الرَأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُجعانِ - أبو الطيب المتنبي

الرَأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُجعانِ "
" هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثاني

فَإِذا هُما اِجتَمَعا لِنَفسٍ مِرَّةٍ "
" بَلَغَت مِنَ العَلياءِ كُلَّ مَكانِ

وَلَرُبَّما طَعَنَ الفَتى أَقرانَهُ "
" بِالرَأيِ قَبلَ تَطاعُنِ الأَقرانِ

لَولا العُقولُ لَكانَ أَدنى ضَيغَمٍ "
" أَدنى إِلى شَرَفٍ مِنَ الإِنسانِ

وَلَما تَفاضَلَتِ النُفوسُ وَدَبَّرَتْ "
" أَيدي الكُماةِ عَوالِيَ المُرّانِ

لَولا سَمِيُّ سُيوفِهِ وَمَضاؤُهُ "
" لَمّا سُلِلنَ لَكُنَّ كَالأَجفانِ

خاضَ الحِمامَ بِهِنَّ حَتّى ما دُرِي "
" أَمِنِ اِحتِقارٍ ذاكَ أَم نِسيانِ

وَسَعى فَقَصَّرَ عَن مَداهُ في العُلا "
" أَهلُ الزَمانِ وَأَهلُ كُلِّ زَمانِ

تَخِذوا المَجالِسَ في البُيوتِ وَعِندَهُ "
" أَنَّ السُروجَ مَجالِسُ الفِتيانِ

وَتَوَهَّموا اللَعِبَ الوَغى وَالطَعنُ في ال "
" هَيجاءِ غَيرُ الطَعنِ في المَيدانِ

قادَ الجِيادَ إِلى الطِعانِ وَلَم يَقُد "
" إِلّا إِلى العاداتِ وَالأَوطانِ

كُلُّ اِبنِ سابِقَةٍ يُغيرُ بِحُسنِهِ "
" في قَلبِ صاحِبِهِ عَلى الأَحزانِ

إِن خُلِّيَتْ رُبِطَتْ بِآدابِ الوَغى "
" فَدُعاؤُها يُغني عَنِ الأَرسانِ

في جَحفَلٍ سَتَرَ العُيونَ غُبارُهُ "
" فَكَأَنَّما يُبصِرنَ

بِالآذانِ
يَرمي بِها البَلَدَ البَعيدَ مُظَفَّرٌ "

" كُلُّ البَعيدِ لَهُ قَريبٌ دانِ
فَكَأَنَّ أَرجُلَها بِتُربَةِ مَنبِجٍ "

" يَطرَحنَ أَيدِيَها بِحِصنِ الرانِ
حَتّى عَبَرنَ بِأَرسَناسَ سَوابِحًا "

" يَنشُرنَ فيهِ عَمائِمَ الفُرسانِ
يَقمُصنَ في مِثلِ المُدى مِن بارِدٍ "

" يَذَرُ الفُحولَ وَهُنَّ كَالخِصيانِ
وَالماءُ بَينَ عَجاجَتَينِ مُخَلِّصٌ "

