إلى روح الشاعر - ابراهيم ناجي

إلى روح الشاعر
ألقيت في حفلة الذكرى للشاعر

المرحوم طانيوس عبده بمعهد
الموسيقى

الشرقي يوم الثلاثاء 20 فبراير سنة 1934
موقفٌ حانَ فاغتنِمْ

وتخير مِن الكلمْ
كلَّ لفظٍ أورقَّ مِن

ضحكةِ الزهر للدِّيمْ
مستَمَدٍّ من الرُّبى

مُستعارٍ من الَنّسمْ
اجمعِ الآنَ طاقةً

غضَّةَ النور تبتسمْ
أُهدِها روحَ شاعرٍ

خالدٍ بالذي نَظمْ
قلمي! ما الذي لديكَ

من الخيرِ يا قلمْ؟!
قمْ فذكّر وناج قومَكَ

واخطُب وقل لهُمْ:
قل لأهل الغناءِ في كنف

المعهد الأَشمّ
ذلك الشاعرُ الذي

بات في خاطر الظُلمْ
هو منكم وفنُّهُ

علمَ الله فنكمْ
كان لحناً فصار ذكراً

كما يُذكَرُ الحُلمْ
انما الشعر مزهرٌ

قد حكى قصةَ الأممْ
وبأوتاره المنى

تتلاقى وتزدحمْ
هو نايٌ مُرجَّعٌ

لشجيٍّ وما كتمْ
هو قيثارةُ الزمان

ونجواه مِنْ قِدَمْ
هو أنشودة الحياةِ

وفيضٌ من النغمْ
أيها المعهد الذي

بلغ المجدَ واستتمّ
كلُّ لحنٍ مذكرٍ

أشعل القلب فاضطرمْ
نظمته يدُ الأسى

وقًعته يدُ السقمْ
وأناشيدكم وما

صاغه الفنُّ من عِظمْ
هي أنّاتُ أنفسٍ

بالمقادير ترتَطِمْ
وصباباتُ أعينٍ

يشهدُ الليل لَم تنمْ
وأغانيكمْ التي

هي في قمةِ القمَمْ
هي آهاتُ شاعر

عرف الحبَّ والألمْ!
ذلك الشاعرُ الذي

روحهُ الآن بينكمْ
لكأني أراه حَيّاً

وألقاهُ عن أمَمْ
وهو في ذروة الشباب

وفي خفةِ القَدَمْ
غاشياً كلَّ منتدىً

عاليَ الرأسِ محترمْ
كلما قال شعرَه

غمر السهلَ والعلمْ
دافقاً ليس ينتهي

أبداً سيلُه العرمْ
باذلاً للصديق والأ

هلِ كلّ الذي غِنَمْ
زوجه والبنون هُم

مجدهُ والرجاءُ هُمْ
درجوا في ذُرَا العلا

نوَّروا في رُبى النعمْ
نشأوا في حِمى العفافِ

وجلُّوا عن التُّهمْ
حين ظنوا بأنَّ ما

أمَّلوا في الزمانِ تمْ
إذ شكا الضعفَ سيد

البيتِ خارت به الهممْ
نام في حصنهِ الضَّنى

وعلى صدره جَثمْ
واذَا بالطيور قد

دخل الموتُ وكرهُمْ
شِبْهَ لصٍّ مخادعٍ

غشىَ البيت فالتهَمْ
وإذا الفاقةُ الجريئةُ

تَطْغَى وتَنْتَقِمْ
صنعتْ في رجائهمْ

فعلَة الذئبِ بالغنمْ
كأتونٍ مستعَّر

غاضبٍ ينثرُ الحُمَمَْ!
مَن رأى البؤسَ إن عدا!

مَنْ رأى الضنك إن هَجَمْ؟
مَن رأى العفةَ العريقةَ

بالدهر تصطدمْ؟!
أُمَّتي! ليس يُهزَمُ الفنُّ

في أمَّة الشَّمَمْ
أُمَّتي! ليس يخذلُ الجُودُ

في أمَّة الكرَمْ
أُمَّتي! أُمَّةُ العلا

وأبي الهول والهرَمْ
© 2024 - موقع الشعر