعثر عليكم ذات يوم
بين أوراق جدودي؟؟
حاذروا أن تقرأوا أي كتاب
فأنا أقرأ عنكم..
حاذروا أن تكتبوا أي خطاب
فأنا أكتب عنكم..
حاذروا أن تسمعوا فيروز بالسر..
فإني بنواياكم عليم
حاذروا أن تنشدوا الشعر أمامي
فهو شيطان رجيم
حاذروا أن تدخلوا القبر بلا إذني،
فهذا عندنا إثم عظيم
والزموا الصمت، إذا كلمتكم
فكلامي هو قران كريم..
4
أيها الناس:
أنا مهديكم، فانتظروني
ودمي ينبض في قلب الدوالي..
فاشربوني
أوقفوا كل الأناشيدج التي ينشدها الأطفال
في حب الوطن
فأنا صرت الوطن...
إنني الواحد..
والخالد.. ما بين جميع الكائنات
وأنا المخزون في ذاكرة التفاح،
والناي، وزرق الغنيات
إرفعوا فوق الميادين تصاويري
وغطوني بغيم الكلمات..
واخطبوا لي أصغر الزوجات سنا.ز
فأنا لست أشيخ..
جسدي ليس يشيخ..
وسجوني لا تشيخ..
وجهاز القمع في مملكتي ليس يشيخ..
أيها الناس:
أنا الحجاج. إن أنزع قناعي، تعرفوني
وأنا جنكيزخان جئتكم..
بحرابي..
وكلابي..
وسجوني..
لا تضيقوا – أيها الناس – ببطشي
فأنا أقتل كي لا تقتلوني..
وأنا أشنق كي لا تشنقوني..
وأنا أدفنكم في ذلك القبر الجماعي
لكيلا تدفنوني...
5
أيها الناس:
اشتروا لي صحفا تكتب عني..
إنها معروضة مثل البغايا في الشوارع
إشتروا لي..
ورقا أخضر مصقولا كأعشاب الربيع
ومدادا.. ومطابع..
كل شيء يشتري في عصرنا
حتى الأصابع..
إشتروا فاكهة الفكر..
وخلوها أمامي
واطبخوا لي شاعرا
واجعلوه، بين أطباق طعامي...
أنا أمي...
وعندي عقدة مما يقول الشعراء
فاشتروا لي شعراء يتغنون بحسني..
واجعلوني نجم كل الأغلفه
فنجوم الرقص والمسرح،
ليسوا أبدا أجمل مني..
إشتروا لي كل ما لا يشترى
في أرضنا أو في السماء
إشتروا لي.ز
غابة من عسل النحل..
ورطلا من نساء..
فأنا بالعملة الصعبة أشري ديوان بشار بن برد
وشفاه المتنبي..
وأناشيد لبيد..
فالملايين التي في بيت مال المسلمين
هي ميراث قديم لأبي
فخذوا من ذهبي
واكتبوا في أمهات الكتب
أن عصري..
عصر هارون الرشيد...
6
يا جماهيري بلادي:
يا جماهير الشعوب العربية
‘نني روح نقي.. جاء كي يغسلكم من غبار الجاهليه
سجلوا صوتي على أشرطة..
إن صوتي أخضر الإيقاع كالنافورة الأندلسيه
صوروني.. باسما مثل الجوكوندا
ووديعا مثل وجه المجدليه..
صوروني..
بوقاري، وجلالي، وعصاي العسكرية
صوروني..
وأنا أقطع- كالتفاح-أعناق الرعيه...
صوروني
وأنا أصطاد وعلا.. أو غزالا
صوروني..
وأنا أفترس الشعر بأسناني
وامتص دماء الأبجديه
صوروني
عندما أحملكم فوق أكتافي لدار الأبديه
يا جماهير بلادي..
يا جماهير الشعوب العربيه...
7
أيها الناس:
أنا المسؤول عن أحلامكم، إذ تحلمون
وأنا المسؤول عن كل رغيف تأكلون
وعن الشعر الذي
-من خلف ظهري-تقرأون
فجهاز الأمن في قصري
يوافيني بأخبار العصافير..
وأخبار السنابل
ويوافيني بما يحدث في بطن الحوامل
8
أيها الناس:
أنا سجانكم. وانا مسجونكم..
فلتعذروني
إنني المنفي في داخل قصري
لا أرى شمسا.. ولا نجما..
ولا زهرة دفلي..
منذ أن جئت إلى السلطة طفلا
ورجال السيرك يلتفون حولي
واحد ينفخ نايا..
واحد يضرب طبلا...
واحد يمسح جوخا...
واحد يمسح نعلا...
منذ أن جئت إلى السلطة طفلا..
لم يقل لي مستشار القصر: كلا
لم يقل لي وزرائي أبدا لفظة كلا
لم يقل لي سفرائي أبدا في الوجه كلا
لم تقل إحدى نسائي في سرير الحب كلا
?????
وأرى الشعب من الشرفة رملا...
فأعذروني.. أن تحولت لهولاكو جديد
إنما لم أقتل لوجه القتل يوماً..
إنما أقتلكم... كي أتسلى...
© 2024 - موقع الشعر