" تَتَفَرَّقانِ بِهِ
وَتَلتَقِيانِ

رَكَضَ الأَميرُ وَكَاللُجَينِ حَبابُهُ "
" وَثَنى الأَعِنَّةَ وَهوَ كَالعِقيانِ

فَتَلَ الحِبالَ مِنَ الغَدائِرِ فَوقَهُ "
" وَبَنى السَفينَ لَهُ مِنَ الصُلبانِ

وَحَشاهُ عادِيَةً بِغَيرِ قَوائِمٍ "
" عُقمَ البُطونِ حَوالِكَ الأَلوانِ

تَأتي بِما سَبَتِ الخُيولُ كَأَنَّها "
" تَحتَ الحِسانِ مَرابِضُ الغِزلانِ

بَحرٌ تَعَوَّدَ أَن يُذِمَّ لِأَهلِهِ "
" مِن دَهرِهِ وَطَوارِقِ الحَدَثانِ

فَتَرَكتَهُ وَإِذا أَذَمَّ مِنَ الوَرى "
" راعاكَ وَاِستَثنى بَني حَمدانِ

المُخفِرينَ بِكُلِّ أَبيَضَ صارِمٍ "
" ذِمَمَ الدُروعِ عَلى ذَوي التيجانِ

مُتَصَعلِكينَ عَلى كَثافَةِ مُلكِهِم "
" مُتَواضِعينَ عَلى عَظيمِ الشانِ

يَتَقَيَّلونَ ظِلالَ كُلِّ مُطَهَّمٍ "
" أَجَلِ الظَليمِ وَرِبقَةِ السَرحانِ

خَضَعَت لِمُنصُلِكَ المَناصِلُ عَنوَةً "
" وَأَذَلَّ دينُكَ سائِرَ الأَديانِ

وَعَلى الدُروبِ وَفي الرُجوعِ غَضاضَةٌ "
" وَالسَيرُ مُمتَنِعٌ مِنَ الإِمكانِ

وَالطُرْقُ ضَيِّقَةُ المَسالِكِ بِالقَنا "
" وَالكُفرُ مُجتَمِعٌ عَلى الإيمانِ

نَظَروا إِلى زُبَرِ الحَديدِ كَأَنَّما "
" يَصعَدنَ بَينَ مَناكِبِ العِقبانِ

وَفَوارِسٍ يُحَيِ الحِمامُ نُفوسَها "
" فَكَأَنَّها لَيسَت مِنَ الحَيَوانِ

ما زِلتَ تَضرِبُهُمْ دِراكًا في الذُرى "
" ضَربًا كَأَنَّ السَيفَ فيهِ اِثنانِ

خَصَّ الجَماجِمَ وَالوُجوهَ كَأَنَّما "
" جاءَتْ إِلَيكَ جُسومُهُمْ بِأَمانِ

فَرَمَوا بِما يَرمونَ عَنهُ وَأَدبَروا "
" يَطَؤونَ كُلَّ حَنِيَّةٍ مِرنانِ

يَغشاهُمُ مَطَرُ السَحابِ مُفَصَّلاً "
" بِمُثَقَّفٍ وَمُهَنَّدٍ

وَسِنانِ
حُرِموا الَّذي أَمِلوا وَأَدرَكَ مِنهُمُ "

" آمالَهُ مَن عادَ بِالحِرمانِ
وَإِذا الرِماحُ شَغَلنَ مُهجَةَ ثائِرٍ "

" شَغَلَتهُ مُهجَتُهُ عَنِ الإِخوانِ
هَيهاتَ عاقَ عَنِ العِوادِ قَواضِبٌ "

" كَثُرَ القَتيلُ بِها وَقَلَّ العاني
وَمُهَذَّبٌ أَمَرَ المَنايا فيهِمُ "

" فَأَطَعنَهُ في طاعَةِ الرَحمَنِ
قَد سَوَّدَتْ شَجَرَ الجِبالِ شُعورُهُمْ "

" فَكَأَنَّ فيهِ مُسِفَّةَ الغِربانِ
وَجَرى عَلى الوَرَقِ النَجيعُ القاني "

" فَكَأَنَّهُ النارَنجُ في الأَغصانِ
إِنَّ السُيوفَ مَعَ الَّذينَ قُلوبُهُمْ "

" كَقُلوبِهِنَّ إِذا اِلتَقى الجَمعانِ
تَلقى الحُسامَ عَلى جَراءَةِ حَدِّهِ "

" مِثلَ الجَبانِ بِكَفِّ كُلِّ جَبانِ
رَفَعَتْ بِكَ العَرَبُ العِمادَ وَصَيَّرَتْ "

" قِمَمَ المُلوكِ مَواقِدَ النيرانِ
أَنسابُ فَخرِهِمُ إِلَيكَ وَإِنَّما "

" أَنسابُ أَصلِهِمُ إِلى عَدنانِ
يا مَن يُقَتِّلُ مَن أَرادَ بِسَيفِهِ "

" أَصبَحتُ مِن قَتلاكَ بِالإِحسانِ
فَإِذا رَأَيتُكَ حارَ دونَكَ ناظِري "

" وَإِذا مَدَحتُكَ حارَ فيكَ لِساني
© 2024 - موقع الشعر