لِيَهنِ الهُدى إِنجاحُ سَعيِكَ في العِدا - ابن زيدون

لِيَهنِ الهُدى إِنجاحُ سَعيِكَ في العِدا
وَأَن راحَ صُنعُ اللَهِ نَحوَكَ وَاِغتَدى

وَنَهجُكَ سُبلَ الرُشدِ في قَمعِ مَن غَوى
وَعَدلُكَ في اِستِئصالِ مَن جارَ وَاِعتَدى

وَأَن باتَ مَن والاكَ في نَشوَةِ الغِنى
وَأَصبَحَ مَن عاداكَ في غَمرَةِ الرَدى

وَبُشراكَ دُنيا غَضَّةُ العَهدِ طَلقَةٌ
كَما اِبتَسَمَ النُوّارُ عَن أَدمُعِ النَدى

وَدَولَةُ سَعدٍ لا اِنتِهاءَ لِحَدِّهِ
إِذا قيلَ فيهِ قَد تَناهى تَوَلَّدا

دَعَوتَ فَقالَ النَصرُ لَبَّيكَ ماثِلاً
وَلَم تَكُ كَالداعي يُجاوِبُهُ الصَدى

وَأَحمَدتَ عُقبى الصَبرِ في دَرَكِ المُنى
كَما بَلَغَ الساري الصَباحَ فَأَحمَدا

أَعَبّادُ يا أَوفى المُلوكِ بِذِمَّةٍ
وَأَرعاهُمُ عَهداً وَأَطوَلَهُم يَدا

تَبايَنتَ في حالَيكَ غُرتَ تَواضُعاً
لِتَستَوفِيَ العَليا وَأَنجَدتَ سودَدا

وَلَمّا اِعتَضَدتَ اللَهَ كُنتَ مُؤَهَّلاً
لَدَيهِ لِأَن تُحمى وَتُكفى وَتُعضَدا

وَجَدناكَ إِن أَلفَحتَ سَعياً نَتَجتَهُ
وَغَيرُكَ شاوٍ حينَ أَنضَجَ رَمَّدا

وَكَم ساعَدَ الأَعداءُ أَوَّلَ مُطمَعٍ
رَأَوكَ بِعُقباهُ أَحَقَّ وَأَسعَدا

فَلا ظافِرٌ إِلّا إِلى سَعدِكَ اِعتَزى
وَلا سائِسٌ إِلّا بِتَدبيرِكَ اِقتَدى

ضَلالاً لِمَفتونٍ سَمَوتَ بِحالِهِ
إِلى أَن بَدَت بَينَ الفَراقِدِ فَرقَدا

رَأى حَطَّها أَولى بِهِ فَأَحَلَّها
حَضيضاً بِكَفرانِ الصَنيعَةِ أَوهَدا

وَما زادَ لَمّا لَجَّ في البَغيِ أَنَّهُ
سَعى لِلَّذي أَصلَحتَ مِنها فَأَفسَدا

فَزَلَّ وَقَد أَمطَيتَهُ ثَبَجَ السُها
وَضَلَّ وَقَد لَقَّيتَهُ قَبَسَ الهُدى

طَويلُ عِثارِ الجُرمِ قُلتَ لَهُ لَعاً
بِحِلمٍ تَلَقّى جَهلَهُ فَتَغَمَّدا

تَجَنّى فَأَهدَيتَ النَصيحَةَ مَحضَةً
وَلَجَّ فَوالَيتَ العِقابَ مُرَدَّدا

وَلَم تَألُهُ بُقيا عَلَيهِ تَنَظُّراً
لِفَيئَةِ مَن أَكرَمتَهُ فَتَمَرَّدا

فَما آثَرَ الأولى وَلا قَلَّدَ الحِجى
وَلا شَكَرَ النُعمى وَلا حَفِظَ اليَدا

كَأَنَّكَ أَهدَيتَ السَوابِحَ ضُمَّراً
لِيَركِضَها فيما كَرِهتَ فَيُجهِدا

وَأَجرَرتُهُ ذَيلَ الحَبيرِ تَأَلُّفاً
لَيَخلُقَ فيما جَرَّ حِقداً مُجَدَّدا

سَلِ الحائِنِ المُعتَرَّ كيفَ اِحتِقابُهُ
مَعَ الدَهرِ عاراً بِالعِرارِ مُخَلَّدا

