بقية القصة - ابراهيم ناجي

كلا ولا لغة له إلا الذي
قد جال في عينيك أو عينيا

أو لفظة جمدت على شفتيك من
فزع كما ماتت على شفتيا

أو حسرة مني إليك وحسرة
مرتدة من ناظريك إليا

لا أنت نائية ولا أنا ناء
إني لديك مقيد بوافائي

بعض الهوى يسدي كمنة منعم
وجميلة دين رهين قضاء

ويقل عمر الدهر توفية لما
أسديته بجمالك الوضاء

عمر الزمان فدى لساعة ملتقى
سمحت بها الأقدار ذات مساء

أنت التي علمتني معنى الحيا
ة حبيبة ونجيبة وصديقا

أنكرت معناها بغيرك واستوت
وتشابهت سعة علي وضيقا

ووددت لو غال الخلائق غائل
مفن أو اشتعل الصباح حريقا

وسلمت أنت فأنت أدناهم إلي
روحي وأبعدهم علي طريقا!

لا تسأليني عن غد لا تسألي فغدا أعود كما بدأت غريبا
هتك الستار مقنع حسناته

بخفين خلف ريائهن الذيبا
كان التلاقي بيننا كفارة

للدهر عن آثامه ليتوبا
فلتذهب الحسنات غير كريمة

سأعدهن على المتاب ذنوبا!
أرنو وحيدا للمكان الخالي

كأسي وكأسك فارغان حيالي
مر المساء مخيبا فتساءلا

وتلفتا لك في المساء التالي
حتى إلا ملا ترقب عائد

يحيي ويبعث ميت الآمال
بكياك بالحبب الحزين وربما

بكت الكؤوس على النديم السالي!
أرنو على الصهباء غم شعاعها

وامتد نحو النفس ظل جنابها
وكأنما روحي هاك حبيسة

تطفو وترسب في خطوط حبابها
وكأن رابعة هناك سجينة

مغمورة بدعموعها وعذابها
ظلت تقيم على الشموع صلاتها

حتى تلاشى النور في محرابها
كم ذكريات في الحياة عزيزة

مرت على فكن أغلاهن
حتى إذا عفت الصبابة وانقضى

ما بيننا أقلبت أسألهن
وسالت عنك العمر ماضيه وحا

ضره فكان العمر أنت وهن
والله ما غدر الزمان وإنما

هانت عليك الذكريات وهنا!
يا زهرة عذراء تنشر عطرها

وتذيع في جفن الضحى أحلامها
لاقيتها والريح تجمع شملها

والسحب تجمع برقها وغمامها
عانقتها ظماآن أشرب راحها

واستقطرت قلبي لتملأ جامها
فإذا الرياح نزعنها عن خافقي

ضمت علي أنفاسه أكمامها
حلم كما لمع الشهاب توارى

سدلت عليه بد الزمان ستارا
وحبيس شجو في دمي أطلقته

متدفقًا ودعوته أشعارًا
ووديعة رجعت فما خطب إذا

رد الذي كان الزمان أعار
قد كان قلبا فاستحال على المدى

لحنا تناقله الرواة فسار!!
يا حصني الغالي فقدتك وانطوى

ركني وأقفر موثلي وملاذي
نعطي أخذ في الحديث ومقلتي

مسحورة بجمالك الأخاذ
والدهر يغريني فأعرض لاهيا

فيظل يفتني بلك وهذي
والدهر يهزل والغرام يجد بي

ما كنت ساخرة ولا أنا هاذي
هل كان عهدك قبل تشتيت النوى

إلا مخالسة الخيال الطارق؟
إشراقة وطغى عليها مغرب

غيران يخطفها كخطف السارق
أو لمعة لم تتئد ذهبت بها

دكناء مدت كفها من حالق
وكأن ثغرك والنوى تعدو بنا

شفق يلوح على نضيد زنابق
شفتاك في لج الخواطر لاحتا

كالشاطئين وراء لج ثائر
لهما إذا التقتا على أغرودة

خرساء في ظل الجمال الساحر
إسعاد ملهوف ونجدة غارق

وعناق أحباب وعود مسافر
وبراءة الملك المتوج حسنه

بجمال رحمن وطيبة غافر
صحب الحياة فآده استصحابها

ركب على طرق الحياة كليل
خدعت ضلالات الحياة تبيعها

والدرب وعر والطريق طويل
فتلفت الساري لعل لعينه

يبدو صباح أو يلوح دليل
فبدا له نور وأشرق منزل

ألق ورف جنة وخميل
لك في خيالي روضة فينانة

غنى على أغصانها شاديها
يحمي مغارسها ويرعى نبتها

راع يجنبها البلى ويقيها
فإذا النوى طالت على وشفتي

جرحي وعاد لمهجتي يدميها
نسق الخيال زهورها وورودها

فقطفتها وشممت عطرك فيها!
بعض الهوى فيه الدمار وإنما

بعض النفوس على الدمار حراص
فيكون فيه القيد وهو تحرر

ويكون فيه الموت وهو خلاص
آمنت بالحب القوي وحتمه

ما من هواي ولا هواك مناص
إن كان داء فالسقام دواؤه

أو كان ذنبا فالمآب قصاص!
أصبحت والدنيا وداع أحبة

ودموع خلان وحزن رفاق
فسخرت من صرخاتهم وبكائهم

لا دمع إلا الدمع في أحداقي
لا صوت إلى صوت حبك في دمي

أصغي له وأراه في أطواقي
متدفقا مثل العباب ومزبدا

متفجرا كالسيل في أعماقي!
ساهرات أحلام الظلام وكلها

أشاح هجر أو طيوف وداع
مرت مواكبه على بطيئة

وإلى الفناء مشين جد سراع
حتى إذا سفك الصباح دماءه

وهوى قتيل الليل بعد صراع
أبصرت في المرآة آخر قصتي

ونعى بها نفس إلي الناعي!
يا رب أرسلت الاشعة ها هنا

وهناك تشرق في الحمى والدور
ومن الشموس دفينة في خاطري

مخبوءة الأضواء طي شعوري
وأحس في نفسي نقاء سمائها

أصفى برونقها من البلور
يا رب أودعت الضحى في مهجتي

وأنا الذي أشقى بهذا النور!
© 2024 - موقع الشعر