رَأى أَنَّهُ أَضحى هِزَبراً مُصَمِّماً
فَلَم يَعدُ أَن أَمسى ظَليماً مُشَرَّدا

دَهاهُ إِذا ماجَنَّهُ اللَيلُ أَنَّهُ
أَقامَ عَلَيهِ آخِرَ الدَهرِ سَرمَدا

يُحاذِرُ أَن يُلفى قَتيلاً مُعَفَّراً
إِذا الصُبحُ وافى أَو أَسيراً مُقَيَّدا

لَبِئسَ الوَفاءُ اِستَنَّ في اِبنِ عَقيدَةٍ
عَشِيَّةَ لَم يُصدِرهُ مِن حَيثُ أَورَدا

قَرينٌ لَهُ أَغواهُ حَتّى إِذا هَوى
تَبَرَّأَ يَعتَدُّ البَراءَةَ أَرشَدا

فَأَصبَحَ يَبكيهِ المُصابُ بِثُكلِهِ
بُكاءُ لَبيدٍ حينَ فارَقَ أَربَدا

فِداءٌ لِإِسماعيلَ كُلُّ مُرَشَّحٍ
إِذا جُشِّمَ الأَمرُ الجَسيمَ تَبَلَّدا

أَفادَ مِنَ الأَملاكِ حِدثانِ فَشلِهِم
مَوالِيَ لَم يَشكُ الصَدي مِنهُمُ الصَدى

أَعادَ الصَباحَ الطَلقَ لَيلاً عَلَيهِمُ
فَجاءَ وَأَثنى ناظِرَ الشَمسِ أَرمَدا

فَحَلَّ هِلالاً في ظَلامِ عَجاجَةٍ
تُلاحِظُهُ الأَقمارُ في الأُفقِ حُسَّدا

يُراجِمُ مِن صِنهاجَةٍ وَزَناتَةٍ
بِمِثلِ نُجومِ القَذفِ مَثنىً وَموحَدا

هُمُ الأَولِياءُ المانِحوكَ صَفاؤُهُم
إِذا امتازَ مُصفي الوُدَّ مِمَّن تَوَدَّدا

لَهُم كُلُّ مَيمونِ النَقيبَةِ بازِلٍ
كَفيلٍ بِأَن يَستَهزِمَ الجَمعَ مُفرَدا

يَسُرُّكَ في الهَيجا إِذا جَرَّ لامَةً
وَيُرضيكَ في النادي إِذا اِعتَمَّ وَاِرتَدى

كَرِهتَ لِسَيفِ المُلكِ أُلفَةَ غِمدِهِ
وَقَلَّ غَناءُ السَيفِ ماكانَ مُغمَدا

وَلَم تَرَ لِلشِبلِ الإِقامَةَ في الثَرى
فَجَدَّ اِفتِراساً حينَ أَصحَرَ لِلعِدا

هُمامٌ إِذا حارَبتَ فَاِرفَع لِواءَهُ
فَما زالَ مَنصورَ اللِواءِ مُؤَيَّدا

وَيَأنَفُ مِن لينِ المِهادِ تَعَوُّضاً
بِصَهوَةِ طَيّارٍ إِلى الرَوعِ أَجرَدا

وَقِدماً شَكا حَملَ التَمائِمِ يافِعاً
لِيَحمِلَ رَقراقَ الفِرِندِ مُهَنَّدا

وَلَم نَرَ سَيفاً باتِكَ الحَدِّ قَبلَهُ
تَناوَلَ سَيفاً دونَهُ فَتَقَلَّدا

لَئِن أَنجَزَت مِنهُ الشَمائِلُ آخِراً
لَقَد قَدَّمَت مِنهُ المَخايِلُ مَوعِدا

قَرَرتَ بِهِ عَيناً فَكَم سادَ عِترَةً
وَكَم ساسَ سُلطاناً وَكَم زانَ مَشهَدا

وَأَعطَيتُما فيما تُريغانِهِ الرِضى
وَبُلِّغتُما مِمّا تُريدانِهِ المَدى

© 2024 - موقع الشعر